الجمعه ٢٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ١, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
الأردنيون في مواجهة الذات - إبراهيم غرايبة
تميزت الجدالات النيابية والإعلامية في الأردن المصاحبة لمشروع موازنة العام 2017 بتفاعلات غير مسبوقة، ولعلها تؤسس لاتجاهات جديدة في العلاقة بين المجتمعات والدولة، إذ لم تعد عمليات إدارة الموارد العامة بما هي في واقع الحال جوهر الحكم والسياسة وإنفاقها معزولة عن الرقابة والتأثير الاجتماعي والشعبي، ولم يعد الرأي العام يتقبل تمرير الموازنة في حين ينشغل النواب أمام عدسات التلفزة بالجدل والاستعراض حول مصر ومرسي وغامبيا وتركيا. ولم يعد مقبولاً أن تكون المساجد والعبادات الدينية مسرحاً حكومياً لتوظيف سياساتها واتجاهاتها، فقد كانت خطبة صلاة الجمعة التي قدمها قاضي القضاة السابق أحمد هليل سبباً في استقالته من مناصبه في ظل جدل إعلامي عاصف حول التوظيف السياسي الرسمي للمساجد والدين، ولم يعد الإعلام والتأثير في الرأي العام عملية يمكن احتكارها أو الاستمرار في تنظيمها بالأدوات والأفكار السابقة.

والحال أن الأردنيين كما جميع شعوب العالم يستشعرون التحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تجرى اليوم والفرص والتحديات المصاحبة للاقتصاد الرقمي أو الشبكي، وفي ذلك تتشكل ثلاثة تحديات رئيسة، أولها أن علاقة الدول والمجتمعات والأسواق تحتاج إلى عقد اجتماعي جديد، وإلى قيم وثقافة ومعرفة ومهارات وحكمة جديدة، ولا تكاد تسعفنا تجاربنا السابقة في بناء هذا العقد الاجتماعي، لكن من المؤكد أنه عقد يقوم أساساً على توزيع الفرص في القوة والتأثير، وأن السلطة السياسية لم تعد تحتكر القوة والتأثير في تسيير الفضاء الإعلامي. وربما لم يعد مجال سوى لتمكين المجتمعات واستقلالها ثم التفاهم والتفاوض والتسويات مع القيادات الاجتماعية الناشئة عن الحقائق الجديدة لأنه لا يمكن ترشيد الأداء الاجتماعي والإعلامي العام إلا بتنظيم اجتماعي حقيقي ومستقل عن السلطة وعن الشركات، وهذا التنظيم الاجتماعي يقدم تسويات مع السلطة والشركات مقابل مكاسب وحقوق للمجتمعات والأفراد. لكن من المهم أن تكون هذه القيادات الاجتماعية للتنظيم الاجتماعي المتشكل من البلديات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والأحياء والبلدات والأفراد تعكس بحرية وعدالة التفاعل الاجتماعي الحقيقي ومصالح المجتمعات وأولويات وألا تفرض على المجتمعات والنقابات والبلديات والمنظمات الاجتماعية قواعد منفصلة عن المجتمعات أو تابعة للسلطة أو الشركات. ففي هذه الحالة يتحول الأداء العام في محصلته إلى صراع مؤذٍ بين السلطة والمجتمعات وبين الشركات والمجتمعات.

والتحدي الثاني أنه في ظل ضعف المجتمعات وتهميشها تكونت في العقود الماضية حالة من التحالف بين السلطة والشركات ضد المجتمعات والطبقات الوسطى والفقيرة وأنتجت سياسات وتشريعات واتجاهات لمصلحة النخبة والاحتكارات وضد الغالبية الكبرى من المواطنين، ولم يعد ممكناً في تنظيم السياسة العامة والتأثير فيها سوى فكّ التحالف النخبوي الاحتكاري، وأن تكون النخب تعكس القوى الاجتماعية والاتجاهات السياسية والاجتماعية في تنظيم الموارد والإنفاق العام. فلا يمكن الحديث عن الديموقراطية وسيادة القانون من غير تنظيم عادل للتأثير والموارد والإنفاق العام، ففي غياب هذه العدالة يتجه الإعلام الشعبي اتجاهاً عدائياً وفوضوياً، وفي حالة محاولة ضبطه ومواجهته من غير سياسات اجتماعية اقتصادية عادلة تتشكل حالة من العداء بين النخب السياسية والاقتصادية وبين المجتمعات والطبقات والمصالح المتضررة من السياسات القائمة والمهيمنة.

والتحدي الثالث أنه لم يعد أمام الدول والمجتمعات سوى أن تعتمد على ذاتها في إدارة مواردها وتنظيمها وتعظيمها ثم تنفقها في أولوياتها بلا هدر أو ظلم، وبالطبع فإن العلاقات الخارجية والجدل حولها ضروريان. لكن لأجل بناء سياسة خارجية مستمدة أساساً من المصالح الوطنية وليس على سبيل التهرب من الشأن الوطني وتبرير إهماله، ففي المحصلة فإن الازدهار والتقدم في دولة أخرى لا يعودان بفائدة على البلدان الصديقة الا بنسبة ضئيلة.

ما نحتاجه بوضوح هو أن ننزع أشواكنا بأيدينا ولا بأس في اثناء ذلك بالانشغال بشؤون الآخرين وأفراحهم وآلامهم، وبصراحة فإنه يريبني هذا الاستغراق بالشأن الخارجي القريب أو البعيد. وبالطبع فإن ذلك ليس ضد التضامن العربي والعالمي ولا تقديم المساعدة والتأييد الممكنين أو طلب المساعدة من الأصدقاء.


* كاتب أردني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة