السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ١١, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
الأردن الحديث: خبرة متمكنة في المرور الآمن بين الحرائق الاقليمية - مهند مبيضين
نشأ الأردن الحديث نتيجة لالتقاء تيارين، هاشمي إسلامي، عبرت عنه ثورة الحسين بن علي ضد الأتراك 1916، ووطني أردني وحدوي، عبرت عنه مطالب الأردنيين في مؤتمر أم قيس بتاريخ 2 أيلول (سبتمبر) 1920 والذي عقد بين أهالي قضاء عجلون والميجر سومرست ممثل المعتمد البريطاني في القدس هيربرت صموئيل، وفيه طالب الأهالي بتشكيل حكومة عربية وطنية مستقلة مكونة من لوائي السلط والكرك وقضائي عجلون وجرش وضم لواء حوران وقضاء القنيطرة (سورية)، وتمنوا ضمّ قضائي مرجعيون وصور (لبنان) للحكومة في المستقبل وطالبوا بحكم أمير عربي لدولتهم.

على هذا الأساس استقبل عبد الله الأول، الذي ما كاد يصل عمان بطلب من أهالي البلاد ويعلن إمارته العام 1921 ويؤسس أول إدارة محلية دستورية في 11/4/1921، ثم يحصل على الاعتراف البريطاني بها ككيان مستقل بتاريخ 25/5/1923، حتى بدأت البلاد الأردنية تدخل زمن الدولة والمؤسسات والمعارضة الوطنية التي شارك بها الاستقلاليون العرب في حزب الاستقلال السوري، والذي عمل إلى جانب حزب الشعب الأردني طيلة العشرينات في سبيل القضية الأردنية والعربية ومن أجل حكم ديموقراطي.

وفي غضون عقد من الزمن 1921-1931 شهدت أول قانون انتخاب ودستور/ القانون الأساسي، وبدأت المجالس التشريعية دورها في العمل الوطني من خلال خمسة مجالس انتخبت بين عامي 1929-1947. وحتى الاستقلال ندر تعيين وزراء من أصل أردني ولم يكن هناك أي رئيس حكومة من شرق الأردن. بل من النخب العربية التي وفدت بعد تأسيس الإمارة.

ناضل الأردنيون من أجل حكم القانون وفصل السلطات، وتطور وعيهم السياسي بموازاة التحديث السياسي الذي أرسى مبدأ الفصل التام بين السلطات الثلاث، وكان ذلك واضحاً في المجلس التشريعي الثاني حيث حاول إسقاط حكومة عبد الله سراج، إلا أن عدم وجود التجربة الكافية للمجلس جعل الحكومة تكمل مدتها الدستورية حتى عام 1934.

ونتيجة لمسار طويل من المطالب الوطنية، عبر الأحزاب السياسية والمؤتمرات الوطنية التي شارك بها زعماء القبائل، والنخب السياسية من مختلف التيارات الفكرية، إضافة للضغط الذي مارسه الملك المؤسس، حصلت الدولة الأردنية على استقلاها الكامل في 25 أيار (مايو) 1946، وكان ذلك التاريخ بداية زمن وطني أردني جديد. وهو استقلال صنعته الوطنية الأردنية بعد موجة الاستقلال العربي في العراق وسورية ولبنان، وتوّج بإعلان دستور العام 1947، ومن ثم الوحدة الأردنية الفلسطينية 1950.

مع تولي الملك طلال الحكم (1951-1953)، أخذت عملية التحديث والإصلاح السياسي بعداً جديداً في تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات وسلطة القانون ودولة المواطنة وذلك بإعلان الدستور الثالث في الدولة الأردنية عام 1952، والذي عزز العملية الديموقراطية وأنضجها في شكل سليم لتأخذ في عهد الملك حسين (1953-1999) طابعاً خاصاً، تأثر بالأحداث الإقليمية، والتطورات الداخلية، فكان العام 1956 والذي شهدّ أول حكومة حزبية في تاريخ الدولة لحظة هامة في التاريخ السياسي للأردن المعاصر، لكنها لم تستمر، وغابت الدمقرطة بعد هذا التاريخ، وظلت حتى العام 1989 والذي استجاب فيه الحسين بن طلال لمطالب الشعب الأردني باستئناف الحياة الديموقراطية بعد ثورة في الجنوب ضد حكومة زيد الرفاعي، وتلى ذلك إجراء انتخابات مثلت التجربة الأفضل في تاريخ الديموقراطية النيابية الأردنية والتي تحمل في ثناياها 5 مجالس تشريعية و18 مجلساً نيابياً.

خلال تسعة عقود من الزمن الأردني، ظل الأردن محفوفاً بالنكبات والنكسات وحرائق الإقليم، تضاعف سكانه منذ تأسس عام 1920 من ربع مليون مواطن إلى نحو 12 مليون نسمة مقيمون على أرض الأردن اليوم، ومن النادر أن يتضاعف سكان دولة بهذا الحجم.

لكن الحكم التزم بالتحديث السياسي، وبناء مؤسسات أيديولوجية تخدم الدولة والنظام معاً، وعززت الملكيّة وجودها وشرعيتها جراء الالتزام ببناء المؤسسات والعمل على صياغة هوية وطنية موحدة للجميع والاعتناء بالتعليم، وقد أسست لتلك الهوية لحظات سياسية موحدة أهمها العام 1921 حيث تم التأسيس للكيانية الوطنية، والعام 1923 في الضغط لأجل الاستقلال السياسي، والعام 1928 بانعقاد المؤتمر الوطني الأول والعام 1946 بإعلان الاستقلال الكامل والعام 1968 بالانتصار في معركة الكرامة وهو نصر مشترك مع الفدائيين، والعام 1989 باستعادة الحياة الديموقراطية والعام 1991 بإعلان الميثاق الوطني والعام 1999 بانتقال الحكم للملك عبد الله الثاني ودخول الدولة في زمن المملكة الرابعة.

إن الحياة الديموقراطية الأردنية والمتصلة في شكل وثيق بالتجارب الوطنية والتاريخ السياسي، والتكوين الحديث لمصائر المجتمع والدولة في الأردن، قابلة للتطور، شريطة إيضاح شكل الدولة والمضي في الإصلاح وعدم التراجع عنه، وعدم تجريب المجرب من نخب والعمل على توسيع مشاركة الناس في العمل السياسي ومحاربة الفساد بجدية.

فبعد نحو مئة عام على لحظة التأسيس، يطلُ الأردن، كدولة معوزة بلا ثروات نفطية، وبعوائق الفقر والبطالة وكلفة اللجوء السوري، لكنه يملك القوة الناعمة التي يجب الاستثمار فيها، والمتمثلة بالتعليم الذي يميز أبناء الأردن وتفوقهم اليوم في الخدمات والعلوم الطبية والهندسة، ففيه مثلاً أعلى نسبة من المهندسين نسبة لعدد السكان في العالم.

والأردن اليوم، على رغم توالي الهجرات ومنذ ما قبل الدولة حيث الهجرات الشركسية والشيشانية ومن ثم الليبية بعد احتلال إيطاليا لليبيا، وصولاً لوفود العائلات الحجازية والشامية مطلع القرن الماضي ومع تأسيس الإمارة، ومن ثم بعد النكبة ثم مع النكسة ومن ثم العام 1990 ووصولاً للهجرة العراقية 2003 وحتى الحرب السورية، يعيش في حرائق دائمة، لم يعرف الراحة، لكنه طور حالة من الاستجابة، وهي قد تكون شكلت مناعته ضد الانهيار، لكن النسيج الاجتماعي اليوم، والإبقاء على حالة اليقين التام في الولاء للحكم، مع الاستمرار بالإخفاق التنموي للحكومات، وازدياد الوعي قد يهدد بعودة الأسئلة المصيرية في شكل احتجاجي نتيجة الوعي وقد يحدث ذلك بحدود العام 2020 وهو يذكر بما حدث العام 1989 إذا لم تحصل معالجات سريعة لتراجع الخدمات العامة وضعف اختيار القيادات وتكرار الأخطاء (وقد حدثت مؤخراً أخطاء بالجملة) واستمر غياب تمثيل الناس الحقيقي في المشهد السياسي.

في المقابل، وفي ظل رغبات الملك الإصلاحية، فإن تياراً محافظاً يصعد، يفضل الطاعة الكاملة والولاء على أي نزعة إصلاحية تقدمية، وفي ظل ما يحدث في الإقليم، فإن الإصلاح والتحول الديموقراطي المطلوب يظل في حالة بطء شديد. والقول أن أجراء الانتخابات وديمومتها مؤشر على الرغبة بالتحديث لا يكفي، فالانتخابات في الأردن لا تـخرج دومـاً الأفـضل، بل تكرس الفاسدين أحياناً، والمشاركة فيها ضعيفة، كما أن أسئلة المستقبل بحاجة للنقاش والإجابة. مثل قرار فك الارتباط والعلاقة مع فلسطين، ومدى القدرة على مواجهة تحديات الاقتصاد وقابلية الدولة للتوسع وغيرها من أسئلة وجودية ومصيرية.

صحيح أن الأردن يكاد البلد العربي الوحيد الذي يطرح الانفتاح والتحديث في ظل أزمات تفوق قدراته، وهو لم يشهد وعوداً ثورية تقدمية لتجاوزها، لكنه بلد يملك ثورة علمية ممثلة بقوة المعرفة برأي ميشيل فوكو، والتي تشكل أساساً لأي تـطور سيـاسـي مقبـل، وصالحـة لتـحدث أي إصلاح جدي، وهو بـحاجة لتعزيز النهج الديموقراطي والحيـلولة دون التراجع عن الخيار الديموقراطي وتعزيز الثقافة الديموقراطية، وابتكار أساليب جديدة في اختيار الحكومات ودور أفضل للأحزاب، وتعزيز سلطة القانون ومبادئ المواطنة، بالإضافة لحماية التعليم بالإصلاح والتطوير وليس باجتهادات عابرة لإرضاء الكبار كما يتم حالياً، وأزمة المناهج خير مثال، كما يحتاج لمراجعة خطط الجامعات والحفاظ على استقلاليتها ودعمها مالياً.

الكلام عن المواطنة وسيادة القانون كان عنوان ورقة نقاش طرحها الملك أخيراً، لكن الحديث عن العدالة والفرص لا يجد صدى على الأقل في اختيار الكفاءات، وتمثيل الناس، وتتعمق كل يوم المعالجات الآنية، ويجري الاختيار من دون عدالة إلى الوظائف العليا وتتعمق الفجوة وتنضب مصادر الولاء ما لم يكن هناك التزام جدي بما يدعو إليه الملك.

في هذا الظرف، جاء مجلس النواب الثامن عشر، في ظل حكومة يرأسها نجل رئيس حكومة سابق مما يعزز التوريث السياسي، كل ذلك يحدث والأردنيون يقبلون بنهم على التعليم ويبيعون كل شيء لأجله، وبملك يدرك أن من حوله يخطئون كثيراً في تقدير قوة المجتمع، ويراهنون على صمت الجمهور حتى لا يلقوا مصيراً مشابهاً لشعوب المنطقة. لكنه حين يدخل الناس في القلق يسهم في عقلنة المجتمع والحوار معه وفي شكل مباشر عبر زيارات للمحافظات ولقاء الوجهاء والشباب أو الكتابة في شكل أوراق نقاش.

لكن، وليس أخيراً، في الأردن تتلخص تجارب الإقليم، والواقع إن الملكية تزداد رسوخاً في حياة المجتمع، وعليها إجماع، وثمة أخطاء تتحملها الحكومات، وفي الأردن إسلام سياسي جرب ويزداد انقساماً، ويسار تقدمي واجتماعي يدير اليوم برموزه الانتخابات والتنمية السياسية لكن نجاحه محدود، وتيار ليبرالي منكفئ على مصالحه، وقوى محافظة متمترسة عند مواضعها، إلا أن القليل من الحلول يحدث والقليل من الإصلاح ينجز في موعده.

ومع ذلك فالبلد قادر على الصمود، ليس بسبب الانتظار والوعي، فمع كلّ التجارب والتحديات، نسج الأردنيون حكماً ومؤسسات وأفراد رؤية خاصة بهم للمرور الآمن وسط حرائق الإقليم، رؤية لم يكن ممكناً تحققها لولا قدرات أبنائه، ووعي الحكم بحتمية مواجهة التحديات، واحتراف أجهزته الأمنية، والتزام النظام برفض العنف. والاستثمار بالإنسان.

* كاتب أردني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (1)
التاريخالاسم عنوان التعليق
11/11/16هاكوب اللارمن في اللردن
ذكر عن الشركس وال شيشان ولم يذكر اي شيء عن الارمن الذين كانو مع جلاله اللك في ذالك الحين امثال المصور بدروس دومنيان واخرين ارجو من ناشر الخبر التنويه وشكرا

اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة