الجمعه ٣ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ١١, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
أنماط لمجموعات العنف السياسي في مصر - كرم سعيد
على رغم أن العنف ظاهرة عالمية، فإن مصر كانت لعقود خلت تُعَد من أقل المناطق التي ينتشر فيها العنف، سواء من حيث عدد أحداثه أو درجة حدتها قياساً بأعداد القتلى والمصابين وحجم التدمير والتخريب في المنشآت العامة والخاصة. وساهمت لفترات طويلة نسبياً حالة الاستقرار الاقتصادي وتراجع المديونيات الحكومية وغياب أخطار الاضطرابات الاجتماعية، وعوامل عدة أخرى من بينها القبضة الأمنية وإمساك الأنظمة بمفاصل المشهد السياسي، في توفير مناخ الاستقرار.

وعلى رغم انتشار أنماط متعددة وأشكال مختلفة للعنف في مصر من بينها، العنف الطائفي، والعنف الجهادي الذي مارسته الجماعات المسلحة، لكن يظل مثيراً للقلق ظهور مجموعات تتبنى عنفاً ذا طابع سياسي، في مواجهة النظام الحاكم. واشتد هذا القلق مع اغتيال ضابط كبير في الجيش أثناء خروجه من منزله في القاهرة، وإعلان جماعة تطلق على نفسها اسم «لواء الثورة» مسؤوليتها عن العملية عبر موقع «تويتر».

اغتيال الضابط عادل رجائي لم يكن العملية الأولى لهذه الجماعة التي سبق أن تبنت هجوماً على مكمن للشرطة في محافظة المنوفية، شمال القاهرة، في آب (أغسطس) الماضي، وتوعدت أخيراً في بيان الردَّ على مقتل القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» محمد كمال. وعلى رغم أن العنف ظاهرة عابرة للأوطان باعتباره أحد مظاهر الاجتماع البشري، فإن اللافت حالياً هو إعادة توظيف العنف والعنف المضاد سياسياً في مصر. برز ذلك مثلاً في محاولة اغتيال المفتي السابق علي جمعة في 5 آب الماضي قرب منزله في ضاحية السادس من أكتوبر، ومدير التفتيش القضائي زكريا عبد العزيز في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، وتبنت الهجومين حركة أطلقت على نفسها «سواعد مصر- حسم».

وعلى رغم حداثة ظهور هذه المجموعات التي تعلى الأهداف السياسية في عملياتها النوعية ضد رموز السلطة ومؤسساتها، فثمة اعتقاد أمني بأنها أذرع عسكرية جديدة لجماعة الإخوان المسلمين أو على الأقل مناصرة لها. ولكن هناك مؤشرات على عدم وجود رابط بين أبناء العنف الجدد وجماعة «الإخوان»، لأن هذه المجموعات تسعى إلى لجم العصا الأمنية، أولها عدم استخدام مصطلحات التيار الإسلامي، إذ تؤكد في بياناتها أن «الأمة مصدر السلطات»، ولا ترتكز على قواعد فقهية أو تتحدث عن «الحاكمية»، وإنما عن مفاهيم الديموقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان وسيادة القانون والقيم الفردية. وثانيهما أن عملياتها النوعية استهدفت بالأساس عناصر النظام وأنصاره، وبدا ذلك في اغتيال النائب العام هشام بركات في تفجير استهدف موكبه في 29 حزيران (يونيو) 2015، علماً أن وزارة الداخلية اتهمت جماعة الإخوان المسلمين ومعها حركة «حماس» بالتورط في التخطيط والإعداد والتنفيذ. وفي أيلول 2013 جرت محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية آنذاك.

وخلافاً للجماعات الأصولية التي تركز على تشويه الصورة الذهنية للأنظمة الحاكمة في الوعي الجمعي الإسلامي، باعتبار أن سياستها العلمانية تستهدف الدين، وبالتالي فهي عدو يجب القصاص منه، تستهدف الحركات المسلحة ذات الطابع السياسي من عملية التعبئة والحشد ضد النظام الحاكم تشويه صورته الذهنية باعتباره يرسخ ثقافة الاستبداد ويغلق المجال العام. ويرتبط المؤشر الرابع بأن هذه الحركات المسلحة الصغيرة لا تدافع عن مشروع فكري أو دعوي، فضلاً عن أن تحركاتها في جانب منها جاءت رد فعل على منهج التصفية ضد الممانعين، وبرز ذلك في تصفية ما عرف إعلامياً بـ «خلية المعادي» في شباط (فبراير) الماضي، ناهيك بتصفية 13 من قادة جماعة الإخوان المسلمين في 1 تموز (يوليو) الماضي، على أيدي قوات الشرطة في مدينة 6 أكتوبر رداً على اغتيال النائب العام.

وتعتمد المجموعات الجديدة على أنماط عنف متباينة، منها نمط الخلايا ذات الروابط التنظيمية الذي يعتمد على الجماعية والتضامنية إلى حد كبير. وتدبر هذه الخلايا تمويلها من الأفراد التابعين لها عبر شبكات وأساليب مالية مضللة للأجهزة الرقابية. كما تعتمد النمط الدعائي الذي يتمثل في عمليات تعلن بها عن نفسها. ويستهدف هذا النمط إحراج النظام أمام الناس، أو تفجير الاحتقان المجتمعي. وفي المقابل تركز الآلة الدعائية لهذه المجموعات على أن «الحل السياسي»، أياً كانت صوره، يعتبر «الملاذ الأيديولوجي» الآمن والقادر في الوقت نفسه على صوغ إجابات عن الأسئلة التي يثيرها الأفراد والقوى السياسية. وتعتمد هذه المجموعات أيضاً على نمط العنف الإلكتروني الذي يرتكز على توظيف التكنولوجيا في عمليات التجنيد والتعبئة والتخطيط والتنسيق والتمويل وجمع المعلومات.

وينحصر عنف تلك المجموعات في شكلين أساسيين، أولهما تكتيك إطلاق النار، وظهر ذلك في استهداف المفتي السابق علي جمعة، إضافة إلى تكتيك التفجير بواسطة قنابل يدوية، كما في عملية اغتيال النائب العام. وعلى رغم محدودية حضورها الجغرافي وعدد عناصرها، فإنها تمثل خطراً من نوع جديد، إذ يمكنها أن تقض مضاجع المدن المركزية، خلافاً لعنف الجماعات الدينية الذي يستهدف الأطراف، وهو الأمر الذي قد يزيد وطأة أزمة مصر الاقتصادية. في المقابل، فإن عمليات العنف ذات الطابع السياسي تكشف تحولاً تكتيكياً في تطورها، وهو ما ينذر بمستقبل أكثر فوضوية، ويضع المعادلة الأمنية عند مفترق طرق. لذا فإن معالجة تنامي تلك الظاهرة تتطلب فتح حالة الانسداد السياسي، والاستجابة لمطالب المحتجين بدلاً من رفع العصا الغليظة، وفي إطار يحترم الدستور ويُعلي شأن دولة المؤسسات، إلى جانب تسوية عادلة للاحتقان المجتمعي الذي يقلق الدولة ويزيدها انغماساً في همها الداخلي.

* كاتب مصري



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة