الأربعاء ٢٤ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيلول ٧, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
أداء البرلمان المصري في دورته الأولى - محمد شومان
أنهى البرلمان المصري دورته الأولى بالعديد من الإنجازات المهمة، أهمها إقرار 341 قانوناً كانت صدرت بقرارات من الرئيس الانتقالي عدلي منصور والرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، أثناء غياب البرلمان، ومنح الدستور البرلمان حق قبول أو رفض هذه القوانين خلال 15 يوماً. كما أصدر البرلمان لائحة داخلية جديدة، وزهاء 60 قانوناً ذات طابع مالي وإداري، فضلاً عن قانون بناء الكنائس والخدمة المدنية، وشكَّل البرلمان لجاناً لتقصي الحقائق نجحت إحداها في الكشف عن الفساد في عمليات توريد القمح لوزارة التموين، ما عجّل، إضافة إلى أسباب أخرى، في استقالة وزير التموين.

الإنجازات السابقة لم تمنع انتقاد أداء البرلمان وظهور حالة عامة من عدم الرضا يشترك فيها الرأي العام والإعلام وكثير من أعضاء البرلمان نفسه، وبالطبع لكل منهم أسبابه، فهناك من ينتقد أداء البرلمان بسبب تراجع دوره التشريعي لصالح الحكومة التي انفردت بتقديم مشاريع القوانين، وهناك من كان يراهن على توسيع دور البرلمان في وضع وتنفيذ السياسات ومراقبة أداء الحكومة، وهو ما لم يتحقق، حيث ظلت الحكومة لاعباً رئيساً، بينما اقتصر دور البرلمان على الدعم والتأييد، حيث غابت أو غيبت الاستجوابات والأسئلة وطلبات الإحاطة البرلمانية. أخيراً، تركزت أغلب الانتقادات لأداء البرلمان على عدم التزامه ببعض مواد الدستور واللائحة الداخلية، مثل نص المادة 241، التي تلزم البرلمان بإصدار قانون العدالة الانتقالية، وتلزم المادة 109 أيضاً أعضاء البرلمان بتقديم إقرار ذمة مالية عند شغل العضوية، وعند تركها، وهو ما لم يلتزم به أكثر من نصف الأعضاء! كما أقر البرلمان الموازنة العامة للدولة للعام المقبل، من دون مناقشة الحساب الختامي، ولم تلتزم الحكومة أو البرلمان بالمادة 18 من الدستور، التي تنص على أن «تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية». كما نصت المادة 19 على التزام الدولة تخصيص 4 في المئة على الأقل من الناتج القومي للتعليم تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. أكثر من ذلك فإن اتفاق الحكومة على قرض صندوق النقد الدولي تسبب في مخالفة دستورية للبرلمان، فقد نصت المادة 127 على أنه «لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة المعتمدة، يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة، إلا بعد الحصول على موافقة البرلمان وهو ما لم يحدث».

والثابت أن البرلمان ليس المؤسسة الوحيدة التي لا تلتزم بمواد الدستور، فثمة مؤسسات أخرى في الدولة تتجاهل مواد الدستور، حتى إن هناك من يرى أن الدستور الحالي شبه معطل، وهو ما يثير إشكاليات تتعلق بشرعية النظام وسلامة القوانين والتشريعات التي يصدرها البرلمان، لكن تلك المخالفات تعتبر مواءمات تشريعية وسياسية من وجهة نظر بعض فقهاء الدستور والنواب، علاوة على الحكومة، لأن هناك اختلافات في تفسير وتأويل بعض مواد الدستور، خصوصاً المتعلقة بتحديد نسبة للإنفاق على التعليم والصحة، كما أن هناك أولويات كثيرة وتحديات خارجية ومشكلات داخلية تستوجب سرعة الحركة، واتخاذ قرار مثل الاتفاق مع صندوق النقد، أضف إلى ذلك أن بعض مواد الدستور ارتبطت بالمناخ السياسي الذي عملت فيه لجنة الخمسين في أواخر عام 2013، ودفعتها إلى وضع مواد ذات طابع إجرائي، مثل إصدار قانون للعدالة الانتقالية في أول دورة انعقاد للبرلمان المنتخب، لكن اختلاف الأوضاع السياسية الحالية لا يشجع على إصدار هذا القانون المهم، وتكفي الإشارة هنا إلى موجة الرفض والانتقاد العام في الإعلام والبرلمان لتصريح وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب مجدي العجاتي، في شأن إمكانية إجراء مصالحة مع أعضاء «الإخوان» الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء.

إن تغير المناخ السياسي لا يعني تجميد أو مخالفة مواد الدستور أو المطالبة بتعديل بعض مواده على رغم أنه لم يطبق، فمناط الحكم على الدستور يرتبط بتفعيله على أرض الواقع، وهو ما لم يتحقق لأسباب كثيرة، أهمها أن كثيراً من مواد الدستور يحتاج إلى إصدار قوانين وهي من ضمن الأولويات المطروحة على البرلمان، ويجب عليه استكمالها في الدورة البرلمانية المقبلة، لكن يبدو أن نقص الخبرة التشريعية لأعضائه (75 في المئة من الأعضاء يدخلون البرلمان لأول مرة)، دفعت الحكومة إلى تقديم مشاريع قوانين، كما أن إحالة مشاريع القوانين إلى مجلس الدولة لدراستها قبل عرضها على المجلس، ثم مراجعتها بعد الموافقة عليها، يطيل المدة الزمنية المطلوبة لإصدار أي قانون، والأهم أنه يجعل مجلس الدولة شريكاً ورقيباً في شكل سابق ولاحق على العملية التشريعية، وكانت المادة 190 من الدستور قد منحت هذا الحق لمجلس الدولة.

من المبكر الحكم على أداء البرلمان من خلال دورة واحدة، وتقييم فاعلية أداء نوابه، حيث انشغل الجميع بإصدار لائحة داخلية جديدة والانتهاء من انتخاب وتشكيل لجانه، والتوافق على شكل وأداء الجلسات وأسلوب رئيس البرلمان الدكتور علي عبدالعال في إدارة الجلسات، خصوصاً أن الرجل جاء من الحقل الأكاديمي إلى فضاء السياسة والتشريع من دون خبرات سياسية، لذلك دخل في مشاحنات مع بعض النواب حول انحيازه الدائم للحكومة، وحرية الرأي والتعبير وحدود النقد، وتشغيل أو إيقاف التصويت الإلكتروني، والمدهش أن كبرى المشاكل التي تواجه البرلمان ورئيسه هي نقص خبرة النواب، وكثرة غيابهم! وبنسب لا تضمن أحياناً صحة انعقاد جلسات البرلمان والقيام بأعماله التشريعية والرقابية، ما دفع رئيس البرلمان إلى تهديد النواب المتغيبين بنشر أسمائهم في الصحافة وتطبيق الجزاءات الخاصة بمخالفة واجبات العضوية.

كل الاعتبارات السابقة لم تمنع ظهور أحكام متعجلة حول أداء ومستقبل البرلمان، واتسمت تلك الأحكام بحالة من الاستقطاب - أصبحت سمة في السياسة المصرية - بين راض عن أداء البرلمان وعن دعمه الدائم للرئيس والحكومة، وعن الثقة في أن البرلمان سيطور أدواره التشريعية والرقابية في الدورات المقبلة، ما يدعم جهود التنمية ودعم الشرعية والمشاركة السياسية، حيث سيكتسب الأعضاء خبرات برلمانية، وستنجح لجان تقصي الحقائق في ملاحقة الفساد في مؤسسات الدولة والقطاع العام. في المقابل هناك من ينتقد البرلمان بعنف ويقلل من حجم إنجازاته ويتهمه بالتبعية والاندماج في السلطة التنفيذية، وتغييب السياسة، وبالتالي يرى أن دوره في المستقبل سيظل محدوداً للغاية سواء في التشريع أو الرقابة على الحكومة، وذلك نتيجة تكوينه غير الحزبي، فغالبية النواب وبنسبة 51 في المئة كانوا أعضاء في الحزب «الوطني» (حزب مبارك) وقد ترشحوا من خلال أحزاب سياسية مختلفة، أي أن رجال وأفكار نظام مبارك تهيمن على البرلمان، كما أن غالبية النواب تنتمي لتكتل «في حب مصر»، وهو ليس حزباً وليس له برنامج سياسي وإنما كل ما يجمعه هو دعم الرئيس السيسي وحكومته، كذلك فإن 14 في المئة تقريباً من النواب هم من موظفي الدولة، إضافة إلى 11 في المئة من ضباط الشرطة والجيش السابقين، و24 في المئة من رجال الأعمال وأصحاب المشاريع والأعمال الحرة، وهي النسبة الأعلى لهذه الفئة في تاريخ البرلمان. بينما تراجعت نسبة اليسار والناصريين إلى 3 في المئة تقريباً.

لكن وبغض النظر عن تركيب البرلمان فإنه من غير المنطقي الحكم على دوره في المستقبل، لأن هناك عوامل كثيرة لا تدخل في حسابات المتشائمين تتعلق بتطوير الخبرات البرلمانية للأعضاء، وإمكانية ظهور نجوم وقيادات برلمانية قادرة على تقديم استجوابات قوية، والأهم أن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة نتيجة تطبيق الاتفاق مع صندوق النقد ستدفع الناخبين للضغط على النواب لتحسين أدائهم لمحاربة الفساد وتفعيل الدور الرقابي للحكومة، لكن التحسن سيظل محدوداً، ولن يصل إلى الحدود القصوى التي نص عليها الدستور ومن بينها سحب الثقة من الحكومة، وإقرار أو رفض أي حكومة جديدة.

* كاتب مصري


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة