الجمعه ٣ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٨, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
السوريون في عين العاصفة التركيّة! - أكرم البني
كما لو أنه حدث داخلي، انشغل السوريون، على اختلاف مواقفهم واصطفافاتهم، بالانقلاب العسكري في تركيا، ولم لا؟! أليست حقيقة أن نتائج ما يحدث في أنقرة ستنعكس بشدة على أحوالهم وعلى الصراع المستعر في بلدهم؟ أولم تكن تركيا البلد الأول الذي حضن المعارضة ومنحها فرصة التشكل التنظيمي والنشاط السياسي ثم الدعم اللوجستي لتجميع قواها العسكرية، فضلاً عن استقبال ملايين اللاجئين، وأهم الاستثمارات ورؤوس الأموال السورية الهاربة من أتون العنف؟

هو أمر مفسر أن يفرك أنصار النظام أياديهم فرحاً ويتغنون بالانقلاب العسكري، تحدوهم رغبة مزمنة في إسقاط حكومة «العدالة والتنمية»، والتشفي من دورها في الأحداث السورية، والمشهد، اشتعال فضاءات مدن بكاملها بالرصاص الحي، ترحيباً بالبيان الرقم واحد وابتهاجاً بما اعتبروه سقوط الديكتاتور أردوغان، ربطاً بمواكبة مكثفة من الإعلام الرسمي لهذا الحدث المفاجئ والاحتفاء به مرة، بما اعتبر النهاية الطبيعية لكل طاغية! ومرة ثانية كانتصار للعلمانية وهزيمة للحكومة الدينية، وتالياً للشعارات والصورة النمطية ذات الطابع الإسلامي التي بدأت تطغى سورياً! لكن الفرحة لم تكتمل، ولم يمضِ وقت طويل حتى رسمت هزيمة الانقلاب على الوجوه إمارات الصدمة وخيبة الأمل، وبعض العزاء بأن تكون الثالثة ثابتة، في تذكير بفشل محاولتي انقلاب ضد أردوغان.

في المقابل، لم تتأخر المعارضة السورية في تدبيج آيات الدعم لحكومة أنقرة ضد الانقلابيين، إن حرصاً على شروط حياة اللاجئين، وإن تقديراً للدعم الذي نالته منها، وإن خوفاً من عواقب نجاح الانقلاب في تمكين النظام وتعزيز تشدده السياسي والحربي. وهو لم يتردد في استثمار انشغال الأتراك بأوضاعهم كي يصعّد عسكرياً لمحاصرة مدينة حلب وسياسياً تجاه مفاوضات جنيف، وإن بدافع أيديولوجي لدى معارضين إسلاميين تمثلوا نموذج «العدالة والتنمية»، واعتبروا محاولة إسقاطه، هجوماً مقصوداً على الإسلام والمسلمين لإجهاض حلمهم بنهضة شاملة، ولا يغير الحقائق السابقة تسويق الجميع الأمر على أنه رفض للاستبداد العسكري ودعم للديموقراطية والمؤسسات المنتخبة.

من جهة أخرى، لم يتنفس سوريون الصعداء إلا بعد إعلان فشل الانقلاب. فاستمرار أردوغان في الحكم عند المتضررين من عنف النظام يشكل أحد أسباب العزاء والعون لهم في ما يكابدون، بخاصة أولئك الموجودين في المناطق المحاصرة والمدن التي خرجت عن سيطرة السلطة. يزداد الأمر وضوحاً لدى عموم اللاجئين السوريين في الشتات، بخاصة ما يقارب ثلاثة ملايين موزعين في تركيا بين مخيمات اللجوء والمدن، يحدوهم خوف على مستقبل شعب احتضنهم وشاركهم عيشه، والأهم خوف على مصيرهم، لا سيما وقد تقطعت بهم السبل، ولا يزال طعم مرارة التضييق على أمثالهم لاذعاً بعد نجاح إقصاء إخوان مصر!

«إن سقط أردوغان، انتهى أمرنا... علينا أن ندافع عن فرصة استمرارنا وعن شروط عيش اللاجئين»، عبارة تسمعها من أحدهم، مؤكداً معلومة تشير إلى تلبية آلاف السوريين نداء أردوغان بالنزول إلى الشوارع لدعم حكومة أنقرة في التصدي للانقلابيين، ثم خروج أسر بأكملها وعشرات ألوف السوريين إلى الساحات حاملين العلم التركي لمشاركة الشعب فرحته بانتصار الشرعية.

والنتيجة، أن أوضاع السوريين في تركيا لن تكون كما كانت قبل الانقلاب، فقد باتت غالبيتهم تحسب على أردوغان وحزبه، ما يضيف بعداً سياسياً في التعاطي معهم قد يطغى على البعد الإنساني، وينعكس على سوية العلاقة معهم في مرحلة لا تزال حبلى بالمفاجآت والعواصف. وينسحب الأمر على المعارضة السياسية والعسكرية التي سيزداد قلقها، في ظل وضع تركي مضطرب وتقدم حسابات لأردوغان تتعارض مع ما ترجوه، بخاصة إن توسل المزيد من التنازلات الخارجية، وفي الملف السوري تحديداً، لتشديد قبضته الداخلية، والمثل تقاربه مع روسيا وإسرائيل.

ولكن، بين من رفع عقيرته مؤيداً للانقلاب ومهللاً بسقوط أردوغان، ومن أعلن تأييداً غير متحفظ لحكومة «العدالة والتنمية» وما تقوم به، تمكّنت العقلانية عند بعض السوريين من اختراق تلك الدوافع الانتقامية وذاك التعاطف الأعمى. فأظهر سياسيون ومثقفون تخوفهم من مرحلة سوداء تخلفها عادة الانقلابات العسكرية، في إشارة إلى مآسي سيطرة الجيش على السلطة وإجهاض ما راكمته مسيرة ترسيخ الديموقراطية، وأيضاً إلى ما يقوم به أردوغان من إجراءات استئصالية واستئثارية تؤدي إلى الديكتاتورية.

صحيح أن ثمة مَن يحمّلون أردوغان مسؤولية ما حدث، منتقدين إفراطه في الاستئثار والتسلط كحافز للتحرك العسكري ضده، وصحيح أن الأحزاب السياسية التركية أجمعت على رفض الانقلاب والتمسك بالمؤسسات الدستورية المنتخبة، ما قد يشكل حصانة للديموقراطية. لكنّ ثمة أوساطاً سياسية وثقافية سورية ترجح أن يفضي الأمر إلى العكس، مشيرة بالبنان إلى ما يقوم به أردوغان من تكريس لنزعته الفردية وسلطة حزبه، وإلى الاعتقالات الواسعة التي طاولت معارضين لمجرد الشبهة، وإلى قرارات أطاحت آلافاً منهم في مواقع الأمن والقضاء والتعليم، معربين عن خشيتهم من أن تفتح، محاولات أردوغان تكريس انتصاره باستبداد ديني، الباب أمام الفوضى وانفلات الأزمات الداخلية، وأمام براغماتية تركية فظة، تزيد تعقيد الصراع السوري وصعوبة معالجته سياسياً.

لن تستقر تركيا على رغم فشل الانقلاب، يضيف بعضهم، فهذا الزلزال وما تمخّض عنه من تفاعلات سيظل محفوفاً بالأخطار المتصلة باحتمال تمزّق وحدة الشعب التركي، وتقدُّم الاستقطابات الحادة ونوازع التطرف والإقصاء على حساب التعاون والتشارك وخيار الدولة ومؤسساتها. ويعتقد هؤلاء بأن النموذج الديموقراطي والعلماني التركي بات على كف عفريت، وكذلك دور أنقرة في الأحداث السورية، ليس فقط نتيجة الانقسامات السياسية والثقافية الحادة التي بدأت تتكشف بحدة، وإنما أيضاً نتيجة ما يبيّته أردوغان لنصرة مشروعه الإسلامي. ولا تغيِّر هذه الحقيقة وعوده بالحفاظ على الحياة الديموقراطية، وعلى دعمه السوريين في محنتهم، ما دام نكث تعهداته مراراً، ومحا خطوطه الحمر تباعاً!


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة