الجمعه ٢٩ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٢٣, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
الحل السياسي كطوق نجاة للطغاة... علي صالح نموذجاً - هدى العطاس
حدّث أحد خلصاء علي عبدالله صالح «شبه المخلوع» في اعتراف حصري، أنه في الشهرين الأول والثاني من عام 2011 إبان خروج حشود الشعب اليمني تطالب برحيله في ما سمي حينها «ثورة التغيير»، كان أعوان فساده وحاشيته وسماسرته وقبلهم جميعاً علي صالح نفسه موقنين بسقوطه لا محالة، إلى حد أن عمموا بينهم ما فحواه: اتّخذوا تدابيركم لمواجهة فراغ ما بعد الرحيل. وفي خضم بلبلتهم وتهاويهم أمام الفورة الشعبية التي كانت في أوج زخمها وشدة عريكتها، قال خليص صالح: إذ بطوق نجاة يلقى إلينا.

لقد جاء طوق النجاة لصالح ونظامه إذاً، وما كان ذلك سوى «مبادرة سياسية» لحوار سعت اليه آنذاك الأحزاب والنخب الولائية التابعة لها، أولئك الذين التحقوا بركب «المحتشدين» بعد حين من الخروج الشعبي العفوي، وقفزوا فوق ظهر الساحات ليمسكوا خطامها بغية توجيهها بانتهازية شديدة ولؤم تليد.

لطالما كَمَنَ الفرق بين ساحات الثورة وجرف المبادرات السياسية، في أن الأولى فعل وطني عفوي دافعه تطلعات الشعوب للتخلص من جور الطواغيت ومنظومة حكمهم الفاسد. بينما الثانية فعل ماكيافيلي إجرائي مغلق، تحده الرؤى النخبوية الضيقة، وتهندسه مصالح التيارات والفئات والفاعلين البراغماتيين الذين عادة تتقاطع قنواتهم وتلتقي مع منظومة الحاكم، الرئيس سابقاً و «شبه المخلوع» لاحقاً، ويتبادل الطرفان قواعد التغذية المرتجعة. وفي الحالة اليمنية، تَجسَّد المثل للعلاقة الملتبسة والتغذية المرتجعة بين نخب الفاعلين السياسيين وصالح الرئيس سابقاً «شبه المخلوع» لاحقاً.

ما يعنينا اليوم هو ما يفرضه تأمل حالة المماثلة اللافتة التي تتبدى بين حدثين ومشهدين تفصل بينهما خمس سنوات من الزمن ويلاصق بينهما الكثير من الوقائع والأحداث والمشابهات، وتضع أمامنا المقارنة مداميك مشهد مطابق قد يتفاقم إلى حد التوأمة.

تذكرنا الوقائع أنه في 2011 وفي الشهرين الأول والثاني منه تحديداً، كان هناك احتشاد شعبي ثائر يطالب بإسقاط صالح وتغيير نظامه، وعلى رغم شراسة المواجهة ووحشية آلة القتل والتنكيل، فإن النصر الشعبي كاد يتحقق. لكن في أوج المشهد المزدهي ذاك، جُرجرت الثورة إلى كواليس الحوار السياسي عبر إعلان مبادرة سياسية انفرط على أثرها مشهد الحشود الشعبية الثائرة وكرت سبحة انتكاساتها. ومن المعلوم للجميع منزلقات الانتكاسة وأسبابها، بدءاً من سيطرة الأحزاب ذات المنشأ التقليدي والقواعد القبلية والتي أحجمت عن الخروج ثم هرولت بنفس انتهازي لاهث، مروراً بقبول التحاق قوى النظام وأعمدته بساحات الحشد الشعبي حتى بلغ الأمر بهذه القوى فرض الوصاية على الحشد بحجة حمايته.

كان السقوط العلني مرافقاً لحفاوة الشعار الشهير «حيا بهم حيا بهم» الذي خول جميع الممسوسين بالفساد المشبوهين بالتهم الالتحاق بالساحات وانتحال المطالب. وأخيراً، جاءت في الصميم كطعنة لجسد متقرح دعوات التوافق السياسي على شكل مبادرة حوار، تواطأت لأجلها أطراف المشهد السياسي الداخلية، وتعامل «حشود الثوار» معها بسلبية وخمول بليد.

هكذا، أُخمدت «ثورة التغيير» وانتهى مشهدها وطواه النسيان. وظل وجود صالح وسلطته حقيقة قائمة، وإن حاول الضالون التلفع بشبهة خلعه لإسكات ضمائرهم.

وعطفاً على المقارنة، يمثل أمامنا السيناريو ذاته الذي يعاد إنتاجه مع تغيير في بعض التفاصيل لاختلاف سياق الوقائع، وإن يظل المشهد كأنه كادر لفيلم ممتد على الشاشة نفسها. فقبل سنة ونيف وبعد وقائع كلنا يعلمها عن عدوان قوات الحوثي وصالح على مدينة عدن واقتحام جحافلهم مناطق جنوبية أخرى، أعلن تحالف عربي بقيادة المملكة العربية السعودية تصدّيه لهذا العدوان الغاشم وإعادة الشرعية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي. وحينها، وبمشاركة المقاومة الجنوبية، حقق التحالف والمقاومة نصراً بائناً دحر قوات الحوثي وصالح من عدن والعديد من المناطق الجنوبية.

دعوات الحل السياسي

يتذكر المتابعون أنه لم يمر وقت على انتصار التحالف والمقاومة الجنوبية، وقبل أن يستثمر هذا الانتصار وتستقر ركائزه، انبثقت دعوات المطالبة بالذهاب إلى حل سياسي. والصدمة تكمن في أن الحكومة الشرعية بقيادة هادي تلقفت الدعوة من دون تبصّر أو شروط يفرضها موقفها القوي المدعوم بالتحالف. وهكذا أعلن إطلاق عقد اللقاءات السياسية وتوالت ماراتوناتها حتى اللحظة. وفي السياق ما يستوجب الوقوف لتأمله: انطوت دعوات الحوار على مساواة بين أطراف الصراع. بل يذهب بعض المراقبين إلى أن كفة الحوثي وصالح سجلت ثقلاً أكبر لدى بعض جهات التوفيق السياسي!

وها نحن حاضراً منذ إعلان دعوة الحل السياسي واللقاءات التشاورية في 2015، نشاهد انعكاسات ذلك على الحوثي وصالح، أي الطرف «الانقلابي» الذي استعاد أنفاسه وأعاد ترتيب أوراقه وصفوفه...

الأكثر إيلاماً في مفارقات المقارنة، أنه في سيناريو 2011 عمدت الأحزاب والقوى السياسية التقليدية التي فخّخت «ثورة التغيير» إلى تهميش الثوار الحقيقيين المؤمنين بالثورة ومطلقي شرارتها، ودجن الباقون وألفوا ضمن المؤتلفين. واليوم، يتخذ سيناريو الحاضر الخطوات نفسها، إذ نرى المقاومين الفعليين الذين واجهوا جحافل الحوثي وصالح وهزموها بمشاركة التحالف يهمشون ويقصون ويلاحقون ويسفهون، بعدما استشهد خيرتهم في ساحات الشرف والمقاومة واستشهد بعضهم بعد الحرب غيلة وغدراً. وتتم تهيئة المؤتلفين وتفريخ المقاومة وأشباهها. ولا يخفى على المراقب الأمر الأهم، وهو أن مفاعيل المقاومة الشعبية هي الأخرى يُسعى الى طمسها، وإخفات صوتها وتغييب حضورها، وانتحال هدفها من أجل حرفه وتشويهه.


* كاتبة وأكاديمية يمنية


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
الحوثيون يطردون آخر الأسر اليهودية من اليمن
الحكومة اليمنية تقر برنامجها بانتظار ثقة البرلمان
التحالف يقصف معسكرات للحوثيين بعد أيام من الهجوم على أرامكو
الأمم المتحدة: سوء تغذية الأطفال يرتفع لمستويات جديدة في أجزاء من اليمن
الاختبار الأول لمحادثات الأسرى... شقيق هادي مقابل لائحة بالقيادات الحوثية
مقالات ذات صلة
هل تنتهي وحدة اليمن؟
عن المبعوث الذابل والمراقب النَّضِر - فارس بن حزام
كيف لميليشيات الحوثي أن تتفاوض في السويد وتصعّد في الحديدة؟
الفساد في اقتصاد الحرب اليمنية
السنة الرابعة لسيطرة قوى الأمر الواقع: عناصر لحل سياسي في اليمن - حسّان أبي عكر
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة