الجمعه ٢٩ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: حزيران ١٥, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
جرائم الكراهية التي ننكرها - إبراهيم غرايبة
صدم الأردنيون بجريمة قتل خمسة من عناصر المخابرات العامة في الصباح الباكر لأول يوم في رمضان؛ ثم خرج القاتل كما صورته كاميرات المراقبة هائماً على وجهه ليصل إلى إحدى القرى، ويقبض عليه الأهالي؛ ما يؤشر إلى أن القاتل لم تكن لديه فكرة عما سيفعله بعد تنفيذ الجريمة، ولم يكن فرق كبير وجوهري في الدافع والمحرك بين هذه الجريمة وبين مئات الجرائم الأخرى التي تقع على نحو متكرر وتدفع إليها مشاعر عميقة متراكمة من الكراهية والاكتئاب والشعور بالظلم والمهانة والتهميش والعجز، مثل الانتحار، وجرائم القتل التي تخلو من دوافع السطو والسرقة، مثل الانتقام والقتل العائلي، لكن لم يستمع بعد إلى فكرة النظر إلى الإرهاب في سياق الجرائم الناشئة عن التشكلات والحالات الاجتماعية النفسية سواء في بيئتها الداخلية الفردية (عقل المجرم وجهازه العصبي والنفسي) أو الخارجية في علاقات الأفراد والطبقات والمؤسسات، وما قد تنشئه من كراهية وشعور بالظلم وفقدان المعنى والجدوى.

لم يعد أمراً جديداً محاولة فهم الإرهاب ضمن مجالات واهتمامات علم النفس وطب الأعصاب والبيولوجيا، لكن أزمة هذا المنظور في أنه يقدم حلولاً وأفكاراً مزعجة للسلطات والنخب المهيمنة على الفرص والموارد، لأن الحلّ يأتي في الصحة النفسية والتماسك الاجتماعي ومواجهة الهشاشة والضعف الاجتماعي والاقتصادي لدى الأفراد والمجتمعات، وبناء وتكوين المهارات المعرفية والحياتية التي تؤهل المواطنين والمجتمعات؛ نتحدث بطبيعة الحال عن مجتمعات حرّة ومستقلة وقادرة على المشاركة والولاية على شؤونها ومواردها، وعن أفراد مؤهلين بالمعرفة المنطقية والقدرة على النقد والتحليل؛ ما يعني ببساطة إعادة تنظيم علاقة السلطة والأسواق والمجتمعات والأفراد، وفق قواعد من المشاركة والمساواة، وهو ما أدركته وأكدت عليه تقارير التنمية للأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرهما من المنظمات الدولية، ومؤكد أن ما ينطبق على التنمية ومواجهة الفقر والجهل والمرض والجريمة يمتد إلى العنف الديني والقومي والكراهية والصراعات الاجتماعية، فالشخص الذي يملك الإرادة والتصميم على القتل والانتقام أو الانتحار مرشح لأن يكون إرهابياً.

وكما تؤكد الأمم المتحدة وهو ما تؤيده الإحصاءات والمؤشرات أن التكامل الاجتماعي والرضا يصاحب الارتقاء بالتعليم والرعاية الصحية والاجتماعية ومستوى الدخل، وأن الفقر مصاحب للصراعات والانقسام، وأن الكوارث والأمراض والأوبئة والجرائم أكثر وأعمق حضوراً وتأثيراً في بيئة الفقر والاستبداد والفشل، فمن المنطقي أن تكون مواجهة الكراهية والتطرف في بناء التماسك الاجتماعي والاقتصادي ومواجهة الضعف والهشاشة في حالتها العامة، إذ يستحيل أن تعالج الكراهية جراحياً أو أن تستأصل من المجتمع والأفراد مثل حالة معزولة أو مستقلة عن مناعة المجتمعات والأفراد، لكنها نسيج اجتماعي يستدل عليه بمؤشرات الضغوط النفسية والاكتئاب والعزلة والإدمان والنرجسية والعدوانية والقلق، ويمكن الاستدلال عليه في أسلوب الحياة والسلوك الاجتماعي واليومي في الشوارع والأسواق والأعمال والعلاقات وشبكات التواصل الاجتماعي.

وأسوأ ما تقع فيه عمليات مواجهة التطرف الكراهية الاعتقاد بأنها عمليات استجابة ميكانيكية أو تلقائية لنصوص دينية يساء فهمها أو تفهم فهماً صحيحاً أو خاطئاً، ذلك أنها نصوص موجودة منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة، ويفترض أن تؤدي إلى حالات متشابهة لدى أفراد مؤمنين بهذه النصوص وفي مجتمعات وبلاد لا يحدث فيها تطرف وإرهاب، ولكن أهـلها يـؤمنـون بالنـصوص الدينية نفسها التي يؤمن بها المتطرفون والكارهون، وليس المقصود بالطبع هو إعفاء النصوص وتأويلها من المسؤولية عن الكراهية، ولكن التأكيد على أنه فهم جاء منسجماً مع اتجاهات شخصية ونفسية. فالمعتقدات والأيديولوجيات ليست عمليات عقلية أو ناشئـة عن مجهود علمي وفكري وإن كانت تستند إلى تراث فكري وفلسفي أحياناً، ولكن معتقداتنا في الحقيقة تعكس شخصياتنا، أو هي جزء من هويتنا وميولنا، نحن ننحاز إلى المعتقدات والتأويلات التي تشبهنا.

* كاتب أردني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة