Deprecated: Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : النظام الدستوري: أين الأصالة والتجدّد؟ - انطوان مسرّة
الجمعه ١٠ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٢٧, ٢٠١٦
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
النظام الدستوري: أين الأصالة والتجدّد؟ - انطوان مسرّة
لا يوجد عبارة في الحياة العامة في لبنان وفي المجتمعات العربية عامة الا وتتحوّل شعاراً او، في أقل الحالات سوءاً، تتلّوث او تُستغل تبريراً لمواقف سياسية وتحولات ظرفية. يعني ذلك ضرورة العمل المستمر في سبيل التأصيل والتصويب واستعادة سلطة المعايير في أكثر الشؤون أهمية في لبنان، أي الشؤون الميثاقية والدستورية.

منذ بروز الأبحاث المقارنة في السبعينات على المستوى العالمي حول المجتمعات التعددية وأنظمتها ومشاركتنا في هذه الأبحاث، لبنانياً وعالمياً، كان من المنتظر، بخاصة من قبل مُفكرين وجامعيين وباحثين، ممارسة جهد في التأصيل والإغناء والتطوير. لكن ما حصل كان غالباً العكس إذ استغلت أبحاث عالمية، في لبنان وفي بعض الحالات العربية، لتبرير مواقف ظرفية. ولم يتمتع هذا التبرير بحد أدنى من الثبات، بل كان ينتقل من فريق الى آخر بحسب تحولات موازين القوى.

في حالات أقل سوءاً أكبّ جامعيون وباحثون مُبرمَجون على أنماط سائدة على الوصف والتحليل لإثبات قدرتهم على متابعة مستجدات "على الموضة" وأخذوا... ينتقدون هذه الأنماط البحثية الجديدة! ليست هذه النماذج بحاجة الى من ينتقدها، بل الى من يتعمّق بها. يعود منتقدو هذه الأبحاث بالنهاية الى منمطات راسخة في الاذهان. انها لمقاربة أيديولوجية تنطلق من فرضية ان الأنظمة محض التنافسية هي الوحيدة المعيارية وهي الوحيدة الخالية من الظواهر المرضية بخاصة في مجتمعات مُتعددة البنية. باحثون آخرون مُبرمجون على سجال حول "الطائفية" تمادوا في تبريرات من منطلق "الطائفية" في حين ان البحوث المقارنة تُوفر منهجية علمية وعملية في الإدارة الديموقراطية للتنوع الديني والثقافي ورسم حدود ومجالات التطور.

من أساليب الهروب من الأصالة والتجدّد في لبنان وصف قانونيين ودستوريين الأبحاث الحديثة المقارنة بأنها تندرج في علم الاجتماع وليس في علم القانون والدستور وكأن علم الاجتماع ليس من العلوم الجدّية! هذه الأبحاث هي دستورية كما تُثبته نصوص المواد الواردة في أكثر من أربعين من الدساتير في العالم والتي أهمل دراستها مؤلفون على أساس انها تتعلق بـ"حالات خاصة" او شاذة او رموها في سلة مهملات "الطائفية".

عبارة "طائفية" ليست مفهوماً علمياً
ليست "الطائفية" مفهوماً علمياً Concept/notion، ولا تصنيفاً حقوقياً catégorie juridique، اذ تتضمن عبارة "طائفية" في الاستعمال المتداول ثلاثة عناصر: 1) الإدارة الذاتية الحصرية في بعض الشؤون المتعلقة بالأحوال الشخصية والتعليم (المادتان 9 و10 من الدستور)، 2) قاعدة التمييز الإيجابي او الكوتا او التخصيص (المادة 95 من الدستور)، 3) استغلال الدين في السياسة والسياسة في الدين والذهنية الفئوية عامة.

هذه العناصر الثلاثة مترابطة طبعاً، ولكنها مُتمايزة في التشخيص والمعالجة. في سبيل التوضيح، لا يعالج إعتماد نظام مدني عام في الأحوال الشخصية معضلتي المشاركة في الحكم وتعبئة المشاعر الفئوية في التنافس السياسي. واعتماد نظام مدني عام في الأحوال الشخصية وإلغاء قاعدة التخصيص في آن لا يعالجان معضلة الاستغلال السياسي للأديان والمذاهب في هذا التنافس. يحتاج كل عنصر بالتالي الى تشخيص خاص ومعالجة خاصة.

تحولت عبارة، او بالأحرى شعار "الطائفية" confessionnalisme, sectarianisme, communautarisme، من قبل مؤلفين– ولا أقول باحثين – أجانب ولبنانيين وعرب عامة، الى سلّة مهملات يرمون فيها كل ما لا يفهمونه او يرفضونه إيديولوجياً.

تُعبّر المادة 95 الجديدة من الدستور، المعدّلة بموجب وثيقة الوفاق الوطني-الطائف، عن هذا الالتباس في إستعمال عبارتي "الطائفية" ثم عبارة "الطائفية السياسية"! وتوجب هذه المادة المعدّلة إنشاء هيئة وطنية لوضع خطة مرحلية في سبيل عصرنة الإدارة الديموقراطية للتعددية في لبنان وتُحقيق الانسجام مع المبادئ الدستورية العالمية وشرعات حقوق الانسان.

يقول الرئيس حسين الحسيني خلال برنامج "مرصد الديموقراطية في لبنان" في 29/11/2002 ان وثيقة الطائف "لم تُقرأ ولم تُفهم جيداً". لو "قُرأت وفُهمت جيداً" لكان من المنتظر ان تحّض باحثين على تعديل تصريف شعار "الطائفية" والذي سبق ان إستعمله ميشال شيحا بين مزدوجين ادراكاً منه ان الموضوع يتطلّب دراية وعلماً ومنهجية.

كم سعيت خلال تدريسي الجامعي حوالى نصف قرن لا الى التأثير على أي طالب، بل الحّض على التأصيل والتجدّد بشأن المختبر اللبناني الذي اتخذ اساساً ومنذ السبعينات كحالة لبناء نظرية الأنظمة الميثاقية consociational او البرلمانية التعددية. لكن مُنمطات ذهنية وإغترابا ثقافيا وايديولوجيا سائدة تُشكل عوائق لممارسة الفكر، او بالأحرى "التفكر" بحسب تعبير القرآن، أي "استعادة الفكر ومراجعته""repenser, reprendre sa pensée"، كما يقول بول فاليريPaul Valéry .

سبعة مجالات للتأصيل والتجدد
ما هي عملياً مجالات التأصيل والتجدد في المنظومة الدستورية لبنانياً وفي سبيل إغناء النظرية العالمية المقارنة انطلاقاً من الحالة اللبنانية بالذات؟
1- الإدارة الذاتية الحصرية في بعض الشؤون:

ان المادتين 9 و10 من الدستور اللبناني هما تصنيف في العلم الدستوري المقارن. انهما تندرجان في إطار الاعتراف بتعددية المنظومة الحقوقية في المجتمع في بعض القضايا pluralism juridique سعياً للتوفيق بين المساواة بين الافراد والمساواة بين الجماعات. ما هي مجالات عصرنة الإدارة الذاتية انسجاماً مع المبادئ الدستورية العامة والحريات الدينية والتزام لبنان الشرعات الدولية لحقوق الانسان؟

2- قاعدة التمييز الإيجابي او التخصيص/ discrimination positive quota/proporz:
ليست هذه القاعدة التي تهدف الى تجنّب العزل الدائم وضمان المشاركة في الحياة العامة مُستهجنة او خارجة عن القانون hors-la-loi، بل تخضع لقواعد ناظمة. انها اليوم قابلة للتطبيق في لبنان في أفضل السبل بفضل المساواة الثقافية والاجتماعية الاقتصادية بين الطوائف التي تحققت تدريجا منذ العشرينات. اما المحسوبية او الزبائنية المتلبّسة بالطوائف فهي شأن آخر والزبائنية مُنتشرة في بلدان ليس فيها طوائف.

3- التمثيل الانتخابي:
يتمتع لبنان تاريخياً بأغنى تجربة في العالم في إيجابياتها وسلبياتها حول التنظيم الانتخابي في مجتمع متعدد الدين والمذهب وفي إطار مفهوم الهيئة الانتخابية الموحدة Collège électoral unique حيث ناخبون من طوائف مختلفة ينتخبون مرشحين من طوائف عدة. البحوث التطبيقية في هذا السياق، وربما مع المقارنة مع جزر فيدجي وجزيرة موريس وغيرها...، تفيد لبنان وتفيد النظرية المقارنة حول الأنظمة الانتخابية في المجتمعات التعددية.

4- التمايز بين الفيديرالية الشخصية والفيديرالية الجغرافية في سياق التقرير:
تتصف النظرية العالمية اليوم حول الفيديرالية في اشكالها الجغرافية وأشكالها الشخصية بثغرة، بخاصة في ما يتعلق بفاعلية النظام وسياق التقرير. ما كتبه مؤلفون مرموقون في سويسرا وغيرها حول أنظمة الفيديرالية الجغرافية وحكوماتها المركزية لا ينطبق على الأنظمة الفيديرالية الشخصية. الحكومة في الفيديرالية الشخصية، كما في لبنان، هي مركزية والقرارات هي من صلاحية الحكومة المركزية. يُستنتج من الآباء المؤسّسين للدستور اللبناني ومن بعض الحكماء الدستوريين في إجتماعات الطائف ووثيقة الطائف أسباب اعتماد المادة 65 الجديدة من الدستور اللبناني تجنباً لطغيان أكثرية ولطغيان أقلية abus de majorité/abus de minorité واعتماد الأكثرية الموصوفة majorité qualifiée في 14 قضية. ومنذ 1926 السلطة التنفيذية في الدستور اللبناني مُسماة تحديداً سلطة "إجرائية"، أي بحسب لسان العرب تجعل الأمور تجري. كيف تكون تالياً الحكومات في الأنظمة الفيديرالية الشخصية؟ منذ سنوات يجري غالباً التحليل والتعامل مع الحكومات في لبنان وكأن لبنان فيديرالي جغرافياً!

كيف تكون الحكومات في لبنان في الممارسة "إجرائية" بحسب مندرجات الدستور اللبناني وفي نظام فيديرالي شخصي حيث يتم غالباً التعامل في مجالات تأليف الحكومات والتقرير الحكومي وكأنه فيديرالي جغرافي؟ يتطلب ذلك كثيراً من البحث تصويباً للممارسة وإغناء للنظرية الفيديرالية المقارنة.

5- الميثاقية ومضامينها:
المواثيق هي تصنيف في العلم الدستوري المقارن والتاريخ المقارن في ما يتعلق بأنماط البناء القومي. التسميات مُتعددة في سويسرا وبلجيكا والنمسا والبلاد المنخفضة وايرلندا الشمالية... diète, covenant, alliance, junktim, Friday agreement...
منذ مؤتمر اليونسكو عام 1971 حول "أنماط البناء القومي" لم تتطور البحوث عالمياً في هذا السياق. الحالة اللبنانية هي الأكثر غنى اختبارياً، إن كنا نحبّذ أو لا نحبّذ هذا النمط في البناء القومي. ليس الموضوع رغبة شخصية او إرادة، بل واقع تاريخي واجتماعي وسياسي. وردت صراحة في مقدمة الدستور اللبناني المعدّل شرعية الميثاقية اللبنانية. انفلشت بعدها تأويلات مزاجية وظرفية حول مضمون الميثاقية اللبنانية بالرغم من غنى الوثائق المتوافرة في هذا المجال. أصبح تالياً شيخ الضيعة وبك الهرمل أكثر معرفة وحكمة بموجبات الميثاق من مؤلفين غارقين في الأبحاث "الطائفية".

6- ثقافة الشأن العام العابر للطوائف:
ما الفائدة العملية من التركيز على "الطائفية" في البحوث حول بناء المواطنية لبنانياً؟ الحاجة طبعاً الى تشخيص حالات الانفلاق في الانتماءات الأولية allégeances primaires. أتخم اللبنانيون بأبحاث عن المواطنية في ارتباطها بـ"الطائفية". ما النتيجة؟ لا شيء عملياً. الحاجة الى اختصاصيين وفاعلين في الشؤون العابرة للطوائف transcommunautaire والتي هي عنصر تواصل ووحدة وتضامن وتخطي الانتماءات الأولية.

7- الدول الصغرى واستقلاليتها عن المداخلات والضغوط الخارجية:
الدول المتعددة البنية، بخاصة اذا لم تتوافر ثقافة دستورية ومواطنية راسخة وذاكرة جماعية رادعة ومشتركة، معرّضة لتكون ساحة صراعات إقليمية ودولية. كيف تُؤسس لمناعة لبنانية داخلية تجاه جوار عدائي وجوار عربي وإقليمي بأنظمة دكتاتورية او، في أقل الحالات سوءاً، في وضع تحوّل ديموقراطي؟ الربط السببي والمباشر بين الحروب المُتعددة الجنسية في لبنان (1975-1990) والمنظومة الدستورية بالغ السطحية، لا في العلم الدستوري المقارن فحسب بل في العلاقات الدولية وتحولاتها اليوم.

* * *

لا عجب في قول آينشتاينEinstein انه من الاسهل تجزئة الذرة من تغيير الذهنيات"! كيف نكون بعد اليوم اختصاصيين في الشأن اللبناني libanologue ومُساهمين في البحوث الدولية والمقارنة ومُبدعين في آن واحد؟

عضو المجلس الدستوري


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة