السبت ٢٧ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٢٧, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
العدالة والحرية من منظور الدولة التنموية - عزمي عاشور
كان للدولة المصرية بعد ثورة 1952 دور كبير في مشروع من منظور تنموي، الأمر الذي عمل على خلق حراك اجتماعي داخل المجتمع مبني ليس على الثروة فقط، وإنما على التعليم وعلى ما يجود به، وهو ما انتقده البعض لجهة فشل التطبيق وسوء النتائج.

نعم، كانت هناك سلبيات كثيرة ليست نتيجة أن الفقراء تم تعليمهم، وإنما نتيجة لخلل آخر قد يكون موجوداً في الاستبداد السياسي وإساءة استخدام السلطة وعدم احترام القانون وتفشي المحاباة، الأمر الذي أضرَّ أكثر بعملية التنمية التي كان من المفروض أن يكون للأجيال التي يتعلمون دور فيها. فظهرت البطالة المرتبطة بالتعليم لقلة المستوى والكفاءة في عصر يتغير بسرعة، الأمر الذي أدى إلى التقليل من جدوى من يتعلم، مقابل طوابير البطالة في المجتمع، نتيجةً لغياب التنمية وتوليد فرص العمل، وتبني سياسات تضيف إلى الرأسمال المجتمعي، ولا تأخذ منه.

وبدأت تظهر الآن تساؤلات كثيرة حول قضية الرعاية التي تقدمها الدولة، وأن هذه التساؤلات مرتبطة بالأساس بنتائج الفشل أكثر من ارتباطها بالقيمة التي تقدمها الخدمة للأفراد، وبدأ المقتدرون مادياً يميلون إلى تحصيل هذه الخدمة من القطاع الخاص بعد أن تدهورت قيمتها في المؤسسات الحكومية، فظهرت المدارس والجامعات والنوادي الخاصة، لمن يستطيع دفع المال، أما التعليم العام والمستشفيات العامة فهي للقاعدة العريضة. نعم، قد تكون الخدمات التي تقدمها ضعيفة، إلا أن هذا لا يلغي القيمة الكبيرة التي دافع عنها جون رولز ومن بعده الفيلسوف الهندي أمارتيا سن. ففشل تطبيق العدالة في التنمية نتيجة ضعف دور الدولة والفساد لا يمكن أن يلغي النقلة الجديدة في مفهوم العدالة بأن تكون هناك مساواة في ظروف التنشئة نفسها بحدها الأدنى في مستوى خدمات التعليم والصحة وغيرها.

والسؤال الآن: ما هي علاقة تحقيق التنمية بهذا المنظور التوزيعي للعدالة مع الحرية، فهل هذا يساعد على حرية الاختيار؟ وهذه الجزئية طوَّرها عالم الاقتصاد أمارتيا سن أيضاً في كتابه «التنمية حرية»، بأنه كلما كانت هناك مساواة في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية، تتعاظم الحرية عند الأفراد في الاختيار في مراحل مختلفة من حياتهم على عكس من حرموا منها والتي من المفترض ألا تصبح مدخلاً للجدل في مجتمعات ناشئة ينتشر فيها التطرف وتكون في أمس الحاجة إلى تعليم جيد واقتصاد نام ورعاية صحية للجميع.

وقد يأتي من يقول ان الحافز لدى الأفراد سيُقتل في حالة المساواة بين الفقراء والأغنياء في الحصول على الخدمات التعليمية والصحية. وهذا اعتقاد يشوبه سوء فهم، فليس هناك تدخل في قدرات الأفراد، فقد يحصل على التعليم نفسه عدد معين من السكان، لكن النتيجة لا يمكن أن تكون واحدة. فقد يستفيد منه كل واحد وفق قـدراته، فإن تمت المسـاواة في بـدايـة التـنشئة، فالتميز يحدث وفقاً للقدرات والإمكانيات بعد ذلك. كما أن تقديم الخدمة قد يحدث فيه تفاوت بين إقليم وغيره وفق تأهيل من يقدمونه ووفق الظروف، إلا أن هذه إشكالية فرعية ولا يمكن مقارنتها في حالة انعدامها أصلاً.

فالدولة تعيد توزيع الدخل بهذا الشكل التنموي بتهذيب إشكالية التباين بين الفقراء والأغنياء، وبذلك تكون اقتربت من مفهوم العدالة والحرية الذي يراعي السياق الاجتماعي حتى يكون الحكم على المنتج النهائي منصفاً.

* كاتب مصري



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة