الجمعه ٢٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ١٥, ٢٠١٣
الكاتب: سليمان صويص
المصدر: جريدة العرب اليوم الاردنية
صانع القرار والأحزاب السياسية
التطورات الأخيرة التي قادت إلى إنسحاب قائمة حزب التيار الوطني من المجلس النيابي العتيد، وإلى إغلاق الحزب لمقّاره في المحافظات تدفعني إلى طرح وجهة نظر حول موقف صانع القرار من الاحزاب السياسية في البلاد. وأتوقّع أن تواجه وجهة النظر هذه معارضة، بل واستهجاناً من قبل عدد غير قليل من القرّاء، لكني أسارع إلى القول بأنني على استعداد للتخلي عنها إذا ما تم الرد عليها ومحاججتها بأسلوب موضوعي معزّز بالمنطق والوقائع والبراهين، وليس على طريقة "الردح" والمكابرة أو رمي التهم جزافاً شمالاً او يميناً.
الرأي الذي كوّنته من خلال متابعتي الحثيثة لممارسات السلطات ومواقفها الحقيقية، والتمعن في قراءة التاريخ السياسي الأردني.. يقول بأن صانع القرار يقف بالمطلق ضد قيام أي حزب سياسي فعلي في البلاد، حتى ولو كان هذا الحزب "موالياً".

• "هذا محض تجنٍّ وافتراء"، سينبري أحدهم للرد مذكّراً بوجود أحزاب منذ الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي كحزب الشعب والحزب الوطني الأردني وحزب الدفاع وغيرها. وأقول بأن هذا صحيح، لأن هذه الأحزاب كانت أقرب إلى مجموعات النخب السياسية المحدودة، تمثل عائلات أو عشائر بأكثر مما تمثل برامج سياسية، ولم تكن تملك قواعد جماهيرية. ومع ذلك، كم من رجال المعارضة زجّوا في السجون وحوربوا من قبل الحكومات في ذلك الوقت ! ومثال السياسي المعارض صبحي أبو غنيمة يكاد يكون نموذجاً لما كان يلاقيه المعارض السياسي للحكم من نفي وتعسّف.

• سيردّ آخر قائلاً "ويحك ! كيف تقول ذلك والدستور الأردني يعترف بوجود الأحزاب في مادته السادسة عشرة، وهناك مديرية للأحزاب في وزارة الداخلية وتتلقى الاحزاب دعماً مالياً من الدولة ولدينا وزارة خاصة بالتنمية السياسية منذ عام 2003 ؟ . والرد على ذلك سهل جداً : إن ورود مادة في الدستور تعطي الشرعية للأحزاب لا يعني بأن ذلك كان مطبقاً دائماً في التاريخ السياسي الأردني. وأكبر دليل على ذلك حرمان الشعب الأردني من حقه في تشكيل الاحزاب السياسية لمدة ربع قرن (1967 ـ 1992)، إستناداً إلى الأحكام العرفية التي كانت مفروضة بحجة الحرب مع إسرائيل، في حين أن الحرب الفعلية لم تدم أكثر من بضعة أيام ! ربع قرن من الزمن تعطّلت فيه أيضاً ولمدة طويلة الحياة النيابية ـ على هزالها ـ في ذلك الوقت، سمحت للسلطة التنفيذية بالتغوّل على بقية السلطات، وبقيت تسرح وتمرح بدون رقابة الشعب وتدير أمور البلاد والعباد وفقاً لمصالح فئات محدودة. ورافق الحرمان من الحق الدستوري القمع والملاحقة والفصل من العمل ـ في ظل الأحكام العرفية ـ لأي مواطن كان يشتبه بأنه عضو في حزب من الأحزاب التي كانت تمارس نشاطاتها آنذاك بصورة سرّية. أما في المرحلة اللاحقة، أي إبتداءً من عام 1990، فإنه يلاحظ بأن الترخيص للأحزاب لم يرافقه التخلي عن "إرث" مناهضة الأحزاب من قبل الأجهزة الأمنية على الأرض، ولم يتضمن أي قانون للأحزاب السياسية نصاً واضحاً بأن لها الحق في ممارسة نشاطاتها كافة والترويج لبرامجها السياسية بكل حرية، وبأن من حقها الوصول إلى السلطة. كما أن القانون الإنتخابي منذ عام 1993، سعى ولا يزال يسعى ـ رغم التعديلات التحسينية عليه ـ إلى تفتيت المجتمع وحرمان الأحزاب السياسية من الوصول بقوة إلى السلطة التشريعية. وإلاّ ما معنى رفض مشروع قانون لجنة الحوار الوطني  الذي يستند إلى التمثيل النسبي، والإصرار على قانون الصوت الواحد المرفوض منذ 18 سنة من قبل الأحزاب السياسية وقطاعات شعبية وإعلامية واسعة جداً ؟

• أما الحجة "الدامغة" ل "صحة" الموقف المعادي للأحزاب فهي الزعم بأن أحزاب المعارضة حاولت قلب نظام الحكم في أحداث نيسان 1957، مما ولّد "فوبيا" لدى النظام من كل شيء اسمه "أحزاب". هذه المقولة غير صحيحة كما أثبتت وقائع التاريخ. على سبيل المثال، عندما طلب المرحوم الملك الحسين من المرحوم سليمان النابلسي، رئيس الوزراء آنذاك ورئيس الحزب الوطني الإشتراكي تقديم إستقالته في نيسان من العام المذكور (وكان لم يمض بعد سنة على فوز حزبه بالانتخابات النيابية)، إستجاب هذا فوراً للطلب، علماً بأنه كان يملك أسانيد دستورية وقانونية للبقاء رئيساً للوزراء لمدة أربعة اعوام، أي حتى نهاية فترة المجلس النيابي الذي كانت أحزاب المعارضة تشكّل أغلبية فيه.  ومع ذلك، فإن أردن القرن الواحد والعشرين بات مختلفاً جذرياً عن أردن خمسينات القرن الماضي من جميع الوجوه، واستوعبت جميع الأطراف دروس الماضي، وأصبح هنالك توافقاً وطنياً على النظام النيابي الملكي الدستوري، ولم يعد هناك أي مبرر أو مسوّغ على أرض الواقع ل "فوبيا" (أو مرض الخوف) من الأحزاب السياسية.

إن محاربة "الحزب العربي الديمقراطي" الذي كان يترأسه المرحوم أنيس المعشر في بداية التسعينات، وحزب "العهد"، وإبنه "الحزب الوطني الدستوري"، وحفيده "حزب التيار الوطني" ـ وهي كلها أحزاب موالاة ـ تثبت بالدليل القاطع بأن صانع القرار لا يريد أحزاباً بالمطلق ويحارب كل محاولة جادة لتنظيم صفوف المواطنين على أساس برامج وحياة حزبية واضحة، سواء أجاءت هذه المحاولة من قوى الموالاة أو المعارضة السياسية ؛ والهدف من وراء ذلك إبقاء الطبقة السياسية الحاكمة  وحزبها غير المعلن و"حكومتها الخفية" ـ حسب تعبير الدكتور محمد الحمّوري ـ هي المهيمنة بالمطلق على أمور البلاد بدون رقابة ولا محاسبة.
إن تجربة القوائم "المغلقة" في الانتخابات الأخيرة هي تأكيد إضافي على ما ذهبنا إليه، حيث ليس من المستبعد إعادة تكليف د. عبدالله النسور لتشكيل الحكومة "البرلمانية" العتيدة، بعد فشل الكتل والقوائم في تشكيلها خلال الأسابيع القادمة !  تدرك القوى المتنفذة التي تقاوم قيام الاحزاب بأنه في اليوم الذي سوف تتشكل فيه حكومة حزبية من صلب برلمان يمثل الشعب حقاً، فإن ذلك اليوم سوف يكون بداية النهاية للهيمنة المطلقة على مقدرات وحقوق ومصالح الشعب والوطن.

الخلاصة : إذا أرادت الفئات المتنفذة داخل الحكم إقناع الشعب بأنها غير معادية بالمطلق للأحزاب، فإن عليها وعلى صانع القرار أن يرفعا "الفيتو" عن إقرار قانون للأحزاب يمنحها حرية حقيقية في العمل، وعن قانون إنتخاب يتيح المجال لإنتخاب ممثلين حقيقيين للشعب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*       رئيس الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان      
 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
إقرأ أيضا للكاتب
كيف انقلبت الديمقراطية الليبرالية على نفسها
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
حرية التنظيم والممارسة النقابية في الاردن
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة