الجمعه ٣ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ٢٠, ٢٠١١
 
«كوتا» لا بدّ أن يلحظها الدستور كما قرّر للمرأة والفلاحين

الخميس, 20 يناير 2011

منى مكرم عبيد *


كان الدين في إدراك عبدالناصر جزءاً من عملية التنمية الشاملة والتغيير الاجتماعي، وعنده كما قال الأنبا غريغوريوس في كتابه الوثائقي «الكنيسة وقضايا الوطن والدولة والشرق الأوسط» إن شريعة الله هي شريعة العدل والمساواة، ومن هنا يشمل الدين عند عبدالناصر إلى جانب العقيدة كل التراث من قيم وتقاليد وتاريخ ديني عاشته مصر والمنطقة العربية، ويعني هذا إدخال المسيحية وبعض العادات الدينية التي لا يزال المواطن المصري يمارس طقوسها بما في ذلك طقوس الميلاد (السبوع) والأفراح والجنائز والحساب والثواب في الدار الآخرة.

 

في السنوات الخمس الأولى من حكم السادات بدا أن بعض التطورات التي أجريت كان يمكن أن يكون، على الأقل إذا نُظر إليها في ذاتها، مرشحاً لترقية أسس التكامل بين المسلمين والأقباط ويشار هنا خصوصاً إلى:

 

أولاً: الدستور الصادر في 11 أيلول (سبتمبر) 1971 الذي عبر بدقة عن المبادئ الأساسية التي وردت في ميثاق العمل الوطني، وذلك في ما يتعلق بتجديد وتفضيل المقومات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.

 

ثانياً: تجربة حرب تشرين الأول (أكتوبر) بكل الجهد الذي لازمها لإعادة بناء القوات المسلحة التي انتظمت فيها أعداد ضخمة من الشباب، خصوصاً قطاعاته المتعلمة وبما ميزها من أداء عزز الروح المعنوية للشعب، ففي هذه الحرب قاتل المصريون، مسلمين ومسيحيين، كأبناء شعب واحد، من أجل قضية التحرير، ضد الأعداء التاريخيين لوطنهم.

ثالثاً: المحاولة المحدودة لتطوير نظام الحزب الواحد إلى نظام تعدد الأحزاب.

 

فهذه المحاولة، على رغم القيود التي فرضت عليها، كان يمكن أن تهيئ مجالات أوسع لمشاركة الأقباط في الحياة السياسية، وذلك على اختلاف انتماءاتهم الطبقية وتوجهاتهم الاجتماعية والسياسية، لكن هذه التطورات لم يتم إجهاض بعضها وكبح البعض الآخر فحسب، وإنما اشتد التوتر في العلاقات بين الجماعتين الإسلامية والمسيحية واتخذ أبعاداً لم ترها البلاد منذ بدايات القرن التاسع عشر، والحاصل أن مسببات التوتر لم تكف عن الظهور منذ بداية حكم الرئيس السادات وحتى أواخر 1981 وأجري هذا كله في إطار سياسي اقتصادي اجتماعي محدد.

 

وتصادف تولي السادات الحكم مع مجيء رأس جديد للكنيسة المصرية، هو البابا شنودة. ويقول محمد حسنين هيكل إن البابا الجديد «كان أكثر الناس ملاءمة لمكانه وزمانه، ولعل دوره على نحو ما، استعاد دور مكرم عبيد على رغم اختلاف خلفيته وشخصيته وموقعه... كان مكرم عبيد قد وصل إلى روح الحضارة العربية (للعرب المسلمين والمسيحيين) من طريق دراسة الدين وحفظ القرآن، وكان الراهب شنودة قد وصل إلى النتيجة نفسها من باب الأدب، وكانت اللغة مدخل عقله إلى اقتناعه، كما أن الشعر كان المدخل إلى قلبه. وفي حين أن مكرم عبيد كان كتلة من الأعصاب المشحونة طوال الوقت كان البابا شنودة هادئاًً في حساباته ممسكاً بزمام أعصابه دائماً». وكانت بداية المتاعب بين الرئيس السادات والبابا شنودة في السياسة الجديدة التي فكر فيها وأشرف على تنفيذها المهندس عثمان أحمد عثمان، وكان مؤدى هذه السياسة استعمال شباب الجامعات الإسلامية في التصدي لجمهور الشباب القومي (وفيه الناصري) في الجامعات، ومع استمرار تظاهرات الطلبة بسبب فوات «عام الحسم» (1971) كما سماه الرئيس السادات فإن مطلب التصدي تحول إلى مطلب ردع. وكان أن ظهرت العصي والجنازير وسكاكين قرن الغزال، وبالطبع فإن نزعة العنف لم تقتصر على الجماعة وإنما تسربت وسالت إلى المجتمع الواسع خارجها، وكانت وزارة الداخلية في حساباتها لاتجاهات الشارع قد أصبحت أكثر توجساً وكان أن اتخذت موقفاً أكثر تشدداً في عملية ترميم الكنائس متزمتة أكثر من اللازم حتى في تطبيق الخط الهمايوني، والهدف بالطبع الجماعات الإسلامية أو مداراتها مع اعتبارها في ذلك الوقت ضمن احتياطي النظام ضد مناوئيه.

 

وكانت البداية المتوترة مع السادات في أحداث الخانكة في 1972 حيث أحرق مجهولون كنيسة قبطية بنيت من دون ترخيص، وفي اليوم التالي قام عدد كبير من القساوسة والرهبان يتقدمهم البابا شنودة بنفسه بالتوجه سيراً على الأقدام إلى موقع الكنيسة وهو ما استفز قطاعاً كبيراً من المسلمين فأحرقوا عدداً من المحال القبطية، لكن الأهم هو أن السادات اعتبر هذه المسيرة تحدياً مسيحياً وتمرداً علنياً على حكمه، ومنذ ذلك الوقت ترعرعت روح العداء بينه وبين البابا الذي عين في بداية عهد السادات رئيساً للكنيسة القبطية، وحاول السادات استقطاب بعض العناصر القبطية المناوئة للبابا الذي واصل بدوره تحديه الرئيسَ السادات وأعلن رفضه خططَه، في الوقت الذي كان السادات يحرص على الظهور بمظهر الرئيس «المؤمن»، واتخذ لدولته شعار «العلم والإيمان، إضافة إلى الظهور القوي للجماعات الإسلامية».

 

هذه الأوضاع لم ترق للأقباط فزادت عزلتهم في المجتمع، وأفرز المناخ العام الجديد في مصر ظاهرة الزعامة الدينية، وبعد ما كان زعماء الأقباط ورموزهم الوطنيون في الماضي من أمثال مرقص حنا ومكرم عبيد وويصا واصف، أصبح البابا شنودة الآن هو زعيم الأقباط السياسي. لقد قدم له الأقباط المصريون توكيلاً بأن يكون زعيمهم السياسي والناطق باسمهم، وأخطأوا في ذلك (تسليم القيادة السياسية للكنيسة) لأنهم كرسوا بهذا الانفصال بينهم وبين مواطنيهم المسلمين.

 

من ناحية أخرى وبعد إعلان الأحزاب شارك الأقباط في الحركة الحزبية المصرية وشاركت في تأسيس الحزب الوطني شخصيات قبطية مثل فكري مكرم ووليم سيفين، كما ساهم ميلاد حنا وعريان نصيف والدكتور رمزي فهيم صليب والأستاذ أبو سيف يوسف وفيليب جلاب وآخرون في تأسيس «حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي»، وكذلك بعد إعلان حزب الوفد الجديد وانتخاب إبراهيم فرج سكرتيراً عاماً للوفد كتقاليد الوفد منذ اختيار مكرم عبيد في هذا المنصب. وشارك في تأسيس حزب الوفد شخصيات قبطية معروفة مثل الدكتور لويس عوض وسعد فخري عبدالنور وكاتبة هذه السطور وآخرون.

 

ولكن، إذا عدنا إلى استقراء حركة النظام فسنجد أن مجمل سياساته اتجه إلى إحداث انقطاع مع سياسات الخمسينات والستينات وتوجهاتها، ولم يكن من السهولة بمكان أن يتم هذا الأمر من دون مقاومة من الطبقات والفئات والقوى السياسية والاجتماعية التي ارتبطت بثورة تموز (يوليو) على أساس برنامجها الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم اتجه السادات إلى تجميع الحلف المقابل منطلقاً من شعارات ذات توجهات دينية، فرفع شعارات «العلم والإيمان» والعودة إلى قيم القرية، وعلى مستوى الممارسة أضيفت عبارة «الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع» إلى المادة الثانية في الدستور والتي تنص على أن «الإسلام دين الدولة»، ثم عدلت بعد عام 1979 لتكون «الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع»، فكان لا بد من أن يثور التساؤل حول مقومات النموذج الجديد للتكامل بين المسلمين والمسيحيين في مجتمع تحكمه الشريعة الإسلامية في الأحوال كافة، فالحاصل أن عقد السبعينات دخل تاريخ مصر باعتباره عقد الاحتكاكات والصراعات الطائفية.

 

من ناحية أخرى، قدمت شخصية بارزة من «العلمانيين» الأقباط هي الأستاذ ميريت بطرس غالي، الوزير السابق ورئيس جمعية الآثار القبطية، تقريراً (1979) رفعه إلى المسؤولين، وفيه ذكر أن مظاهر التمييز ضد المسيحيين تنحصر في نوعين من المشكلات: قديم يتمثل في العراقيل الإدارية لبناء الكنائس وزيادة التفرقة في الأحوال الشخصية، وجديد هو مشكلات الأوقاف القبطية، والتعليم، والوظائف.

ويشخص التقرير الوضع في ما يأتي:

 

كان الأمل أن تختفي بقايا التمييز ضد المسيحيين بعد ثورة 1919، غير أن مظاهره بدأت مع ثورة تموز (يوليو) 1952، وقويت بعد صدور القوانين الاشتراكية. ثم اشتدت في السنوات الأخيرة نتيجة لتدبير أجنبي حتى بدا أشبه بحملة مدبرة ضد المسيحيين والمسلمين في مصر، وكل هذا يشير إلى أن ثمة مخططاً تحركه قوى أجنبية لإثارة فتنة طائفية في البلاد.

 

ويرى كاتب التقرير أن ما قرره الدستور من أن «الإسلام دين الدولة» يشكل – عنده – نصاً مقبولاً بل واجباً، كي يؤكد أن المجتمع المصري يقتدي بالقيم الروحية والمبادئ الدينية، ولكن يجب ألا يتخذ هذا النص ذريعة لتكريس التمييز ضد الأقلية.

 

الحاصل أنه في ظل حكم اتجه إلى استخدام الدين لتحقيق أهدافه السياسية والاجتماعية ولعزل خصومه انطلقت الجماعات السياسية الإسلامية والمسيحية لتملأ الساحة، وازداد التوتر بين المسلمين والمسيحيين.

 

وعندما انتقد الرئيس السادات البابا شنودة في خطابه في 14 آيار (مايو) 1980 أمام مجلس الشعب (البرلمان) وتضمن الانتقاد ما يمكن أن يعتبر اتهامات جسيمة موجهة إلى رئيس الكنيسة من شأنها أن تستفز مشاعر المواطنين العاديين من المسلمين، توقع الكثيرون أن تنفجر تظاهرات غاضبة ضد الأقباط، ولكن شيئاً من ذلك لم يقع لأن العنف الطائفي ليس من التقاليد الشعبية المترسخة.

 

وشملت اعتقالات أيلول 1981 قيادات دينية من الطرفين، سواء كان الشيخ عمر التلمساني أو الشيخ المحلاوي أو الشيخ كشك و22 أسقفاً وقسيساً من الأقباط، كما شملت قيادات مدنية مسلمة مثل الكاتب والمفكر الكبير محمد حسنين هيكل وفؤاد سراج الدين والراحل عبدالعظيم أبو العطا جنباً إلى جنب مع الدكتور ميلاد حنا وعريان نصيف وآخرين.

 

ونخلص من هذا إلى أن كان لبعض أحداث السبعينات طابع طائفي مثل «الزاوية الحمراء... إلخ»، لكن مصر لم يتم إدخالها بعد في حزام البلاد التي ترسخت فيها الفتنة الطائفية وذلك يرجع إلى القيم التي عززتها الثورات الوطنية 1882، 1919، 1952.

 

الأقباط في عهد مبارك

 

رحل السادات والجماعة الوطنية المصرية منقسمة على ذاتها، وبلغ الفساد مداه نتيجة الهجمات المتعمدة على نسق القيم التي سادت مصر، سواء في المرحلة الليبرالية (1919 – 1952) أو المرحلة الناصرية (1952 – 1970) ومن ثم ترك السادات للرئيس حسني مبارك إرثاً يكاد يكون مستحيلاً، وبدأ الرئيس مبارك حكمه بتهدئة الأزمات والإفراج عن المعتقلين السياسيين كافة واستطاع أن يحقق ما بين 1981 - 1985 مجموعة من التطورات هي:

 

- السماح الرسمي للأحزاب بالنشاط العلني.

- إصدار قانون جديد للانتخابات البرلمانية وهو القانون الرقم 113 لعام 1982.

- عودة حزب الوفد بقرار من المحكمة في كانون الثاني (يناير) 1984.

 

- 3 كانون الثاني (يناير) 1985، القرار الجمهوري بإعادة تعيين الأنبا شنودة الثالث.

 

وكان الرئيس عسكرياً يحظى باحترام على نطاق واسع لدى النخبة المصرية حتى تولى منصب نائب الرئيس في 15/4/1975 وقد نعم بتأييد وبالتفاف شعبي واسع لمدة أربع سنوات كاملة، إذ لم تقع أية حوادث عنف ملموسة في هذه الفترة.

 

كما أن الرئيس مبارك لم يكن يوماً ما عضواً في تنظيم «الضباط الأحرار»، وبالتالي ليست له علاقة شخصية بالشرعية الناجمة عن هذا التنظيم ألا وهي شرعية 1952 بقدر ما تستند شرعيته إلى انتصار الجيش في تشرين الأول (أكتوبر) 1973.

 

مرت الفترة بين 1982 – 1985 في هدوء حذر وانتظار تقديم حلول لجذور المشاكل التي ورثها مبارك بما فيها من جوانب اجتماعية واقتصادية إضافة الى ضيق الهامش الديموقراطي. ولعدم البدء في الحل عاد العنف من جديد وتجاوز شكله الطائفي الموجه للأقباط وتعددت أوجه العنف من قبل المتطرفين وطاولت رموزاً للدولة ذاتها.

 

أما بالنسبة الى تمثيل الأقباط في المجالس النيابية فما زالت دون المطلوب ولم تشهد طفرة كبيرة إذ لم يرشح الحزب الوطني الحاكم عدداً معتبراً من الرموز القبطية (في 1995 لم يرشح الحزب الوطني الحاكم مرشحاً قبطياً واحداً).

 

أما من الناحية الاقتصادية والمالية فبرزت أسماء كثيرة ولامعة في هذا المجال مثل عائلات ساويرس وغبور وثروت باسيلي وسامي سعد وصفوت حبيب ورشدي صبحي وآخرين.

إلا أن الإشارة تجدر أيضاً إلى بعض النقاط الآتية:

 

- في عام 2000 زادت مشاركة الأقباط في الحياة العامة ومنها الانتخابات لعام 2000 والتي نجح فيها للمرة الأولى خلال نصف قرن تقريباً ثلاثة من الأقباط (منير فخري عبدالنور من الوفد والدكتور يوسف بطرس غالي من الحزب الوطني ورامي لكح المستقل).

 

- قيام الدولة بإعادة الأوقاف القبطية إلى الكنيسة بعد أكثر من أربعة عقود من الاستيلاء عليها.

 

- اهتمام وسائل إعلام الدولة بأخبار الأقباط وتغطية المزيد من احتفالاتهم وطقوسهم الدينية.

 

- اهتمام وزير التربية والتعليم السابق حسين كامل بهاء الدين بتنقية الكتب المدرسية من كل ما يحض على الكراهية والتعصب وكذلك بالحقبة القبطية من تاريخ مصر الوسيط، كما أكده في مؤتمر عام نشرته جريدة «الأهرام» في 20/3/2001 بعنوان «منهج جديد للأخلاق في مرحلة التعليم الأساسي العام المقبل»، إلا أنه بعد مغادرته الوزارة اشتد التعصب في المدارس التي أصبحت بؤرة الفرز الطائفي.

 

- اعتبار يوم 7 كانون الثاني (يناير) عيد الميلاد المجيد عيداً قومياً لجميع المصريين.

 

غير أن في العقود الأخيرة تزايد باضطراد عجز الدولة المصرية في القيام بمهامها الاقتصادية والاجتماعية والســـياسية. ومن الضرورة أن نشدد أيضاً على الدور الذي يلعبه المؤثر الخارجي في رفع التوتر بين الجماعتين، ففي ظل الأزمة المجتمعية تكون السمة الغالبة للمجتمع هي عدم القدرة على نفي أو تحييد ذلك الدور، وبالتالي تصبح الأزمة المجتمعية محركاً لعوامل التوتر.

من ناحية أخرى هناك فجوة طبقية متزايدة لا تقتصر على المــــسافة الـــهائلة بين «الكومباوندات» و «العشوائيات»، فهناك سياسات لا تحقق العدالة الاجتماعية، ويقول الدكتور وحيد عبدالمجيد إن الشعور بالهوية الدينية تضخم في ظل تراكم العوامل المغذية لها منذ سبعينات القرن الماضي وأنتج غلياناً طائفياً تحت السطح انفجر مرات من قبل إلى أن بلغ ذروته في الأيام الأخيرة. أيضاً لا بد من الإشارة إلى أن قادة التظاهرات وغالبية المشاركين فيها هم من فئة الشباب ما دون الثلاثين الذين نشأوا مع بدء تديين المجال العام في مصر على يد الرئيس السادات وانعزل داخل أسوار الكنيسة، ولكن هذه المرة كما قال أحد الكتاب المستنيرين إن تظاهرات الشباب القبطي كانت بمثابة خروج على الدولة والكنيسة. وبالتالي فإن التكاتف العظيم من جانب المصريين وتضامنهم في إدانة حادث التفجير الذي استهدف الأقباط أمام كنيسة القديسين في الإسكندرية ليلة رأس السنة واستنكار دوافعه ونية الرد العملي عليه، يمكن أن يكون مؤشراً على بدء رسم ملامح الدولة المدنية، والإحساس بالوعي وبالمصير المشترك وأن هذا الوطن لا يمكن تقسيمه، وهو الأمر الذي يفسر أن في مواجهة الأخطار كان يتم تجاوز أية مشكلة تسبّب التوتر أو تثير الصراعات.

إلى أين من هنا؟

 

المذبحة التي راح ضحيتها 23 قتيلاً وسبعون جريحاً معظمهم من الأقباط، جاءت في غضون أسابيع من أسوأ انتخابات في تاريخ مصر الحديث، إذ أثارت ضجة وتداعيات ولا تزال، إذ إنها التمهيد الواضح – بطبيعتها بل بالطريقة المذهلة الفجة التي أديرت بها – لانتخابات رئاسة الجمهورية هذا العام (2011).

 

من ناحية أخرى لم يفرز المجتمع على مدى أكثر من خمس سنوات احتجاجاً شعبياً بالحجم الذي أحدثه الاعتداء على كنيسة القديسين. وبالتالي لا بد من الضغط على النظام لتلبية المطالب المشروعة للأقباط التي تحقق لهم مواطنة معنوية وفعلية طال أمد استحقاقها. وهنا نقصد ما ذكره الدكتور سعد الدين إبراهيم عالم الاجتماع الشهير:

 

1- قانون دور عبادة موحد، يخضع إنشاء الكنائس للإجراءات نفسها التي تنظم إنشاء المساجد.

 

2- النص دستورياً على أن يكون للأقباط تمثيل في كل المجالس النيابية المنتخبة لا يقل عن عشرة في المئة (10 في المئة) وهنا أوافقه عندما يقول ولنتوقف عن الخداع الجمعي للذات الوطنية باستحضار ذكريات ثورة 1919 وما بعدها من رفض قبطي لمبدأ النسبة (الكوتة) فقد كان الزمن غير الزمن. ثم إذا كانت دول ديموقراطية عريقة مثل سويسرا وبلجيكا تأخذ به، فما الضرر أن نأخذ به في مصر؟ وهو المبدأ نفسه الذي يطبق على العمال والفلاحين والنساء.

 

3- إعادة صوغ مناهج التاريخ والتربية القومية بحيث تتعلم الأجيال الجديدة من مسلمين وأقباط أن أصولهم واحدة، فرعونية – قبطية وأن 99 في المئة من المصريين كانوا مسيحيين أقباطاً لستة قرون (من القرن الأول الميلادي إلى القرن السابع) وأن تحول المصريين إلى الإسلام كان تدريجاً ولم تصبح الغالبية مسلمة إلا بعد خمسة قرون من الفتح الإسلامي.

وفي النهاية، إن الأمر المقطوع به هو ضرورة العمل التثقيفي الذي يرسخ عبر آليات محددة عدداً من المبادئ، في مقدمها تطبيق الديموقراطية والإقرار بمبدأ المواطنة وضمان حرية العقيدة. إن هذه المفاهيم مطلوبة لضمان تماسك المجتمع ككل وهي مطلوبة أيضاً لتحقيق تكامل قوي بين المسلمين والمسيحيين، إذ إن إعمال مبادئ الديموقراطية يطرح أسس الاندماج على المستوى السياسي ومن خلال نهضة حضارية تجدد شروط الاندماج فلا يتحول الأقباط إلى أقلية وإنما هم شركاء في الحياة الواحدة والمصير الواحد للشعب الواحد.

* عضو مجلس الشعب المصري سابقاً وأستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة

 



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
الملف:
لئلا تذهب الثورة هباءً: تغيير طبيعة النظام أهم من تنحية الرئيس - بقلم سامر القرنشاوي
بعد تونس ومصر: هل انحسر دور الأحزاب السياسية؟ - بقلم أكرم البني
أيّ ضغط؟ - بقلم حازم صاغية
حراك الشارع العربي يفتح عصر التغيير - بقلم علي حمادة
تظاهرات لا تكره الغرب - بقلم جان دانيال
نهاية السلطوية التي بدأت عام 1952؟ - بقلم السيد يسين
عمر أميرالاي - بقلم زياد ماجد
أكتب إليكم من ميدان التحرير – بقلم فاطمة ناعوت
كرامة الشباب - بقلم حازم صاغية
غسان سلامة: إيران ليست استثناء ودور الغرب هامشي في بقاء السلطات أو زعزعتها وفي بناء التركيبة الجديدة
أسئلة التحوّلات المقبلة - بقلم زياد ماجد
النواطير مستيقظون - بقلم عقل العويط
عندما يتحرر "الرجل الصغير" فينا - بقلم منى فياض
رفـــض الفـــجــــــــور – بقلم غسان سلامة
من أجل الخبز والحرية - بقلم خالد غزال
انهيار جدار برلين العربي؟ - بقلم محمد أبي سمرا
من كراهية الأميركان إلى إسقاط الطغيان؟ - بقلم وضاح شرارة
لا بد من رحيل العسكر – بقلم داود الشريان
محنة التحول الديموقراطي العربي – بقلم السيد يسين
الثورتان التونسية والمصرية وولادة فاعل تاريخي اسمه الشعب – حسن الشامي
حركات التحرر المواطني – بقلم ياسين الحاج صالح
مبارك والأسد:هل يعني تشابه المخاوف اختلاف المآلات؟ - بقلم خالد الدخيل
غياب القيادة قد يتحوّل عائقاً أمام حركة الشارع في مصر
جون كيري: فلنتحالف مع مصر المقبلة
بعد تونس ومصر وعود الإصلاح الاستلحاقي تملأ فضاء المنطقة !
انتفاضة النيل ضد دكتاتورية الحزب الواحد
طغاة أم ملائكة ؟
مصر في همهمة السجال
شرعية شبابية تولد في مصر؟
الاحتجاجات الشعبية في مصر تطغى على «الانقلاب السياسي» في لبنان
شباب مصر مسؤولون عن حماية ثورتهم من المتسلّقين
«صنع في الشرق الأوسط»
مصر: مقدمات الزلزال العربي
قراءة في ظاهرة الغضب الاجتماعي العربي
الخبـــث الرئاســـي
سقطت «الدولة الأمنية» ويبقى الإجهاز عليها!
أول الطريق إلى الحرية..أول الطريق إلى التغيير
اليوم مصر، وغداً... لناظره قريب
حرية..ومعايير مزدوجة
حرية المعتقد والحقوق الأساسية في لبنان والعالم العربي
تونس ومصر: هل من تمايزات؟
الانتفاضات الشعبية والمصالحة بين الديموقراطية والوطنية
مصر وأزمة التغيير العربي
إعادة فرز التحالفات والقوى السياسية في مصر
سمير قصير كان على حق
اكتشاف الشعوب
"الناس دي يمكن يكون عندها حق"
درس لسائر الشعوب في المنطقة
أكلاف الحنين
نهاية "الى الأبد"؟
اللبناني "شاهداً" و"مشاهداً" !
الإنتفاضات.. ومعانيها
سقوط مقولة «الاستثناء العربي»: العرب يثورون للحرية
لبنان تحت حكم الحزب الواحد؟
«محنة» الجمهوريات العربية!
مصر وانتفاضة تونس... الاستلهام في اتجاهات أربعة
على هامش الانتفاضات
نعم ستتغير مصر
التغيير في تونس وأسئلة الخبز والحرية حين تطرح في غير بلد عربي
معضلة الاندماج في المجتمعات العربية
الانتفاضة التونسية والحالة المصرية: نقاط لقاء وافتراق
«يوم الغضب» نقلة نوعية في المشهد الاحتجاجي المصري
رهاب الأجانب مرضٌ تعاني منه القارة الأوروبية
تونس - لبنان: في تضاد المتشابه
لبنان على الطريقة العراقية
نصف مليون سعودي يبحثون عن «أمل»
شباب الجزائر يموتون «حرقة» واحتراقاً!
لبنان أعقد...
مهمتان عاجلتان : جبهة شعبية تونسية متحدة وجبهة عربية شعبية مساندة لها
لبنان في العالم العربي: الخصوصيات ثقافية
دخول المجتمعات المشرقية عصر الدولة الوطنية والكيانات السياسية من باب "الثورة السلبية"
تونس ولبنان: فائض السياسة مقابل فائض القوة والخوف
إقصاء الحريري: تبديد مبكر لفرصة دمشق اللبنانية
بناء الأمة والانقسامات الإثنية الدينية
تونس: الأكثر أقلّ
إحياء "البورقيبية" في تونس لإخماد "ثورة الياسمين"؟
الحركات الاحتجاجية في العالم العربي ما بين السياسي والاجتماعي
لبنان بين الشراكة والأحادية
بين انتفاضة تونس ومحكمة لبنان
تسرعت الليبرالية العربية في الدفاع عن الفرد في وجه الدولة
لا تناقض بين روح الحرية ومنع التكفيريين
الحديث عن الحرية عبث ما لم يقم على أساس الفردية والتفرد
هل اخطأ بن علي اختيار الشركاء؟
تونس تَقلِبُ المشهد السياسي العربي
ثماني عِبر من تونس
الانتفاضات الشبابية: سيناريو 1988 يتكرر وشباب الجزائر من «مغرر بهم» إلى «منحرفين ولصوص»
حزب «الوفد» يوحّد المجتمع المصري وثورة تموز تقسّمه بتوسّلها تأييد الاتجاه الديني
"ثورة الياسمين" ليس لها تأثير الدومينو!
عن ثقافة الاحتجاج في الأردن... وحكومة وبرلمان اضطرا للاستجابة
مفترق تونس
العرب والحاجة إلى الواقعية السياسية
رياء
مثقفون جزائريون يقرأون الانتفاضة التي شهدتها مدنهم
حركة شعبية بلا أحزاب أسقطت الحكم التونسي
الانتفاضات الشبابية: سيناريو 1988 يتكرر وشباب الجزائر من «مغرر بهم» إلى «منحرفين ولصوص»
نظرية المؤامرة والهرب من المسؤولية
من نزاعات الهوية إلى الاحتجاج الاجتماعي
السعودية ليست دولة دينية
درس تونس: الانسداد السياسي يولّد الانفجارات
نحن نقبلهم فهل يقبلوننا؟
المسؤولية عن اضطهاد أقباط مصر... هل إنها فعلاً شديدة الغموض؟
معضلة الحرية في مصر: الانتخابات مخرجاً من نسق الإكراه
على هامش جدل الرمز الديني
تقرير لمرصد الإصلاح العربي يركز على حال التعليم
الاحتجاجات التونسية: انتفاضة عابرة أم نقطة منعطف؟
المعارضة اللبنانية تطوّق نفسها دولياً
المشهد العربي بعد انفصال جنوب السودان
قبط مصر: من الوداعة الى التوتر اللبناني ؟
حدود مسؤولية المجتمع المصري ؟
مسؤوليتنا عن تحوّل الأقباط الى مواطنين من الدرجة الثانية
تونس ما بعد سيدي بوزيد: بداية مرحلة جديدة
التسوية في لبنان هل تطيح الحقيقة والعدالة؟
كأنّها مرحلة جديدة؟
موت يلخّص واقعاً
تونس: من أجل خروج سلمي من الأزمة
انتفاضة على الليبرالية في الجزائر!
السعودية: المرأة في ظل الخطاب «الصحوي»
الاستخدام الفصائلي لمصطلح "الجمعيات الأهلية" و"هيئات المجتمع المدني"
مركز دراسات الوحدة العربية على مشارف مرحلة جديدة
في عصر حروب دينية مرة أخرى؟
مسالك النقاش وعنف التأويل ...صورة المرأة من الخطاب إلى الحجاب
ماذا يحدث في الكويت؟
العنف الطائفي والركود السياسي في مصر!
قوانين المواطنة المصرية وتداعيات العمل الإرهابي
قوميات أحادية وحروب عدة
مسلمون ومسيحيّون و... خرافات
حقوق الإنسان أمام مرحلة جديدة
تشويه الليبرالية... بالتحريض على مثقفين أحرار
بكاء على أطلال الأقليّات
لطيفة والأخريات
فتاوى قتل المعارضين والعلاقة الملتبسة بين الدولة والإسلاميين
«ذئب وحيد»... أم صهر العشيرة وابنها؟
حالة ارتباك بين الحداثة والليبرالية
سمير قصير ونصر حامد أبو زيد طيفهما إذ يجوب المُدن والأمكنة
أحداث العالم العربي - الانتخابات العربية 2010: تأكيد الاستعصاء الديموقراطي ؟
عودة المسألة الاجتماعية إلى تونس
الأحزاب المصرية: الكل في الأخطاء سواء
مصر والبعث الجديد لظاهرة البرادعي
حال الطوارئ الحقيقية في مصر هي ديموقراطيتها المقموعة
المشايخ إذ يسيطرون على الرأي العام
مصر: مسؤوليات الرئيس والمعارضة
أشباح ساحة الشهداء
تقدم العالم العربي نحو... الأسوأ
أبعد من المحكمة الخاصة بلبنان
الإخوان المسلمون بين ملء الفراغ وإنتاجه
الليبرالية في السعودية - ردّ على الغذامي
الناقد «الموشوم» ومعركة الليبرالية – - ردّ على الغذامي
في إمكان التفاؤل بمستقبلنا
خــــــاووس
قراءة في التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية
الانفتاح: أهميته وضروراته للعالم العربي
بؤس السياسة وأزمة الحرية في مصر!
المشهد الانتخابي العربي خلال عام 2010: سقوط الموالين وخسارة المعارضين
بداية مضطربة للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين
تهجير المسيحيين العرب
سباق في لبنان بين التسوية والفتنة
الانتخابات المصرية ومأزق النظام [1]
مجتمعات عربية تحاول التهام دولها
«النظام الأساسي» هو دستور المملكة؟
الأمة والقومية والدولة في تجربتنا التاريخية
في لبنان التسوية أو البربريّة
«الإخوان المسلمون» المصريون ومسارات التحول نحو السلفية
الديموقراطيّة ... معركتها لم تبدأ عندنا بعد
60% من اللبنانيين و40% من الشيعة مع خيار العدالة
العنف ضد المرأة .. حان الوقت لكسر جدار الصمت
في تشريح أزمة الدولة الوطنية:ملاحظات على النقاش العالمي
كيف ابتلعت الانتخابات المصرية مقاعد "الاخوان"؟
الديموقراطية العربية: سلعة لا تزال قليلة العرض
هل أُسقطت "أضربوهنّ" على كل المجتمع العربي؟
عن حقوق الإنسان في المشهد العربي الراهن
الدستور بين الدولة والمؤسسة الدينية في السعودية
مصر والأردن: انتخابات تعددية نعم، لكن دون جوهر ديموقراطي أو إصلاحية !
الشيخ عبدالله المطلق والمرأة السعودية
حقوق الإنسان: ثلاث أولويات للبنان
مأزق نموذج الديموقراطية المصرية المحدودة
تراجع "الإخوان" من تراجع التيارات الإسلامية العربية
مصر: انتخابات نزع الشرعيات الثلاث
النتائج الفعلية للانتخابات البرلمانية المصرية... خسارة للجميع
مطلوب عشرون فكرة لإنقاذ العالم العربي
أميركا أميركا ... أيضاً وأيضاً
الهويات «المركبة» في الانتخابات الأردنية تبدّد أوهام صانعي قانونها
ملاحظات من وحي الانتخابات المصرية
ابن رشد ومارتن لوثر و«حوار التمدن»
العالم المفتوح... مصر المغلقة
الإخوان المسلمون خسروا غطاءً سياسياً مهماً في صراعهم مع النظام
برلمان 2010 يرسم خريطة لانتخابات الرئاسة ... لا فرص للمستقلين
فاز الحزب الوطني في مصر ... لكن البرلمان الجديد يفقد صدقية محلية ودولية
هل حقّق الحزب الوطني أهدافه في الانتخابات المصرية؟
الأدوار «الافتراضية» في الانتخابات المصرية
انتخابات» الأنظمة العربية إلى أين؟
فرسان الديموقراطية في العالم العربي ... تنقصهم الخيول
أردن ما بعد الانتخابات
ثقافة الانشقاق وأزمة الحياة الحزبية في مصر
في عجز الدولة العربية عن إنجاز تسويتها الداخلية
عن التجلّيات المتعدّدة للإسلام التاريخيّ
الإخوان المسلمون والإرهاب والإسلام السياسي
عصر ما بعد الديموقراطية: تضاؤل دور الاحزاب السياسية
العصبيات القبلية فى مصر القديمة
لمحة عن التاريخ السياسي لدائرة مصر القديمة
الملامح النهائية للمشهد الانتخابي في مصر
ما الذي تغـير هذه المرة في الانتخابات المصرية ؟
عـن مـصـر الـتـي سـتـنـتـخـب ... ومـصـر التـي لا تـكـتـرث
الدول العربية والمثقفون: أسئلة الحريات!
أزمة التعددية الإعلامية في العالم العربي
«الحزب المهيمن» في مصر والانتخابات النيابية
نعم ... الصحافة الاستقصائية ممكنة في العالم العربي
«الإخوان المسلمون» والانتخابات النيابية: أسئلة المشاركة أمام امتحان تداول افتراضي للسلطة
التطرف والإرهاب على أنقاض الدولة الوطنية
العلمانيـة وحقـوق النسـاء
في سبيـل علمانيــة لبـنانيـــة هنيّــة !
الديموقراطية معضلة عربية؟
انتخابات مجلس الشعب المصري... رصيد بلا نفاد وقعر بلا قاع
مصر: تشوهات الحياة السياسية كما تظهرها البرامج الانتخابية
في تفسير الانتخابات العربية
مصر: كيف نقاطع بإيجابية أو نشارك بحذر ؟
كيف نفهم حقوق المرأة وكرامتها؟
مشاهدات سريعة على أبواب المحاكم الشرعية اللبنانية
عن كتيّبات القضايا العامة
دور المحرّك/ الميسّر ومهامه
استراتيجيات عمل حركة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة