السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٣, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
التباس المسلمين: الحداثة هي الاستعمار؟
كريم قليلات
في إحدى المرات في منزل احد الاصدقاء الاعزّاء، كان هناك حديث يدور حول سهولة او بالاحرى صعوبة اندماج الاسلام، كثقافة و حضارة، داخل الحداثة. كان السؤال بمثابة مفتاح لعدّة تساؤلات بين الحضور، منها من ثقافات إلحادية ترى في السؤال حجّة اضافية لموت الاديان عموماً في الحداثة، واصوات نقدية اخرى تنتقد النقد ذاته غافلةً جوهر السؤال.

بقي الحديث ثابتاً عن مدى امكانية الاسلام التأقلم مع الحداثة. عندما حان دور سؤالي، تبيّن لي ان المشكلة جوهرية من زاوية السؤال نفسه والنظرة اليه: متى حداثتنا المعاشة تتأقلم مع الاسلام؟

حاول العرب والمسلمون الجواب على هذا السؤال منذ بدء الثورة الصناعية اواسط القرن التاسع عشر وكان كل إخفاق يؤدي الى محاولات جديدة. للمسلمين ثقة دفينة بجوهر عقيدتهم مما جعل التواصل مع الحداثة يأتي من باب الشكل والتنظيم فقط، تماما كحال بعض الحضارات الاسيوية. الا ان تلاقي الاستعمار/ الانتداب والفكر القومي في زمن واحد خلق محاولة تعتبر نهاية كل المحاولات الجدّية من خلال نتائج سلبية وبائسة على الصعيد السياسي، والاجتماعي والاهم، على الصعيد العقائدي.

لجمهور لا يستهان به من المسلمين، لا يزال مفهوم الحداثة الحالية استعمارا مقنّعا تغلغل في بيوتهم وشوارعهم وينضح على شاشاتهم، فالتشدّد والتزمّت حالة دفاعية امام واقع الحال، من هنا نفهم مواقف المراجع الدينية المتخبّطة بما يخص العنف باسم الدين

فالمعضلة سياسية بالدرجة الاولى.

عندما نتكلّم عن اصلاح ديني تأتي كلمة إصلاح لتعطب ان صحّ التعبير، الاجراء كله. تشير كلمة اصلاح الى وجود عطل بطبيعة الحال فيصبح الحديث عن الاسلام كالذي يتحدّث عن عطل والتساؤل عن جدوى الآلية كلها للقفز نحو "الحداثة" ومن جهة اخرى، كلمة اصلاح تعطي الاعذار لمتشبثي العقول بالاصرار على هيكلية السلف او هيكلية أحزاب الفكر القومي (اسلامي) لثقافة لا تمت للقومية بشيء.

الى الان، الحداثة المعاشة حداثة اقحامية، منعزلة نوعا ما عن المكونات غير الاوروبية او ذات اصل منها.

حداثة مع احكام مسبقة، من ليس معها او فيها فهو ضدها. تتعاطى مع المكوّن المسلم كجسم غريب عليها: ليعالج نفسه

بنفسه ومن ثم ليأتي اليها بحلّتها (الواقع السياسي الحالي الاوروبي خير مثال).

تحدي الاسلام الحالي هو في البلْورة و ليس في الاصلاح، و للحداثة دور جوهري في بلْورة الاسلام كثقافة وحضارة،

الحداثة كمفهوم كوني يشمل مكوّنات البشر كلها، من الآسيوي مروراً بالمسلم.

الحداثة بالتنافذ والتناضح بدل الاقحام، فالبلْورة لا يمكنها ان تصبح في الاقحام لا بل تزيدها كبتاً وغضبا،

التنافذ والتناضح وليس تفهّم من دون صلة وتواصل (سلعة البوركيني كدليل ساطع).

مع الثورة التكنولوجية وانفتاح شبكات التواصل، بدأ التحدي الفعلي في تلقّف "الحداثة" واقع ما بعد "الحقيقة".

يعيش المسلمون العرب حاليا حالة فصامية بين النيّة والارادة والواقع، والاسباب متعدّدة، ابرزها عدم التأقلم مع المنظومة الديمقراطية الليبرالية (على النسق الاوروبي) للحكم.

النيّة مقسومة عمودياً بين راغب ورافض، والارادة ضعيفة عند الطرفين اما الواقع فعلياً هو من يحكم امورهم،

واقع خاض الامرّين من تجارب افكار وفشل استراتيجي، الرضوخ هنا واقع غير معلن.

انتقل الخطاب ليصبح عن سلطة النص الديني على حساب العقل في الواقع العربي. ومن يصرّ على ضعف المحاججة العقلية عند العرب المسلمين او عدمها اقول ان المقاربة نفسها فيها الكثير من جلد الذات المغالي وحتى فيها من الظلم للكائن البشري عموماً (حتى لا اقول رهاب عنصري) ومن قدرته الاستيعابية.

فبإمكان الحداثة المرجوة لفترة ما بعد "الحقيقة" الحصرية ان تكون جسراً حضارياً حقيقياً كفيلاً ان يوصل اي حضارة الى اي ضفة تريد.

لم يعد التقدّم العلمي محصورا ًاو محدود الهوية تماما كما الثقافات الدينية فكلها في النهاية تصب عند الانسان وله، ثقافات لتشريف الدنيا والآخرة وليس حياة محبطة مضطربة قابعة لتشريف تلك الثقافات.

من الصعب للمرجعيات الدينية الاساسية ان تكون قوّة دفع او قدوة نحو بلْورة، فالامر يخالف طبيعة تكوينها وايضا تبيّن ان من المستحيل اسقاط قيم "حداثية" على منظومة ثابتة منذ عصور.

الموضوع سياسي بالدرجة الاولى ويبدأ بتفكيك مفهوم الحداثة الحالي للوصول نحو التنافذ والتناضح بدل الاقحام؛

هل على الحداثة ان تكون منصّة او غاية لنفسها؟ هل معيار الحداثة هو قمة ما تقدّم من تطور علمي للانسان ام يمكنها ان تكون تواصلاً عوضاً عن اسقاط احادي على الحضارات المختلفة، اهمهما العنصران الصيني و المسلم، لتصبح خلاصاتها مدماكاً لحداثة جامعة واسعة تتقدم بخطة ثابتة واثقة نحو اضمحلال الحروب وسخافة السلاح النووي؟

منتج تلفزيوني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة