الأربعاء ٢٤ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٢٥, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
عمل اللّاجئين الفلسطينيّين في لبنان: الديماغوجيا والحقيقة - زياد الصَّائغ
ثمّة ما يستدعي التفكّر الهادئ في ما جرى في الأسبوعين الماضيين على خلفيّة قرار وزير العمل بتطبيق قانون تنظيم عمل الأجانب، والذي تضمّن في ما تضمّن تنفيذ ما ورد في تعديلي قانون العمل والضمان الاجتماعي في المواد 128 و129 العام 2010 بما يُعطي خصوصيّة للاّجئين الفلسطينييّن في هذا السياق، مع أهميّة تسجيل أنّه في تعديل قانون الضمان الاجتماعي بقِيَت إشكاليّة مسألة مساهمة اللّاجئين العُمّال في صندوق المرض والأمومة دون الإفادة من تقدمات هذا الصندوق، فيما ثُبِّتت إفادتهم من طوارئ العمل وتعويض نهاية الخدمة.

كلُّ ما سبق، على الأرجح، تفصيلٌ في المواجهة الميدانيّة والسجاليّة التي شهدناها. ليس توصيف التفصيل من باب التسهيل الاستنسابيّ، أو التبسيط الافتعالي. مخزون الذاكرة اللبنانيّة – الفلسطينيّة، والتي عمِلت لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني بجهدٍ على تنقيتها وترميمها منذ العام 2005، عاد بشكلٍ ما في الأسبوعين الماضيين إلى مربَّع صدامٍ باللّاوعي. وكأنَّ معادلة الكرامة للّاجئين تحت سيادة الدّولة حتى العودة تتعرّض لاهتزازات بنيويّة كُنّا اعتقدنا أنها من زمن ولّى. لا تكفي حكمة بعض المرجعيّات اللبنانيّة والفلسطينيّة في مكيجَة التشوّهات التي حصلت. هناك من تولّى في المقابل تسعير المواجهة لغاياتٍ تقتضي تفكيكاً منهجيّاً، خصوصاً في مرحلة انسداد الأفق الإقليمي – الدَّولي. قد نكون دخلنا حيّز الاشتباك المستجدّ حول من يُمسك بمشروعيّة القضيّة الفلسطينيّة، وفي صلبها اللاّجئون، وهنا بيت القصيد.

في أيّ حال، وإذا ما أردنا البحث المعمَّق في ما جرى من تماسٍّ لبنانيّ – فلسطينيّ، قد يحلو للبعض إعادة اللبنانيّين فيه الى تصنيف مشبوه "مع فلسطين" – "ضدّ فلسطين"، أو الفلسطينيّين فيه الى تصنيف مؤمراتي "حماية الحقوق" – "هدر الحقوق"، إذ ما أردنا البحث المعمَّق في هذا التماسّ، يتبدّى جليّاً إلحاح فَهم حقيقة سياق عمل اللّاجئين الفلسطينيّين، والديماغوجيا التي لُبِّست هذا السياق، لكن بعيداً عن الأبولوجيتيكيّة التي تمّ الانزلاق فيها. الأبولوجيتيكيّة بمعنى الدفاع والهجوم تقتل المساحات المشتركة.

1- عمل اللّاجئين الفلسطينيّين: هل من سياسة عامة؟

ليس في لبنان سياسة عمل ليس للّاجئين فحسب، أو للأجانب فحسب، بل ليس من سياسة عمل للبنانيّين أيضاً. هذا التَّغيُّب أو الغياب لسياسة عمل، والتي استطراداً تفترض سياسة تشغيل وحماية اجتماعية متكاملة، يشكِّلان جوهر الثغرة بين قانون العمل، وقانون تنظيم عمل الأجانب، وانفلات سوق العمل من تنظيمٍ شرعي. القانون يجب أن يستجيب لسياسة عامة. وقانون العمل، وقانون تنظيم العُّمال الأجانب، وقانون الضمان الاجتماعي تحتاج تطويراً بناءً على سياسة عامة للعمل كانت محاولة لإنجازها في 2010-2011، لكنّ الظروف لم تسمح باستكمالها. اللّاجئون الفلسطينيّون مقيمون موقّتون في لبنان منذ 71 عاماً. وحتى العودة آن أوان بلورة تصوّرٍ قائمٍ على إمكانيّة دخولهم سوق العمل بناءً على دراسة علميّة، وتشريع ثابت يوازِن بين الإنسانيّ والسياديّ وموجب حماية حقّ العودة. ليس هذه براغماتيّة مركانتيليّة، بل هذه حقيقةٌ علميّة من غير الجائز بعد الآن تجاهلها. تبقى الأفضليّة للعمّال اللبنانييّن بطبيعة الحال. كان إن ثبت علميّاً أن ثمّة قطاعات نحتاج فيها عمّالاً من غير اللّبنانيّين، فمشروعٌ حينها، ومع ضوابط قانونيّة وإداريّة، إنهاء حالة الانكفاء عن الاستعانة باللّاجئين الفلسطينيّين حتى عودتهم. (المُهمّ عدم تجاهل عبارة حتى عودتهم). سياسة عملٍ وتشغيل حجر أساس في الوقاية من مطبّات مستقبليّة ملغومة.

2- عمل اللّاجئين الفلسطينيّين: أحقيّة بتطبيق القانون!

إجازة عملٍ للاّجئين الفلسطينييّن العمّال، وسجلّ تجاريّ لأصحاب العمل منهم، تدبيران مؤسِّسان ليس في صون سيادة القانون فحسب، بل في صون حقوق هؤلاء. إجازة العمل مجّانيّة ونُزِع عنها مبدأ المعاملة بالمثل، والسجلّ التجاريّ خُفِّضت رسومه. إجازة العمل تمنع الاستغلال. السجلّ التجاريّ يعزّز احترام السيادة. لكن هذا لا يكفي، فأحقيّة تطبيق القانون خصوصاً في التعديلين اللذين أُقِرّا العام 2010، هذه الأحقيّة من المفترض أن تتوازى مع مراسيم تطبيقيّة لهذين التعديلَين تفادياً لأيّ استنسابيّات من فِعل التساهل أو المزايدة على حدّ سواء. المراسيم التطبيقيّة ليست صعبة الإنجاز، لكن علينا إدراك أنَّ ثمّة أكثر من أربعين قانوناً في لبنان ما زالوت دون هذه المراسيم، وهذا يُدلّ على العطب البنيويّ في الحوكمة عندنا.

3- عمل اللّاجئين الفلسطينيّين: الافتعال التشويهيّ!

هل عَدم إنجاز المراسيم التطبيقيّة، وهشاشة التَّلفُّت لخصوصيّة اللّاجئين الفلسطينيّين العُمّال وأصحاب العمل يُبرِّر اشتعال الشارع ميدانيّاً، حتى التهديد بالانفجار، أو التلميح إلى عصيان، وعودة الى صدامٍ لبنانيّ – فلسطينيّ مع استرجاع كلّ المصطلحات غير السَّويّة، والتي كنّا اعتقدنا أنّنا تجاوزناها لبنانيّين وفلسطينييّن؟

من تابع بعض المزايدات لبنانيّاً وفلسطينيّاً من ناحية، وبعض الحكمة لبنانيّاً وفلسطينيّاً من ناحية أخرى، وتولَّت الحِكمة قياداتٌ من هنا وهناك، خصوصاً لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، من تابع هذا يستطيع أن يعِي أنّ ما وراء أكمة تطبيق قانون العمل، أجنداتٍ أبعد. الاستثمار الاشتعاليّ في فتيلٍ وتحويله الى صاعق مدمِّر لكل ما أُنجز في العلاقات اللبنانيّة – الفلسطينيّة منذ العام 2005 يفرِض علينا جميعاً، عدا أولئك المصرّين على واقع "الأمر لي"، يفرِض علينا جميعاً حواراً تحت سقف القانون وخصوصيّة اللاجئين. عدا ذلك سنكون أمام انتحار جماعيّ جديد نُستخدم فيه لبنانيّين ولاجئين فلسطينييّن وقوداً في مواقد مفاوضات ما بعد انسداد الأُفق. ربط تطبيق القانون بـ "صفقة القرن" سمِجٌ ومشتبه به. الحقوق احترامٌ للسيادة. والسيادة احترامٌ للحقوق. الممارسة الحاليّة التباسٌ في الحقوق، واستباحة للسّيادة.

الاستعراض الثلاثي الأبعاد الذي أوردتُه لا يستقيم عملانيّاً إن لم تُقِرّ الحكومة اللبنانيّة وثيقة "الروية اللبنانيّة الموحَّدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان"، والتي أنجزتها مجموعة العمل اللبنانيّة لقضايا اللجوء الفلسطيني المؤلّفة من الأحزاب اللبنانيّة في العام 2017، وعرّابها لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني في رئاسة مجلس الوزراء. هذه الوثيقة الوطنيّة سياسة عامة. دونها سنبقى أمام احتمالات تصدّع في الإنسانيّ والسياديّ والديبلوماسيّ. كذا الأمر في عدم إقرار سياسة عامة تجاه النزوح السوري حتى الساعة.

أمين السر السابق للجنة الحكومية اللبنانية للحوار اللبناني الفلسطيني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة