الجمعه ٢٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ١٩, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
تحليل: "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" أو "الناتو العربي" مجازاً
أجرت باحثة شرق أوسطيّة وربّما عربيّة عاملة في مركز أبحاث أميركي ذي صدقيّة كبيرة بحثاً جديّاً وعميقاً عن "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" أو التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط، الذي أُطلق عليه مجازاً اسم "الناتو العربي"، أي النسخة العربيّة لحلف شمال الأطلسي، في وسائل الإعلام المتنوّعة. وقد رأيت بعد اطّلاعي عليه ضرورة إشراك القرّاء اللبنانيّين والعرب في معرفة مضمونه والتعمُّق فيه وفي تقدير فوائده لعالمهم أو مضاره، كما في استشراف إمكانات النجاح في إقامته أو الفشل.

فهي تعتبر أن العالم العربي يحتاج إلى بناء أمني جماعي. ومشروع أميركا للتحالف المذكور أعلاه الذي يحمل إسم "MESA" بالانكليزية يمكن أن يكون نظريّاً خطوة إلى الأمام لأنّه يصل الأمن العسكري بالأمنَيْن السياسي والاقتصادي. لكن حتّى الآن بدا أنّه مُصمَّم لتأمين الحاجات الأميركيّة، ومنها استهداف إيران، وتقليص الحضور الإقليمي الأميركي، ولكن من دون السماح للصين وروسيا باكتساب النفوذ، ومع تجاهل الأولويّات والارتباكات والانفعالات المستقبليّة للدول العربيّة العضو فيه. طبعاً يُقرّ الرسميّون الأميركيّون والعرب بأن "MESA" هو عمل جماعي قيد التطوّر والتقدّم. ويلفتون إلى أن نجاحه لا بُدّ من أن يعتمد على بناء الأمن الإقليمي أكثر منه على تغذية سباق التسلّح في المنطقة.

ما هو تحالف "MESA"؟ ولماذا اقترحته الولايات المتّحدة؟

الاعلان عنه للمرّة الأولى تمّ في أثناء زيارة الرئيس دونالد ترامب للمملكة العربيّة السعودية في شهر أيار عام2017. وقد وصف "إعلان الرياض" يومها التحالف بالقول إنّه يُساهم في "السلام والأمن في المنطقة والعالم". وقيل إنّه سيضمّ دول "مجلس التعاون الخليجي" كلّها ومصر والأردن وأميركا. وتدور فكرته في المقام الأوّل حول الأمن. لكن أُضيفت إليها حديثاً أوجه اقتصاديّة وسياسيّة. والتحالف يضمّ حشداً من تحالفات إقليميّة موجودة عمليّاً أو على الورق أو يجري الآن التفكير فيها. يتلاءم هذا التحالف مع تفكير إدارة ترامب وأيضاً إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. فالاثنتان عبّرتا عن رغبة في خفض وضع الأمن الأميركي أو هيكليّته وحجمه في الشرق الأوسط. والسياسة الدفاعيّة تُشجّع على توسّع الآليّات الاستشاريّة الإقليميّة وعلى تعميق العمل المشترك داخلها وذلك بمشاركة أميركا في تحمّل عبء حماية حلفائها ومصالحها في العالم. في الشرق الأوسط تنسجم هذه الاستراتيجيا مع تصميم ترامب على تقليص إسهام أميركا في الأمن الإقليمي وعلى جعل دعمها مساوياً لما تدفعه دول الخليج من مال. ومن الآن فصاعداً على هذه الدول أن تدفع أكثر لتضمن نفسها وأيضاً لتُسدّد نفقات الدفاع عنها التي تكبّدتها أميركا في العقود السابقة. وإدارة ترامب تتوقّع من الدول التي تقودها السعودية أن تُتابع ضبط أسعار النفط، وأن تدعم السياسات الأميركيّة ضد روسيا والصين.

"التحالف" أو "MESA" تمّ تصوُّره لبناء قدرات دول الخليج لمواجهة إيران أو الوقوف في وجهها من دون تدخُّل أميركا أو الصين أو روسيا. في أي حال حاول مسؤولون في وزارة الخارجيّة الأميركيّة حديثاً إعادة تشكيله كي يعكس أهدافاً استراتيجيّة أوسع. وقد أشار نائب مساعد وزير الخارجية فيها لشؤون الخليج العربي تيم لِندركِنغ إلى أن التحالف يُركِّز على إيران و"الهموم السيبرانيّة" والهجمات على البنى التحتيّة، كما على تنسيق إدارة الصراع من سوريا إلى اليمن والعمل لمكافحة الإرهاب وانتشار الأسلحة. وهو "ليس ضد أحد" على ما قال وزير خارجيّة البحرين أخيراً. ومع مرور الوقت طوّر رسميّون أميركيّون مفهوم الـ"MESA" (التحالف) بطرق متنوّعة من شأنها السماح للولايات المتّحدة بتقليص وجودها العسكري في المنطقة من دون خسارة نفوذها. وإضافة إلى جعل الدول العربيّة تستثمر أكثر في دفاعات كل منها كما في دفاعاتها المُشتركة، فإنّ الرسميّين المُشار إليهم سيحاولون استخدام التحالف لإعادة النفوذ الصيني والروسي المُتنامي في المنطقة إلى الوراء ودعمه القوي لإيران.

ما هي قواعد "MESA" أو تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي؟

هي ثلاث: واحدة أمنية وأخرى سياسيّة وثالثة اقتصاديّة وذات علاقة أيضاً بالطاقة.

يسعى التحالف، استناداً إلى الباحثة نفسها في المركز البحثي الأميركي ذي الصدقيّة الكبيرة، إلى تعزيز وزيادة العمل الداخلي المشترك بين الأنظمة الدفاعيّة للدول التي يتألّف منها، وذلك من خلال "مراكز قدرات وكفاءات إقليميّة" تُغطّي مجالات البحر والسيبرانيّة والجوّ والصواريخ، وإلى ذلك أمن الحدود والحرب اللّامُتناسقة والإمرة والمراقبة مع الضبط. وحتّى الآن فإن الفرق العسكريّة المُشتركة واتفاقاً مثل الذي تتضمّنه المادة الخامسة من ميثاق "حلف شمال الأطلسي" باقية خارج الطاولة. واستناداً إلى الاستراتيجيا الأخيرة للدفاع الوطني فإنّ العمل المشترك بين الحلفاء يستتبع مفاهيم عملانيّة، اتصالات، تشارك معلومات، وتجهيزات تسرِّع تحديث الشريك الخارجي وقدرته على الاندماج أو التكامل مع القوّات الأميركيّة". ومع التدريب والأنظمة الأميركيّة فإن التحالف يمكن أن يسمح لأعضائه بالاعتماد على بعضهم لملء فراغات أو ثغر في الدفاع الوطني.

طبعاً من شأن العمل المشترك من داخل وضع قيود على الشراء المتزايد للسلاح في المنطقة سواء من دول أوروبيّة، أو، وهذا أكثر أهميّة، من روسيا والصين. وهذا الموضوع توضَّح كثيراً في السنوات الأخيرة. فالعربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتُحدة تشاركتا في تمويل شراء أسلحة غير أميركيّة لجيوش عربيّة أخرى. والصين باعت صواريخ باليستيّة وطائرات حربيّة من دون طيّار لدول خليجيّة، وأسَّست أوّل قاعدة عسكريّة خارج حدودها في جيبوتي، وهي مُلاصقة أو مُحاذية لوجود عسكري أميركي على الطرق المائيّة الاستراتيجيّة.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة