السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ٣, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
اليمن، سوريا-اسرائيل،السعودية-ايران... جبهات ساخنة هل تشتعل سنة 2019؟
موناليزا فريحة
كان يفترض أن يشكل بيان قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، و"اتفاق استوكهولم" لوقف النار في اليمن، نهاية سعيدة لسنة كئيبة. فالقرار الاميركي يعكس بحسب سيد البيت الابيض نهاية "داعش"، التنظيم الذي زرع الموت والدمار في المنطقة منذ غزوه سوريا والعراق عام 2014، ولكنه عملياً، يدشن معارك أخرى على النفوذ والسيطرة لن تكون تداعياتها أقل فتكاً من سيطرة "داعش". وعلى أرض اليمن التي شهدت أسوأ مأساة إنسانية عام 2017، لا يزال الغموض يلف "اتفاق استوكهولم" الذي علقت عليه آمال بوقف الحرب.

وكما سوريا واليمن، ثمة ساحات مشتعلة أخرى مرشحة لمنعطفات خطيرة في السنة الجديدة. دول ومحاور عدة أخرى يدرجها رئيس "منظمة الازمات الدولية" روبرت مالي في سياق تقرير طويل عن النزاعات العشرة المتوقعة لسنة 2019 متوقعاً طريقاً وعراً ومحفوفاً بالمخاطر .

فبعد سنة شهدت مأساة انسانية هي الاسوأ وحصدت الاف الضحايا، تتصدر اليمن قائمة النزاعات المفتوحة على احتمالات كبيرة.

فوفقاً للمنظمة الدولية، يعيش نحو 16 مليون يمني "نقصاً حاداً في الغذاء والأمن"، وهو ما يعني أن يمنياً من اثنين لا يأكل حتى شبعه، بعد أكثر من أربع سنوات. ولا يزال وضع الحديدة، الميناء الاستراتيجي في غرب البلاد، غامضاً. فبعدما أوحى الحوثيون بانسحاب قواتهم من الميناء والمدينة المحيطة به، بموجب "اتفاق ستوكهوم" بين الحوثيين والحكومة اليمنية الذي تمكن المبعوث الدولي مارتن غريفيث من التوصل اليه بمساعدة واشنطن، والذي نص على وقف جزئي للنار وسلسلة خطوات لبناء الثقة، نفت مصادر في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً صحة ذلك، قائلة إن الحوثيين نفذوا انسحاباً شكليا فقط، وأبدلوا قواتهم المتمركزة في الميناء بأخرى.

ويصر التحالف العربي بقيادة السعودية على استعادة الحديدة تمهيداً للقضاء على التمرد واجبار الحوثيين على الجلوس الى طاولة المفاوضات. ولكن غريفيث نجح بمساعدة واشنطن في اقرار اتفاق لوقف للنار هش حول الحديدة.

ومع مطلع 2019، يرى مالي بارقة أمل تتمثل في امكان تزايد الضغط الاميركي لانهاء النزاع، وخصوصاً بعد تسلم الديموقراطيين مجلس النواب الاميركي هذا الشهر.

ولا شك في أن القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن بشأن الحرب في اليمن هو إشارة واضحة على التوجه الجديد للمجتمع الدولي نحو إنهاء أكبر مأساة إنسانية في العصر الحديث.

سوريا

في سوريا، من الثابت أن نظام الرئيس السوري سيواصل معركته ضد ما تبقى من المعارضة، وذلك بمساعدة من إيران وروسيا.

أما الحرب على "داعش" فتقترب بتقديرات مالي من خط النهاية، فيما يحافظ اللاعبون الاجانب على توازن هش في أجزاء مختلفة من البلاد، بين إسرائيل وإيران وروسيا في الجنوب الغربي، وروسيا وتركيا في الشمال الغربي، والولايات المتحدة وتركيا في الشمال الشرقي.

ولكن مع إعلان ترامب منتصف الشهر الجاري عزمه على سحب قواته من سوريا، تتزايد احتمالات نشوب صراع دموي بين تركيا وحلفائها السوريين من جهة والاكراد السوريين ونظام الأسد. لذا يرى مالي حاجة ملحة للتوصل إلى صفقة تتم بموجبها إعادة سيادة الدولة السورية لشمال شرق البلاد؛ وتحرك القوات السورية إلى الحدود مع تركيا، بدعم روسي، وبالتالي تهدئة الهواجس الأمنية التركية ومنع هجومها على قسد؛ والسماح بدرجة من الحكم الذاتي للأكراد.

وتجري تركيا وروسيا اتصالات لهذه الغاية. وتبدو أنقرة مصرة على غزو ثالث لشمال سوريا لضمان أمن حدودها، وخصوصا بعد الانسحاب الاميركي المقرر.

وفي ما يبدو استباقاً لاي تدخل تركي، انسحبت  قافلة من المقاتلين الأكراد من منطقة منبج المضطربة في شمال سوريا،  قرب  أراض تسيطر عليها تركيا، وذلك بحسب وزارة الدفاع السورية. 

وكانت " وحدات حماية الشعب" طلبت من قوات الحكومة السورية الانتشار في المنطقة حول منبج الواقعة على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود التركية وتحتل موقعاً حساساً على خريطة الصراع السوري، إذ أنها قريبة من ملتقى مناطق نفوذ كل من روسيا وتركيا و- حتى الآن- الولايات المتحدة.

السعودية-أميركا-اسرائيل-ايران

على جبهة السعودية-الولايات المتحدة-اسرائيل-ايران، يرى مالي أن أخطار المواجهة المتعمدة أو غير المقصودة لاتزال قائمة مثلما كان الحال عام 2018. فالرياض وواشنطن وتل أبيب تتشارك الرؤية نفسها حيال طهران معتبرة أنه يجب تقويض طموحاتها الاقليمية. وقد ترجمت واشنطن وجهة نظرها من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي واعادة فرض العقوبات، وخطاب أكثر حدة وتهديد بردٍّ قاس على أي استفزاز.

وتبنت الرياض النبرة الجديدة وافترضت على لسان ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بمواجهة ايران في لبنان والعراق واليمن ووصولاً الى الارض الايرانية.

وركزت إسرائيل على ضرب أهداف إيرانية في سوريا بشكل منتظم، لكنها هددت أيضا باستهداف "حزب الله "المدعوم من إيران في لبنان.

الواضح أن ايران المراهنة على الوقت والقلقة من احتمال رد قاس على أي عملية تقوم بها، ارتأت الانحناء للعاصفة. فبينما اختبرت تجاربها الصاروخية واتهمتها أمريكا بالاستمرار في استخدام ميليشياتها في العراق لتقويض الوجود الاميركي هناك، بقيت حريصة على عدم دفع واشنطن الى الرد بقوة.

ولكن مع تزايد الضغط الاقتصادي عليها، قد لا يستمر موقفها هذا طويلاً. كذلك، لا يمكن تقليل أخطار وقوع صدام عرضي في اليمن أو الخليج أو سوريا.

ولم ترد طهران بطريقة يمكن وصفها بحرب تجارية، الامر الذي يعود الى جهود الدول الأخرى الموقعة للاتفاق، وتحديداً الدول الاوروبية وروسيا والصين . ويبدو أن هؤلاء يراهنون على أن ترامب لن يحكم أكثر من ولاية واحدة.

ولكن مالي يرى أن هذه الحسابات قد تتبدل، إذ إن آمال السعوديين والاميركيين في أن تضطر العقوبات ايران لتغيير سلوكها المزعزع للاستقرار أو تؤدي الى تغيير للنظام، ستخيب، فان العقوبات تلحق ضرراً بالايرانيين العاديين. وكلما زادت محنة الايرانيين، سترتفع أصوات المتشددين للتخلي عن الاتفاق.

أفغانستان

وإذا كانت اليمن شكلت الكارثة الانسانية الأسوأ العام الماضي، شهدت أفغانستان المعارك الاكثر دموية، إذ أشارت احصاءات الى مقتل 40 الف مقاتل ومدني، وهي الحصيلة العليا منذ اخراج "طالبان" من كابول قبل 17 سنة. ومن شأن قرار ترامب سحب نصف القوات الاميركية من البلاد أن يزيد التوترات في البلاد، وقد يدفع حركة "طالبان" الى تكثيف حربها ضد الحكومة المركزية لتقويضها.

ويسيطر مقاتلو الحركة على نصف البلاد تقريباً، وهو ما يتيح لها قطع طرق المواصلات ومحاصرة مدن وبلدات. ولم تستطع الغارات الاميركية المتزايدة من وضع حد لهذا الزخم.

وفيما يرى مالي أن قادة حركة "طالبان يأخذون المحادثات التي يقودها المبعوث زلماي خليل زاده على محمل الجد، يحذر خبراء ، بينهم بيل روجيو، زميل بارز لدى "مركز الدفاع عن الديمقراطيات"، ومحرر مجلة "لونغ جورنال"، وزميله توماس جوسلين، من أن قرار سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، بحلول نهاية 2019 ستعتبر نصراً مباشراً للجهاديين،.

وتصر "طالبان" على التزام الولايات المتحدة بجدول زمني للانسحاب الكامل للقوات الدولية، وذلك كشرط مسبق لعملية سلام أوسع تشمل فصائل أفغانية أخرى.

وكان زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري صرح أخيراً أن "الإمارة الإسلامية الناهضة في أفغانستان ستكون نواة للخلافة الجديدة. فقد عوَّل خليفة أسامة بن لادن على الجهاد الأفغاني. وعلى نفس المنوال، توقع قاسم عمر، زعيم القاعدة في شبه القارة الهندية (آقص)، عام 2017 بأن "سياسة أمريكا أولاَ" تعني أن أمريكا ستنسحب من أفغانستان، وتبعاً له ستفقد موقعها الريادي في العالم.

التوتر الأميركي الصيني

ويقول مالي إن المواجهة بين الصين والولايات المتحدة ليست صراعا قاتلاً، مهما كانت الحرب التجارية بين واشنطن وبيجينغ قاسية.

ورغم هذا، فإن الخطاب بين الاثنين يعد أكثر عدائية، وإذا استمرت العلاقات بين الطرفين -التي تعتبر في أدنى مستوياتها منذ احتجاجات ساحة تيان ان مين قبل نحو ثلاثة عقود- في التدهور، فإن التنافس قد تكون له عواقب جيوسياسية أكثر خطورة من كل الأزمات الأخرى المدرجة هذا العام.

ولا تبدي الصين على الأرجح رغبة في المدى المنظور لتحدي النظام العالمي بشكل جوهري، كما أنها لن تضاهي قوة واشنطن العالمية في أي وقت قريب، ولكن تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين له تداعياته على الصراعات في آسيا وخارجها، وإن التنافس المرير بين القوتين العظميين سيجعل الأمر أكثر صعوبة.

والى هذه الجبهات، يدرج مالي في قائمته نيجيريا والكاميرون وأوكرانيا وفنزويلا.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة