السبت ٢٧ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ١٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
ماكس ماييرهوف والأطباء اليهود في مصر - عبدالحميد صبحي ناصف
مقالة للمستشرق المعروف ماكس ماييرهوف، نشرت في مجلة «أيزيس» ج 12ع 1سنة 1929، ترجمها وحققها وعلق عليها د.ماهرعبدالقادر أستاذ تاريخ العلوم في جامعة الإسكندرية والمهتم بنشر وإعادة قراءة أعمال ماييرهوف، وهي واحدة من أهم مقالات ماييرهوف في إطار دراسة التراث الطبي الإسلامي، وأصل المقالة محاضرة بعنوان «ملاحظات حول بعض الأطباء اليهود المصريين الذين برزوا أثناء الحكم العربي» ألقيت في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية اليهودية بالقاهرة في 31 أيار (مايو) 1928. ويعرض ماييرهوف للأطباء اليهود في الدولة الإسلامية حتى يصل لمبتغاه الطبيب الأشهر إسحق بن سيلمان الإسرائيلى الذي يذكره العرب: أبو يعقوب اسحق بن سيلمان الإسرائيلي (ت932) عن عمر ناهز المئة عام.

ويعرض تاريخ حياته حتى وصوله إلى الأندلس وسعة أفقه وكتاباته الطبية التي ترجمت جميعها إلى العبرية من أصلها العرب أو اللاتين بالإضافة للعديد من الرسائل بالعبرية فقط التي ضاعت أصولها العربية كمقالة في الروح والنفس وتعليق على كتاب يصيره Yesira = كتاب الخلق، وفي عام 1861 اكتشف موس سواف مقالة بالعربية منسوبة لإسحق الإسرائيلي تحمل عنوان «إرشاد الأطباء» (يرجح د.ماهر أن هذه المقالة من وضع إسحق آخر، يهودي إسباني من القرن 11 أو13). والمقالة عن مجموعة من خمسين حكمة منها «الوقاية خير من العلاج» و «أحرص على علاج ومداواة المرضى الفقراء فلن تجد عملاً أشرف من هذا» و «أطلب أجرك من المريض بينما المرض في أشده لأنه ما إن يشفى فسرعان ما سينسى ما قدمته له من خدمات» وكان من أشهر تلامذته الطبيب المسلم أبن الجزار والطبيب اليهودي أبو سهل دوناش ابن تميم الذي خلف إسحق في وظيفته كطبيب في بلاط الخلفاء الفاطميين بالقيروات.

وفي معرض حديث ماييرهوف عن ترجمات اليهود للكتب الطبية لا يمكن أن نغفل ترجمات أضخم الموسوعات الطبية في القصور الوسطى: كتاب الحاوي للرازي والقانون في الطب لأبن سينا الطبيبين المسلمين الفارسين الماهريين. كتاب الحاوي يقع في 25 مجلداً مخطوطاً على الأقل ولا توجد منه نسخة خطية عربية واحدة كاملة وأقل النسخ عيوباً هي النسخة الموجودة بالاسكوريال ويعود الفضل فيها إلى عمل الأطباء اليهود لأنها تحمل في حواشيها العديد من الملاحظات بالعبرية وطيلة أربعة قرون لم يجرؤ أحد أن يترجم هذا الكتاب الضخم، «تغيب مصر عن النظر ويستغرقه حزن وشوق عميق. عيش بأراضى العجائب الجميلة الكثيرة الألوان. إلى اللقاء» بهذه الكلمات ختم ماكس مايرهوف يومياته عن رحلته الأولى إلى مصر عام 1951- 1955 ولم يكن يتوقع حينذاك أن هذا البلد سيصبح عما قريب وطناً ثانياً له حيث سيقضي فيه أكثر من ثلاثين عاماً من حياته (للتفاصيل راجع: صلاح الدين المنجد به المستشرقون الألمان... بيروت 1978، ص 141- 144) حتى جاء اليهودي فرج أبن سالم (سولموت) المعروف باسم «فرجوت» Faiiaguth، وقد فرغ من ترجمته اللاتينية في 1279م وبالإضافة لهذا العمل ترجم فرجوت للاتينية أيضاً كتابين مهمين للطبيبين العربيين المسيحيين أبن جزلة وأبن بطلان، أما الموسوعة الطبية الأخرى الأقل حجماً والأكثر شهرة قانون أبن سينا فقد ترجمها للاتينية المسيحي «جيراردي كريمونا» بينما ترجمها من العربية للعبرية ناثان هاميئتى Nathan Ha –Meati في روما عام 1279م وكذلك ترجمها في نفس الوقت زراحيا بن إسحق بن سحيلتييل هاين وإن كانت ترجمته غير مكتملة أما ترجمة ناثان فقد صححها وضبطها فيما بعد يوسف بن يوشع لورقي.. وننتقل الآن لطبيب عرف باسم أصف اليهودي (Asaf Iudaeus) ولا نعرف شيئاً عن حياته غير أنه عاش في القرن الـ واو 10م ويعد كتابه الطبي Sefen Rephouo وقد يكون مترجماً عن اليونانية أوالديانية لأنه لا يذكر إلا كتباً طبية يونانية...

وهكذا فقد شهد القرن الـ10 العديد من الأطباء اليهود المشهورين وفي القرون التالية من الـ11 وحتى 14 ازداد عدد الأطباء اليهود المتحدثين بالعربية في بلاطات العديد من حكام المسلمين في إشبليية وغرناطة وفاس والقاهرة ودمشق وبغداد وحتى لدى سلاطين المغول في آسيا الوسطى.. ويذكر «مايرهوف» بعض من هؤلاء الذين عاشوا في مصر: فمع نهاية القرن العاشر كان يعيش في بلاط الخليفة المعز العالم موسى بن العازار الذي كتب رسالة في الصيدلية وكذلك عاش في القاهرة في القرن الـ11 رجل اسمه إفرام بن زافان ت1068م كان يهوى الكتب وترك عند وفاته أكثر من عشرين ألف مخطوط وفي تلك الفترة نفسها كان الخليفة الحاكم بأمر الله وعلى الرغم من كراهية لليهود والمسيحين يستعين بجراح يهودي اسمه «الحقير النافع» وهو لقب أطلقه الخليفة عليه وعاش بالقاهرة أيضاً وسلامة بن رحمون وابنه مبارك في نحو عام 1100م وقد تتلمذ الأب في الطب على يد الكتبي إقزام وله كتابان أهمهما «لماذا تسمى النساء بمصر عندما يقتربن من الشيخوخة»، وهناك «قبة الله بن زين الدين شمس الرئاسة» أي شمس السلطة الدينية المعروف باسم «ابن جميع الإسرائيلي وكان أحد أطباء السلطات صلاح الدين الأيوبي وهناك اليهودي القرائي أبو البيان السديد ابن المدور الذي كان طبيباً في بلاط آخر الخلفاء الفاطميين وحتى (عام 1171 ) وفي بلاط خليفتهم صلاح الدين وكتابه الرئيسي هو «الدستور الماريستانى» وهو اقرباذين خاص بالمستشفيات وكان معاصره أيضاً أبا الفضائل بن الفاقد طبيب العيون اليهودي الذي عاش بالقاهرة ومات عام 1188 واشتهر بعطفه على المرضى الفقراء وكان ابنه أبو الفرج طبيب عيون أيضاً واعتنق الإسلام .

ويذكر ابن أبي أصبعة سلسلة من الأطباء اليهود المصريين المشهورين مثل: هبة الله ت1184م وموفق بن شوعة الجراح وطبيب العيون ت 1183 وأيضاً ابو البركات بن القضاعى ت1302 وهناك اسعد المحلى المولود في مدينة المحلة الكبرى بدلتها مصر وبعده كان داؤد ابن سلمان ت 1251م الذي كان طبيباً في البيمارستان الناصري بالقاهرة ويبدو أن وضع الأطباء اليهود كان ممتازاً وذلك في بعض الفترات ومع بعض الحكام المتسامحين كصلاح الدين وبعض خلفائه ولكن بصفة عامة (يخبرنا مايرهوف) عانى الأطباء اليهود مثل بقية بني دينهم من كراهية المسلمين والمسيحيين خاصة أثناء الحروب الصليبية مما أدى لتحول كثيرين منهم للإسلام بل وحتى استسلموا لضغوط لتأليف كتب تهجو الدين الذي تركوه أشهر تلك الكتب «إفحام طائفة اليهود» الذي ألفه صموئيل بن يحيى.

ومن أشهر أطباء مصر في العصور الوسطى ابن ميمون وكوهين العطار. ويفرد مايرهوف الجزء الأخير من مقالته بالتفصيل (ص ص 4637 من ترجمة د. ماهر) ويخبرنا د. ماهر في تعليقاته ما يهدف إليه الدكتور ماكس مايرهوف بقوله: إن ما حضره مايرهوف عن الأطباء اليهود في مصر من المحاضرات المهمة التي تحمل طابعاً علمياً أكاديمياً لا يخلو من مسحة ايديولوجية في كثير من جزئياتها. وهي محاضرة ألقاها أمام الجمعية اليهودية للدراسات التاريخية في 31 أيار 1928/ ونشرت في .1310ـ 113 .pp .(sis,vol- 12 ،No I cfeb,1929) ونجد شبه سيرة ذاتية للدكتور ماكس مايرهوف قدمها لنا الأستاذ جيزلاكيرشو عندما دون مقالته «تاريخ الصيدلية العربية عند المستشرفين الألمان» نشرها المنجد في مرجع سبق ذكره.

وبلغ عدد مؤلفات مايرهوف نحو 300 ونجد في مؤلفاته التي يعالج فيها طب العيون عند حنين بن إسحق وبن ماسويه ومحمد بن قوع بن أسلم الغافقى مادة غنية ستناول العقاقير التي كان يستعلمها الأطباء العرب وأعد مايرهوف ملحقاً قيماً لكتاب الفافقي «كتاب المرشد في الكحل»، وقام مايرهوف أيضاً بمساعدة جورج صبحي بنشر «كتاب الأدوية المفردة» المختصر لأحمد القافقي وفي ترجمته وإعداد الملاحق والشروح، أما مؤلفه الأهم في مجال علم العقاقير فهو نشر «كتاب شرح أسماء العقار» لموسى بن ميمون وتعتبر المقدمة الشاملة التي ألقاها مايرهوف لهذا الكتاب من أهم النصوص وأعمقها في موضوع تطور الصيدلة عند العرب، بالإضافة لعدد من الرسائل الصغيرة على التبغ والحشيش والشم (راجعه مصطفى الشهابي في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق عام 17-3-4 مارس وأبريل 1942 و/حس 167- 168). ويطلعنا الأستاذ ماهر عبد القادر على أهم النقاط استخلصها من ما حضره د. مايرهوف أولاً: اهتمام واسع من قبل رامايرهوف بالتاريخ وحركته في خلال استعراض تاريخ فئة محددة من الأطباء في العالم الإسلامى وهم الأطباء اليهود والدكتور مايرهوف يهودي ألماني تتنازعه مشاعر كثيرة نحو الوطن (ألمانيا) والدين (اليهودية) ومستقرة في مصر. ثانياً: اهتمام بالدور الفاعل لليهود في رحاب الحواضر الإسلامية والذي لا شك فيه أنه تكامل مع دور السريات والصابئة وغيرهم ممن عاشوا في البلاد الإسلامية. ثالثاً: لم يكن المجتمع الإسلامي في كثير من الفترات التي تحدث عنها الدكتور مايرهوف ينظر بكثير من الاعتبار إلى مسألة الأقلية أو الأكثرية وإنما كان ينظر إلى مسألة العطاء العلمي للعلماء الذين أنزلوا منزلة عالية في المجتمع دون اعتبار لجنس أو عرب أو دين. رابعاً: ملاحظة ميل مايرهوف لإبراز النزعة الغربية الإعلائية تلك التي لم تتغير عنده ومثله في هذا مثل غيره من المتشرفين– على حد قول الأستاذ ماهر– ومن ثم وجدنا مايرهوف لم يغفل أن يركز على الاضطهاد الديني الذي لحق اليهود في شتى بقاع العالم ويغفل مسيرته السياسية ليكمل حلقته بالحديث عن وجود اضطهاد ديني في ظل الحكم العرب الإسلامي. خامساً: يبدوا أن مجموعة المخطوطات التي جمعها مايرهوف والتي تحتوى عليها مكتبته كانت ضمن رؤية معينة تدور بخلده خاصة أن أكبر المخطوطات عدداً بعد الطب كانت هي مخطوطات الدين الإسلامي والتي تحتوي على أفرع الفقه والتفسير وأركان الشريعة والفقه يحتوي على الفقه الحنبلي بطبيعة الحال. فلعل هذه تكون محاولة منه من أجل وضع يده على نصوص تدعو لاضطهاد اليهود أو أصحاب الذمة من أجل تدعيم موقفه.

سادساً: تأسيساً على النتيجة السابقة نجد ان مايرهوف يحاول أن يعلي دائماً من مكانة الأطباء اليهود ومنزلتهم وعلمهم ونزاهتهم العلمية والخلقية وأنهم علموا المسلمين العرب الطب والفلسفة. ويأتي مايرهوف بالنص الذي يتحدث عن الطريقة التي تعلم بها «أوحد الزمان هبة الله بي ملكاً: (وكان أشهر أساتذة تلك المدينة وهو سعيد بن هبة الله. يبغض اليهود ولا يقبلهم في مجلسه فقام الشاب بدفع بقشيش لحارس المدرسة كي يسمح له أن يدخل الممر المجاور لقاعة الدرس وهناك استطاع أن يتابع دروس الأستاذ سراً لمدة عام وبعد ذلك استطاع الطالب الشاب أن ينال رضا أستاذه بفضل إجابة ذكية ومن ذلك الحين سمح له سعيد أن يحضر دروسه شأنه شأن باقي تلامذته). إن هذا النص- السابق- يحمل عدداً من الدلائل التي يريد مايرهوف إيهامنا بها وهي:

1- بغض الأستاذ المسلم للطالب اليهودي 2

- إصرار الشاب اليهودي على التعليم حتى لو بالتنصت. 3

- أدى إصرار هذا الطالب على التعلم إلى حد دفع رشوة للحارس المسلم. سابعاً: عندما تحدث مايرهوف عن أهمية كتاب موسى بن ميمون قال أنا لغرب عرفه عن طريق الترجمات اللاتينية والعبرية رغم أن الكتاب كتب بنص عربي لأنه كان يكتب في عهد حكام عرب مسلمين. إذن فأين هي الأصول العربية التي ترجمت إلى اللاتينية والعبرية؟ وما أدرانا أن هذه الترجمات التي يطالب مايرهوف بترجمتها ودراستها تمت إضافة نصوص أخرى إليها لتدعم موقف مؤلفها؟ إذن العمل في مثل هذا الأمر لا بد من تشكيل فريق عمل لدراسة كلام موسى بن ميمون وعصره فيلولوجيا ولذا فيلولوجيا الترجمات في هذا العصر الذي ترجمت فيه لكي لا نسير مع فكر قد يكلفنا الكثير ومن الأمور الواقعية الآن أن كتاب «دلالة الحائرين» لموسى بن ميمون صدر بالعربية عن طريق الجهات الإسبانية لكن طبقته تحتاج إلى نظر.

ثامناً: لدى مايرهوف موقف معين من ابن سينا ويبدو- كما يخبرنا الأستاذ ماهر– أنه ليس بالموقف المحمود. إلا أنه يحترم الرازي وكذلك كتابه «الحاوي» الذي يذكر فيه العديد من الأقتباسات لأطباء يهود قد ضاعت أصولها ولا تزال محفوظة في الحاوي– بالمناسبة قام الدكتور خالد حربى تلميذ ماهر بتحقيق ونشر الحاوي في طبعة محدودة التوزيع- ولعل هذا سبب أن هذه المحاضرة قد ألقيت في العام نفسه الذي أصدر فيه تحقيقه للعشر مقالات في العين لحنين ابن إسحق العبادي والذي أكمل مادته العلمية من كتاب الحاوي للرازي. تاسعاً: يدعو مايرهوف إلى تعمق أكثر في دراسة العلماء اليهود إبان هذه الفترة. عاشراً: نقطة أخيرة وهي المتعلقة بتركيز مايرهوف على المتحولين عن الدين سواء من اليهودية إلى الإسلام أو من الإسلام للمسيحية مثل قسطنطين الأفريقي والذي يعلم مايرهوف أنه سرق العديد من مؤلفات المسلمين ونسبها لنفسه فهل يفخر مايرهوف بمثل هذا المثال؟ بقي أن أشير أن لماكس مايرهوف أبحاث هامة في مجلة المجمع العلمي المصري منها: البحث عن كتاب الصيدلية في الطب للبيروني وأخرى عن مفردات الغافقى وثالث عن مفردات الشريف الإدريس ورابع عن الأول ذكر العرب للشاي ولاستعماله وجميعها بالفرنسية وقائمة أعماله كاملة في osliis,vol.9(1950),p7-32.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة