الجمعه ١٩ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ١٥, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
هل استشعر القرضاوي نهاية مسيرته الدينيّة والسياسيّة فسلّم رئاسة "الاتحاد العالمي للعلماء" إلى الريسوني؟
ابراهيم بيرم 
قبل أيام ظهر العلامة يوسف القرضاوي في المؤتمر العام الخامس لـ"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي استضافته بلدية اسطنبول بتوجيه من السلطات التركية العليا، ليسلم رئاسة الاتحاد الذي كان له سبق إطلاقه قبل نحو 14 سنة، إلى خلف له هو الشيخ المغربي الدكتور أحمد الريسوني، وليعلن في خطبة له شاء البعض تسميتها بـ"خطبة الوداع" انه آخر لقاء له مع الاتحاد.

بناء على ذلك، غزا الأوساط المتابعة والمعنية سؤال هل استشعر القرضاوي الذي بلغ من العمر 92 سنة قرب نهاية رحلة العمر فاختار هذا الاجتماع الحاشد الذي حضره (استناداً إلى إحصاءات المشرفين على المؤتمر) نحو 1300 عالم من أكثر من 50 بلداً، ليعلن ما يشبه الاحتجاب والتقاعد.

حدث إعلان القرضاوي الاعتزال وحدث إعادة بعث الروح والحيوية في أكبر تجمع علمائي عابر للحدود، أخذا حيزاً واسعاً من الاهتمام في وسائل الاعلام العربية ولا سيما منها المصرية والخليجية. وفي حين أبدت الأولى حفاوة بالحدثين تولت وسائل الاعلام السعودية والاماراتية التشكيك في أهميتهما ووجهت إليهما سهام النقد وهو أمر طبيعي وبديهي في ظل الخلاف السعودي – القطري العاصف. ومهما يكن من أمر فإن القرضاوي شاء أن يكون قرب نهايته مدوياً بالمستوى نفسه الذي كانت فيه بدايته ومسيرته الدينية والفكرية والسياسية صاخبة وحافلة ومثيرة للجدل.

ليس جديداً القول إن القرضاوي هو من جملة ألاف مؤلفة خرجتهم جامعة الازهر الدينية العريقة وهي الجامعة التي أنشأها الفاطميون الشيعة (الاسماعيليون) قبل أكثر من ألف سنة، ثم صارت لاحقاً بفعل التحولات العميقة المدرسة الدينية الأولى لتخريج علماء الدين السنة في مصر والعالم الاسلامي كله، فضلاً عن دورها المحوري في السياسة وحركة الفقه والادب.

لكن الرجل بفكره واجتهاده وانخراطه في رحلة نضال سياسي صار لاحقاً علّامة (بالشدة) اجتهاد وفقه وعلامة فارقة في المنطقة.

هو من الرعيل الثاني من العلماء الذين آمنوا باكراً بفكر "الاخوان المسلمين " والتحقوا بركب قافلته متولين مهمات شرعية ومسؤوليات فكرية، متحملاً في سبيل هذا الانتماء ملاحقات وحملات اضطهاد من السلطات المعادية لـ"الاخوان". وقد انتقل الشيخ إلى قطر قبل عقود عقب "زواج سياسي" بين القيادة القطرية وتنظيم "الاخوان" ومن والاه من علماء وكوادر. وبموجبه باتت الدوحة قاعدة خلفية لهذا التنظيم العابر للحدود يجد فيها الملاذ والمأوى خصوصاً في الملمات ويجد بين جنباتها الرعاية الرسمية المطلوبة. وهناك في الدوحة أخذ الرجل الوافد مداه الفكري والديني والسياسي، إذ صار خطيباً في المساجد والاحتفالات ومدرساً مرموقاً في المعاهد ومنتجاً لعشرات المؤلفات والابحاث الفقهية ومحاضراً في الندوات مما اكسبه صفة العلّامة المرجع.

ولاحقا صار القرضاوي مواطناً قطرياً بعدما منح جنسية هذا البلد الباحث حكامه عن دور يفوق جغرافيته وحجمه السكاني المتواضع.

مرحلة "الجزيرة"

ولعل الامتداد الأوسع والانتشار الأوفر للقرضاوي كان من خلال فضائية " الجزيرة "التي كانت في العقدين الأولين من عمره حالة جاذبة قيض لها ان تدخل كل بيت عربي. من هذه القناة كان للقرضاوي برنامج حواري (فقه الحياة) سمح له ببث آرائه المثيرة للاهتمام وببث فتاويه المميزة، فضلاً عن بث رؤاه السياسية لدرجة ان مرجعاً شيعياً بمستوى السيد محمد حسين فضل الله قد دخل في حوار مباشر معه عبر "الجزيرة" ومن ثم اعتبره مجتهداً يحق له إطلاق الأحكام الفقهية والفتاوى.

في تلك المحطة من حياته، أظهر الرجل انفتاحاً على عالم الفكر الشيعي، مقراً بجواز التفاعل والتناغم معهم في حدود المتفق عليه وتجاوز نقاط الاختلاف وخصوصاً بعد ما بارك مقاومة "حزب الله" في الجنوب اللبناني. وفي العموم أثبت الرجل تميزاً وانفتاحاً في كل ما طرحه من رؤى وأفكار نقدية متطورة تتخطى أحياناً المألوف، فأضحت اطلالته الإعلامية ينتظرها الملايين في العالم العربي.

وعندها ضرب الطموح ضربته في عقل القرضاوي، وشجعه على إطلاق فكرة "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الذي أراده مؤسسة دائمة فاعلة تقترن باسمه وتصير مرجعية دينية بداية على مستوى الأمة ككل. الترجمة العملية للفكرة كانت خريف 2004 والبداية كانت من لندن التي منحته بلديتها قاعة أولى من قاعاتها ليجمع فيها الراغبين في الإنضمام إلى هذه المسيرة (أخذ الترخيص من سلطات دبلن عاصمة ايرلندا). ولم يكن ذلك مستغرباً، فما من دولة عربية أعطته إذن الإنطلاق من أراضيها بل أبدت جميعها توجساً ثم رفضاً.

وبعد سنتين، انعقدت الجمعية العمومية الأولى للاتحاد في اسطنبول وانتخب القرضاوي أول رئيس للاتحاد، كما انتخب مفكر مصري (سوري الأصل) هو الدكتور محمد سليم العوا أميناً عاماً. واللافت ان بين نواب الرئيس كان هناك علّامة شيعي هو الايراني واعظ زادة (عزف لاحقاً عن حضور اجتماعات الاتحاد)، مما أوحى بأن القرضاوي شاء تجربته الجدية عابرة للمذاهب الاسلامية وإقراراً ضمنياً بأن المذهب الجعفري واحد من ألوان الطيف الاسلامي.

وأقر الاتحاد عند تأسيسه وثيقة فكرية مرجعية اعتبرت الاتحاد" مؤسسة شعبية غير رسمية وتحاذر الانتماء الى جهة حزبية"، أي أن المؤسسين أرادوا أن يكون الاتحاد مرجعية إسلامية وقت كانت الأحزاب والتيارات الأصولية الإسلامية في حال تراجع وضمور.

ومن المثير للاهتمام أن الاتحاد كشف لاحقاً ان عدد المنضوين الى صفوفه بلغ ما يقارب المئة الف عالم من نحو80 جنسية بينهم جمعيات علمائية محلية. كذلك لم تقتصر العضوية على معممين (يرتدون الزي الديني) بل قبل هؤلاء أيضاً بينهم متخصصين في الفلسفة وعلوم التاريخ والآداب واللغة.

ما بعد "الربيع العربي"

ومضى القرضاوي ينسج على هذا المنوال من الحضور والتقدم الى ان جاء " الربيع العربي " واشتعل فتيل الأحداث في سوريا وما تلاها من تطورات وتحولات صيرت قطر الداعم الأكبر للمجموعات السورية المناهضة للنظام والداعية الى اسقاطه. في حينه صار القرضاوي طرفاً، فأظهر عداءه للنظام في سوريا وايران ولـ"حزب الله" وللشيعة عموماً، مشككاً في الفتوى الصادرة ذات عام عن أحد علماء الأزهر (الشيخ محمود شلتوت) والقائلة بجواز التعبد بالمذهب الشيعي. ولاحقاً عندما ذر الخلاف قرنه بين قطر والسعودية تقلص ظل الامتداد الذي بلغه القرضاوي وصار مكتفياً بدور المدافع عن قطر وتركيا و"الاخوان". ومع هذا التحول ضعف حضور "الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين" ولا سيما بعد ما صارت الدوحة مقره الرئيسي ورفضت باقي الدول الإسلامية التعامل معه كحالة غير منحازة.

وعليه يبدو ان القرضاوي أراد أن ينهي دوره ومسيرته بثلاث محطات:

- إصدار تراثه الفكري من خلال 12 مجلداً تحتوي على فتاويه وكتاباته ونتاجه.

- ضمان استمرار المؤسسة النخبوية التي عمل على إطلاقها بديلاً من الحالات الإسلامية الحزبية واعطاء خلافته لعالم مغربي معروف وذي باع في التنظير والنضال هو الريسوني.

- أن يثبت دور تركيا و"الاخوان" في ريادة العالم الاسلامي.

وفي كل الأحوال يبدو أن الرجل يستشعر أنه على وشك الرحيل... والاعمار بيد الله.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة