الجمعه ١٩ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيلول ١٣, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
التقنيات الإيرانية في حرب الإنترنت متواضعة - إلي لايك
وكأنه لا يكفي العالم الحر قلقه من الأخبار الكاذبة الروسية، فالدولة التي تتصدّر العالم الآن في رعاية الإرهاب دخلت أيضاً على الخط: تقود إيران حملة تضليل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي أكبر مما كان يُعتقَد سابقاً. غير أن نظرة عن كثب إلى هذه البروباغندا تكشف عن نمر من ورق. واقع الحال هو أن الشبكة الإيرانية المؤلفة من أسماء استخدام عبر "تويتر"، ومواقع إلكترونية، وحسابات وهمية عبر "فايسبوك"، هي شبكة هاوية وخرقاء. فالأحمق الذي يثق بمعلومات صادرة عمّا يُسمّى "صحافة جبهة الحرية" (Liberty Front Press) أو يُصدّق أنه للمعارضة في المملكة المتحدة موقعها الإلكتروني الخاص تحت عنوان Britishleft.com، هو في الأصل هدفٌ سهل لعمليات الاحتيال الكثيرة والعدد الكبير من المخادعين عبر الإنترنت.

لنبدأ بنوعية البروباغندا. وفقاً لتقرير عام صادر عن شركة FireEye للأمن السبراني، لم تستطع الآلية الإيرانية لفبركة الأخبار الكاذبة أن تحافظ على انسيابية روايتها. لقد عمد مالكو Liberty Front Press إلى تغيير الاسم الذي يطلقونه على حساباتهم عبر "تويتر" و"إنستاغرام" إلى BernieCrats، هذا الصيف، للحصول على طابع أميركي. لكنهم فشلوا في حذف تغريدة تعود إلى شهر أيار وتصف السناتور برني ساندرز بأنه "أكسسوار للإرهاب عند حدود غزة". وخلص التقرير إلى أن هذه الحسابات والمواقع إما تعيد نشر أخبار نقلاً عن مواقع شرعية، وإما تنشر موادها الخاصة التي تُكتَب بـ"لغة إنكليزية ركيكة"، أو تكتفي بنقل المواد الإخبارية كما وردت عبر قنوات البروباغندا الإيرانية مثل PressTV.

الحملة، وإلى جانب كونها رديئة النوعية، هي أيضاً عقيمة ولا جدوى منها. وفقاً لشركة FireEye، لم يكن الهدف من الحملة الإيرانية التأثير في انتخابات منتصف الولاية التي ستشهدها الولايات المتحدة هذا العام، بل "ترويج المصالح السياسية الإيرانية، بما في ذلك المواضيع المناهضة للسعودية وإسرائيل والداعِمة للفلسطينيين، وكذلك تفعيل الدعم لسياسات أميركية محددة مؤاتية لإيران، مثل الاتفاق النووي الأميركي - الإيراني". ويُضيف التقرير أن مواقع الأخبار الكاذبة عن الولايات المتحدة تضمنت "قدراً كبيراً من الرسائل المناهضة لترامب".

هل هذا كل شيء؟ لا شك في أن هناك مَن يعلم داخل النظام الإيراني بأنه ثمة عدد كبير من المجموعات الناشطة الأميركية التي تعارض الرئيس دونالد ترامب، وتدعم الاتفاق النووي الإيراني، وتوجّه انتقادات شديدة للسعودية وإسرائيل. فإن كنتم تبحثون مثلاً عن انتقادات للسعودية، مكتب السناتور كريس مورفي من كونكتيكت هو العنوان. وفي موضوع الاتفاق النووي، هناك صندوق Ploughshares Fund الذي قدّم منحاً لشبكة من المجموعات التي سوّقت للاتفاق النووي عندما كان ذا أهمية عام 2015، وحاولت إنقاذه عامَي 2017 و2018. هل تبحثون عن رسائل مناهضة لترامب؟ أنصحكم بالحزب الديموقراطي. جميع هذه الأصوات أشدّ فاعلية إلى حد كبير في تحريك الرأي العام الأميركي بالمقارنة مع حسابات شبه أمّية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات لتجميع الأنباء من الدرجة الثالثة.

لكن لنمنح الإيرانيين قليلاً من منفعة الشك. تستغرق آلية البروباغندا الجيدة سنوات لبناء الثقة لدى الجمهور. لعل الخطة كانت بناء الثقة والجمهور مع مرور الوقت – ثم، في الوقت المناسب، بثّ كذبةٍ ذي معنى في دفق من الأخبار الموثوقة. أقلّه هكذا يُفترَض أن تجري هذه الأمور. لكن مجدداً، كانت العملية الإيرانية هاويةً جداً إلى درجة أنه كان من السهل للغاية أن نُحدد أن شبكة مواقعهم ليست عند المستوى المطلوب. على سبيل المثال، كانت معظم حسابات "تويتر" التابعة لشبكة Liberty Press، مرتبطة بأرقام هواتف ذات رمز إيراني.

لا يعني أيٌّ مما تقدّم أن العمل الذي أُنجِز لفضح هذه العملية لم يكن يستحق العناء. يقول بن نيمو، وهو زميل رفيع المستوى في "مختبر البحث الجنائي الرقمي" في المجلس الأطلنطي، إنه ربما لا تشكّل الحملة "خطراً واضحاً وداهماً على الديموقراطية الأميركية"، لكنها "عملية سرّية يوجّه النظام رسائل من خلالها ويجب إيلاؤها الاهتمام اللازم".

إنها وجهة النظر الصائبة. لنقارن حملة التضليل الإيرانية بحملة التضليل التي تقودها روسيا التي تملك شبكة من مواقع الأخبار الكاذبة والحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي الهادفة إلى الانقضاض على أميركا. خلال الحملة الرئاسية عام 2016، مثلاً، نظّمت جهات روسية تزرع الفتنة عبر الإنترنت تجمّعين متنافسَين – الأول مؤيّد للمسلمين والثاني مناهض لهم – في الزمان نفسه والمكان نفسه في هيوستن. (لحسن الحظ، يبدو أن المخطط لم يتسبب باندلاع مواجهات جسدية).

على النقيض، تبدو شبكة البروباغندا الإيرانية وكأنها تنجح فقط مع الأميركيين الأشد عداءً للولايات المتحدة. فقد نشرت المواقع التابعة لها مقاطع فيديو للواء الإيراني قاسم سليماني يردّ على تهديدات ترامب، وروّجت هاشتاغات مثل "#احذفوا إسرائيل" (DeleteIsrael) و"#فلسطين حرة" (FreePalestine). ربما أراد الملالي استهداف مدينة بركلي.

أياً يكن الدافع، العمل رديء النوعية. قد يكون فعلاً شائناً، لكن الأخبار الكاذبة الإيرانية ليست تهديداً حقيقياً.

كاتب عمود في "بلومبرغ" يتطرق إلى مسائل الأمن القومي والسياسة الخارجية
ترجمة نسرين ناضر
 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة