السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة

الملف: انتخابات
«التطابق» لا ينزه الانتخابات - مشرق عباس
خلال أيام ستعلن نتائج الانتخابات العراقية، بعد إجراء عمليات العد والفرز اليدوي على الصناديق المطعون فيها، وهناك إقرار بنسب تطابق شبه تام مع نتائج العد الإلكتروني، لكن كل ذلك لا يجعل الانتخابات نزيهة ولا يمكن أن تكون كذلك.

إن تكون الانتخابات العراقية مطعوناً في نزاهتها لم يقرره الكاتب، ولا حتى قناعات ملايين من العراقيين سواء ممن قاطعوا الانتخابات أو الذين شاركوا فيها، بل فرضه الوسط السياسي العراقي الفائز منه والخاسر، فالجميع عرف بأن أمراً ما قد حدث، وأن صفقات قد تمت، لم تكشفها الصحافة الاستقصائية، وإنما أعضاء في مفوضية الانتخابات كانوا نشروا أجواء من الشكوك حول النتائج وأحدثوا ضجيجاً حول حصول التلاعب، كما كشفها سياسيون تحدثوا في العلن عن ملايين من الدولارات ثمن عمليات بيع وشراء الأصوات.

الحقيقة أن الأمر أكثر تعقيداً، فهناك 170 نائباً يتقدمهم رئيس البرلمان نفسه، يعدون جزءاً لا يتجزأ من الوسط السياسي العراقي بأحزابه وأسراره وصفقاته، رفعوا الشرعية عن النتائج، بسلسلة قرارات حاكمة، صبت جميعها في اعتبار الانتخابات مزورة، كسحب يد معظم الموظفين الكبار في المفوضية وانتداب قضاة بديلاً عنهم.

أبعد من ذلك أن لجنة حكومية كبرى، شككت في النتائج، واعتبرت أن خروقات حقيقية قد حدثت فيها، وبناء على هذه الخروقات أحال رئيس الحكومة أعضاء في مفوضية الانتخابات للتحقيق في هيئة النزاهة.

حريق هائل في تلك الأثناء التهم أجهزة العد والفرز الإلكترونية في جانب الرصافة من بغداد، قاد كما يبدو إلى إلغاء الفرز اليدوي فيها والإقرار بالتطابق، فيما تعرضت مخازن لصناديق الاقتراع إلى أحداث غامضة وحوصرت بعضها ونقلت أخرى.

التظاهرات العراقية التي هددت بتقويض العملية السياسية بالكامل، كان من بين أسبابها، يأس الشارع العراقي من إمكانية التغيير، وتكريس قناعته أن الوسط السياسي العراقي يحمل مفاتيح الانتخابات ويتحكم فيها، وأن صدامات الخاسرين والفائزين لم تكن أكثر من تصفيات داخل الأحزاب والقوى المهيمنة نفسها، وإن كانت القت الضوء على هشاشة الوضع السياسي العراقي، واستشراء النفعية وتبادل المصالح المالية الفاسدة فيه بديلاً عن التقاليد الحزبية.

لا تلغي النتائج التي ستعلن قريباً، بناء على فتوى دستورية غامضة، احتاجت بدورها إلى التفسير، الطعن في انتخابات 2018، وهو طعن ممتد إلى كل التجارب الانتخابية السابقة، ويستند في الأساس إلى عدم مشروعية القواعد الانتخابية التي فرضها قانون مفصل على مقاسات الأحزاب، وعلى أن المؤسسة المسؤولة عن إدارة العملية الانتخابية لم تحمل من الاستقلالية عن الأحزاب إلا ما ورد في اسمها، وأن مناصبها تم تقاسمها بالكامل من قبل القوى والتيارات السياسية، وإن التجاوزات والانتهاكات والتلاعب وعمليات شراء الأصوات باتت من متبنيات الوسط السياسي.

الانتخابات مطعون فيها ليس لأنها قوطعت من أكثر من 60 في المئة من العراقيين، بل لأن الأحزاب العراقية التي تقاسمت المناصب والمكاسب وأهدرت دماء العراقيين وأشعلت الحروب الطائفية وزرعت ثقافة الكراهية في أرض الرافدين، بديلاً من ثقافة المواطنة والتنوع، لم تبق لقيم الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة وزناً لدى المواطن العراقي، بل أنها طعنت عبر مهرجانات الفساد الهائلة بآخر قلاع الدولة ممثلة بمؤسساتها، وهياكلها وقوانينها، التي باتت عرضة لغضب الناس وسخطهم.

هذه الحال لمن لا يعرف الحال في العراق بعد، ولمن يعتقد أن بامكانه حمل بطاقة النتائج دليلاً على نزاهة العملية برمتها، وبوابة مرور لتجاوز إرادة الشعب التي عبر عنها في ساحات الاحتجاج، وحتى لاؤلئك المخلصين الذين دخلوا المجال السياسي لأغراض نبيلة، فالأزمة العراقية أكبر كثيراً من الانتخابات، وإصلاح ما يمكن إصلاحه يبدأ بإقرار جماعي بكل الطعون التي تواجه العملية السياسية، والبداية يجب أن تكون من داخل قبة البرلمان الجديد، الذي عليه أن يتحول إلى برلمان إنقاذ وثورة على القوانين والتقاليد الفاسدة، وأن ينجح في إنتاج حكومة مهنية وجادة تنسجم مع المعايير التي يطالب بها الشعب العراقي، تعبر به مرحلة النكسة وتعيد إليه الأمل بالمستقبل.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
الملف: انتخابات
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
الانتخابات المقبلة وضعف النقاش السياسي في المغرب - لحسن حداد
الفلسطينيون يترقبون ترشح البرغوثي لمعركة الرئاسة
النظام الانتخابي في وظائفه ومفاعيله السياسية - فريد الخازن
حول شرعية الانتخابات اللبنانية - منى فياض
الجزائر كنموذج يخشى اختطافه - روزانا بومنصف
ولاية خامسة لبوتفليقة أو الفوضى!- رندة تقي الدين
"هيئة الإشراف" تُعاين في تقريرها "جروح" الانتخابات - رضوان عقيل
البحرين: أول رئيسة منتخبة للبرلمان - سوسن الشاعر
أسوأ المجالس البلدية - علي القاسمي
«انتخابات شو!» - مشرق عباس
العراق: تدارك أزمة الانتخابات - مشرق عباس
حول اعادة صوغ «الكتلة الأكبر» - مشرق عباس
الاستبداد الناعم - عبد الحسين شعبان
الممتنعون عن الاقتراع في الانتخابات النيابية من يمثلهم؟ - جورج ابرهيم طربيه
الانتخابات تنهِك العراق بمزيد من الأزمات - كامران قره داغي
«تقبيطة الكيا»! - مشرق عباس
العلمانيون واليساريون بعد الانتخابات (اللبنانية): صِفْر - طلال خواجة
البرلمان اللبناني الجديد: الأكثريات التي انتخبت رؤساء جمهورية ليسوا منها - أسعد الخوري
البلوكات البرية بعد البحرية - فريد الخازن
الانتخابات العراقية تفتح ملف الصراع مع نظام طهران - خالد غزال
انتخابات الكومبارس مقابل سياسة الهامش في لبنان - سامر فرنجيّة
بدائل لا نصيب لها من اسمها - حسام عيتاني
قانون الانتخاب تشابك الاسوأ بين النسبي والاكثري - فريد الخازن
عن يوم أحد أجريت فيه انتخابات نيابية في لبنان - سامر فرنجيّة
انتخابات لبنان لا طائل منها؟ أنطوان قربان
الانتخابات في لبنان والعراق ذات النتائج المعروفة - مرزوق الحلبي
ولي الفقيه العراقي - حازم الأمين
الانتخابات: عندما يصبح دراكولا بابا نويل - جهاد الزين
المشهد غداة الانتخابات اللبنانية - حسام عيتاني
خلفياتُ زّج النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في بازار الإنتخابات اللبنانية - مي الصايغ
الانتخابات اللبنانية «النووية» - وليد شقير
مدينتا بيروت: دُمّلةُ ما بعد الانتخابات - جهاد الزين
انتخابات العراق ولبنان ومآلات الصراع في الشرق الأوسط - بوتان تحسين
«الشعب» أسوأ من مرشحيه - حازم الأمين
أنا المغترب، من أنتخب؟
علي الأمين واللائحة وإعلامنا - حازم صاغية
انتخابات فولكلورية لقانون النسبية سليم نصار
كساد فكرة التغيير في لبنان - حسام عيتاني
حول قانون العدد وما يُرجّحه في انتخابات 2018 - أحمد بعلبكي
اللجنة الأوروبية إذا شاءت، لا الدولة، هي مرجعية الانتخابات - جهاد الزين
نحتاج 161704 أشخاص لمراقبة اقتراع 82000 مغترب! - طنوس فرنسيس
الانتخابات العراقية: جيوش إلكترونية ومزاد لشراء أصوات الناخبين
إلى لجنة الرقابة الأوروبية على الانتخابات اللبنانية:كيف ستواجهين عمليات التزوير؟ - جهاد الزين
دفاعاً عن «الخرزة الزرقاء» - حازم الامين
لبنان 2018: ما الجدوى من الانتخابات العامة؟ - جوزيف مايلا
مقاطعة الانتخابات: الداخل والخارج - حازم صاغية
ماذا بعد الانتخابات المصرية؟ - مأمون فندي
انتخابات بلا معنى ولا فاعليّة - حازم صاغية
انتخابات لبنانية في رداء حرب أهلية - خالد غزال
الاستابلشمنت اللبناني المشوَّه والمشوِّه - أنطوان قربان
صاعقة الانتخابات - محمد صلاح
العراق: انتخابات أم مزاد علني للبيع والشراء؟ - حميد الكفائي
الانتخابات النيابية ترفع وتيرة التصعيد بين أهل الحكم - خالد غزال
الانتخابات اللبنانية:الزبائنية لحشد التأييد سامي عطاالله - زينة الحلو
مسودة قراءة في الانتخابات اللبنانية - منى الخوري
الانتخابات وقانونها: "الولايات اللبنانية المتحدة" - فريد الخازن
أداة تأديبية تدعى الانتخابات النيابية في لبنان - سامر فرنجيّة
مراجعة متأخّرة لمقاطعة 92 المسيحيّة - حازم صاغية
ورثة الطوائف في الانتخابات اللبنانية - حازم الامين
هل سيكون للرأي العام من تأثير في الانتخابات المقبلة؟ - منى فياض
دعوة إلى مقاطعة الانتخابات غير «المدنية» في لبنان - حازم الامين
حرب أم انتخابات في لبنان؟ - حازم صاغية
الأحلام الانتخابيّة للمجتمع المدني في لبنان - حسام عيتاني
انتخابات الرئاسة المصرية: تعظيم المشاركة عبر الفتاوى الدينيّة - كرم سعيد
الاستحقاق العراقي: انتخابات إشكالية ومشكلات بنيوية على وقع انقسامات جديدة - عبدالباسط سيدا
المشاركة في انتخابات الرئاسة على قمة تحديات السلطة المصرية
البلديات تعيد رسم المشهد المغربي - محمد الأشهب
«العدالة والتنمية» يستعد للانتخابات التشريعية - محمد الأشهب
استمالة الناخبين - محمد الأشهب
الانتخابات البلدية في المغرب - محمد الأشهب
محطة الانتخابات البلدية في المغرب - محمد الأشهب
أخبار ذات صلة
الرئيس العراقي: الانتخابات النزيهة كفيلة بإنهاء النزيف
الرئيس العراقي: الانتخابات المقبلة مفصلية
«اجتثاث البعث» يطل برأسه قبل الانتخابات العراقية
الكاظمي يحذّر وزراءه من استغلال مناصبهم لأغراض انتخابية
الموازنة العراقية تدخل دائرة الجدل بعد شهر من إقرارها
مقالات ذات صلة
عن العراق المعذّب الذي زاره البابا - حازم صاغية
قادة العراق يتطلّعون إلى {عقد سياسي جديد}
المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي - حازم صاغية
هل أميركا صديقة الكاظمي؟ - روبرت فورد
العراق: تسوية على نار الوباء - سام منسى
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة