السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٣٠, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة

الملف: انتخابات
«الشعب» أسوأ من مرشحيه - حازم الأمين
شكلت الانتخابات النيابية اللبنانية فرصة لأن تكشف كل جماعة أهلية عن أبشع ما تُكنّه من مشاعر للجماعة الأخرى. هي حرب أهلية يستعاض فيها عن البندقية بالكلمة المسمومة. المرشح على لائحة «حزب الله» جميل السيد، ولكي يحصد أصوات الشيعة في البقاع عليه أن يذكّرهم بأنه الابن المدلل لحافظ الأسد، ذاك أن الناخب الشيعي المخاطب يحب في حافظ الأسد كره الناخب السنّي له. وتيار المستقبل يستدرك خسائره لدى ناخبيه من أهل بيروت عبر تحذيرهم من أن البديل عنه سيكون أن تتحول مدينتهم إلى طهران أخرى، ويلوح لهم بغزو الشيعة مدينتهم. وفيما تبدو القوى المسيحية خارج هذا السجال، تستعين برذيلة أخرى في سياق سعيها لحصد الأصوات، وهي رفع صوت عنصري بوجه النازحين السوريين، والفلسطينيين قبلهم.

تدرك هذه القوى الانتخابية أن الجماعات الأهلية تستجيب إلى هذه الأصوات، على رغم أن الكراهية التي تنطوي عليها انقضت مفاعيلها الحقيقية والسياسية. حافظ الأسد ليس أكثر من أيقونة كراهية تحتفظ بها الجماعة الشيعية وتخرجها في لحظة اضطراب أهلي، وبيروت صارت طهران أخرى منذ سنوات بعد أن هزم «حزب الله» تيار المستقبل في أحيائها، والأخير سلّم بهذه الحقيقة وشارك بحكومات على أساسها، أما الصوت العنصري في وجه النازحين فقد استَحضر في سياق اشتغاله رموزاً من خارج السياسة، فثُبتت عبارات لبشير الجميل على اللافتات الانتخابية، بصفتها خُطَباً راهنة، فيما هي جزء من زمن انقضى منذ عقود.

في الأداء السياسي لا تمارس القوى السياسية هذا القدر من الكراهية. «حزب الله» لا يُشهر صورة حافظ الأسد في الجلسات الحكومية، وتيار المستقبل لا يتعامل مع الحزب بصفته قوة احتلال، والقوى السياسية المسيحية هي اليوم شريك ومستفيد من حال الفساد في إدارة ملف اللاجئين السوريين، وبهذا المعنى فإن الفارق بين اللغة الانتخابية واللغة السياسية تفرضه شروط المنافسة، وهو فارق يكشف عن حقيقة مريعة تتمثل في أن الطبقة السياسية أكثر أخلاقية وحكمة من الجماعات الأهلية، وأن الزعماء مجرد مستجيبين لسوء نوايا من يرغبون في تمثيلهم.

لـ «المستقبل» علاقات موازية مع «حزب الله» لا تشبه اللغة الانتخابية التي يعتمدها في مواجهته، و «حزب الله» من جهته يضرب صفحاً عن لغة «المستقبل» الانتخابية. هو يُقدّر أن الناخب البيروتي لا يحبه، وشريكه في الحكومة لا يعبّر في لغته الانتخابية عن حقيقة ما يمارسه. فوزير الداخلية نهاد المشنوق هو أقرب المستقبليين إلى «حزب الله»، لكنه انتخابياً الصوت الأعلى في وجه الحزب. الانتخابات شيء والسياسة شيء آخر.

والحال أن الكراهية اللبنانية وجدت لنفسها قانوناً تشيد عليه صرحها، ففكرة الصوت التفضيلي تمثل هذه الحقيقة تماماً. وعلينا هنا أن نلاحظ أن قانون الصوت التفضيلي أحدث شقاقاً فعلياً داخل الطبقة السياسية، إلا أنه استجاب على نحو كبير لمشاعر الشعوب اللبنانية، وشكل فرصة حقيقية لتظهيرها على نحو صادق، فإجبار الناخب بلائحة منوعة طائفياً جرى تعويضه عبر إعطائه فرصة لممارسة الكراهية عبر الصوت التفضيلي، وفي هذه اللحظة هبت الطبقة السياسية هبة الرجل الواحد لاهثة وراء نزق الناخب ووراء أسوأ ما يعيشه من مشاعر. والقول إن الطبقة السياسية هي من سن هذا القانون ليس دقيقاً، فهو لا يستجيب لمصالحها بقدر استجابته لمشاعر الناخبين وأمزجتهم المضطربة.

لا تتنافس القوى السياسية والطائفية اللبنانية على الصواب السياسي. على العكس تماماً. فأن يقف جميل السيد مباهياً منافسيه بأنه الابن المدلل لحافظ الأسد، فهو يدرك أن ليس في هذا صواب سياسي أو صواب أخلاقي. فيه صواب انتخابي. وبما أن الصواب الانتخابي لا يلتقي مع الصواب الأخلاقي فإن الانتخابات لا تجرى في حقل أخلاقي، وهي ليست فرصة تصويبية على نحو ما هي الانتخابات عادة، إنما هي فرصة لبعث ما هو أسوأ ما لدى الجماعات الأهلية من مشاعر ومن طموحات.
 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
الملف: انتخابات
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
الانتخابات المقبلة وضعف النقاش السياسي في المغرب - لحسن حداد
الفلسطينيون يترقبون ترشح البرغوثي لمعركة الرئاسة
النظام الانتخابي في وظائفه ومفاعيله السياسية - فريد الخازن
حول شرعية الانتخابات اللبنانية - منى فياض
الجزائر كنموذج يخشى اختطافه - روزانا بومنصف
ولاية خامسة لبوتفليقة أو الفوضى!- رندة تقي الدين
"هيئة الإشراف" تُعاين في تقريرها "جروح" الانتخابات - رضوان عقيل
البحرين: أول رئيسة منتخبة للبرلمان - سوسن الشاعر
أسوأ المجالس البلدية - علي القاسمي
«انتخابات شو!» - مشرق عباس
«التطابق» لا ينزه الانتخابات - مشرق عباس
العراق: تدارك أزمة الانتخابات - مشرق عباس
حول اعادة صوغ «الكتلة الأكبر» - مشرق عباس
الاستبداد الناعم - عبد الحسين شعبان
الممتنعون عن الاقتراع في الانتخابات النيابية من يمثلهم؟ - جورج ابرهيم طربيه
الانتخابات تنهِك العراق بمزيد من الأزمات - كامران قره داغي
«تقبيطة الكيا»! - مشرق عباس
العلمانيون واليساريون بعد الانتخابات (اللبنانية): صِفْر - طلال خواجة
البرلمان اللبناني الجديد: الأكثريات التي انتخبت رؤساء جمهورية ليسوا منها - أسعد الخوري
البلوكات البرية بعد البحرية - فريد الخازن
الانتخابات العراقية تفتح ملف الصراع مع نظام طهران - خالد غزال
انتخابات الكومبارس مقابل سياسة الهامش في لبنان - سامر فرنجيّة
بدائل لا نصيب لها من اسمها - حسام عيتاني
عن يوم أحد أجريت فيه انتخابات نيابية في لبنان - سامر فرنجيّة
قانون الانتخاب تشابك الاسوأ بين النسبي والاكثري - فريد الخازن
انتخابات لبنان لا طائل منها؟ أنطوان قربان
الانتخابات في لبنان والعراق ذات النتائج المعروفة - مرزوق الحلبي
ولي الفقيه العراقي - حازم الأمين
الانتخابات: عندما يصبح دراكولا بابا نويل - جهاد الزين
المشهد غداة الانتخابات اللبنانية - حسام عيتاني
خلفياتُ زّج النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في بازار الإنتخابات اللبنانية - مي الصايغ
الانتخابات اللبنانية «النووية» - وليد شقير
مدينتا بيروت: دُمّلةُ ما بعد الانتخابات - جهاد الزين
انتخابات العراق ولبنان ومآلات الصراع في الشرق الأوسط - بوتان تحسين
أنا المغترب، من أنتخب؟
علي الأمين واللائحة وإعلامنا - حازم صاغية
انتخابات فولكلورية لقانون النسبية سليم نصار
كساد فكرة التغيير في لبنان - حسام عيتاني
حول قانون العدد وما يُرجّحه في انتخابات 2018 - أحمد بعلبكي
اللجنة الأوروبية إذا شاءت، لا الدولة، هي مرجعية الانتخابات - جهاد الزين
نحتاج 161704 أشخاص لمراقبة اقتراع 82000 مغترب! - طنوس فرنسيس
الانتخابات العراقية: جيوش إلكترونية ومزاد لشراء أصوات الناخبين
إلى لجنة الرقابة الأوروبية على الانتخابات اللبنانية:كيف ستواجهين عمليات التزوير؟ - جهاد الزين
دفاعاً عن «الخرزة الزرقاء» - حازم الامين
لبنان 2018: ما الجدوى من الانتخابات العامة؟ - جوزيف مايلا
مقاطعة الانتخابات: الداخل والخارج - حازم صاغية
ماذا بعد الانتخابات المصرية؟ - مأمون فندي
انتخابات بلا معنى ولا فاعليّة - حازم صاغية
انتخابات لبنانية في رداء حرب أهلية - خالد غزال
الاستابلشمنت اللبناني المشوَّه والمشوِّه - أنطوان قربان
صاعقة الانتخابات - محمد صلاح
العراق: انتخابات أم مزاد علني للبيع والشراء؟ - حميد الكفائي
الانتخابات النيابية ترفع وتيرة التصعيد بين أهل الحكم - خالد غزال
الانتخابات اللبنانية:الزبائنية لحشد التأييد سامي عطاالله - زينة الحلو
مسودة قراءة في الانتخابات اللبنانية - منى الخوري
الانتخابات وقانونها: "الولايات اللبنانية المتحدة" - فريد الخازن
أداة تأديبية تدعى الانتخابات النيابية في لبنان - سامر فرنجيّة
مراجعة متأخّرة لمقاطعة 92 المسيحيّة - حازم صاغية
ورثة الطوائف في الانتخابات اللبنانية - حازم الامين
هل سيكون للرأي العام من تأثير في الانتخابات المقبلة؟ - منى فياض
دعوة إلى مقاطعة الانتخابات غير «المدنية» في لبنان - حازم الامين
حرب أم انتخابات في لبنان؟ - حازم صاغية
الأحلام الانتخابيّة للمجتمع المدني في لبنان - حسام عيتاني
انتخابات الرئاسة المصرية: تعظيم المشاركة عبر الفتاوى الدينيّة - كرم سعيد
الاستحقاق العراقي: انتخابات إشكالية ومشكلات بنيوية على وقع انقسامات جديدة - عبدالباسط سيدا
المشاركة في انتخابات الرئاسة على قمة تحديات السلطة المصرية
البلديات تعيد رسم المشهد المغربي - محمد الأشهب
«العدالة والتنمية» يستعد للانتخابات التشريعية - محمد الأشهب
استمالة الناخبين - محمد الأشهب
الانتخابات البلدية في المغرب - محمد الأشهب
محطة الانتخابات البلدية في المغرب - محمد الأشهب
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة