الجمعه ٣ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ١٦, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
مأزق الحوثيين في مواجهة «الآخرين» - محمد سيد رصاص
كان اليمن مقصداً للكثير من آل البيت بعد فشل حركاتهم في العراق والحجاز (الحسين- زيد بن علي زين العابدين- محمد ذو النفس الذكية... إلخ). نجحت إحدى تلك المحاولات في تأسيس دولة شمال اليمن منذ عام 897 ميلادية، عندما أتى من المدينة يحيى بن الحسين بن يحيى بن علي بن زيد بن علي زين العابدين (القاسم الرسي الملقب بالهادي) وأسّس دولة كان مركزها صعدة. عملياً امتدت تلك الدولة زمنياً حتى يوم 26 أيلول (سبتمبر) 1962 حين سقط حكم الإمامة مع الانقلاب الجمهوري على الإمام أحمد آل حميد الدين في صنعاء.

تمتع آل البيت بفرعيهما، وهما السادة الحسينيون والأشراف الحسنيون، بامتيازات وكانوا دينياً واقتصادياً في مرتبة عليا ضمن تصنيفات المجتمع اليمني الفئوية– الطبقية. وكان منهم زيدية وسنة.

لجأ السيد بدرالدين الحوثي إلى الرياض مع الإمام محمد البدر بن الإمام أحمد في فترة الحرب الأهلية اليمنية بين الجمهوريين والملكيين (1962-1970). ولم يكن بدر الدين الحوثي (مواليد 1926) خارج الخط الزيدي التقليدي الذي كان وسطاً بيـــــن السنة والشيعة الإمامية الإثني العشـــرية، لما قال الإمام زيد (قتل في الكوفة عــــــام) بالقبول بخلافة أبو بكر وعمر من خلال نظريته حــــول «جواز إمامة المفضول». وقد زاد انزيـــاح الزيدية نحو السنة من خلال ابن الوزير اليمني (المتوفى عام 1436 ميلادية) المتأثر بابن تيمية، ومن خلال الشوكاني (ت 1834 ميلادية) الذي تولـــــى قضاء اليمن. عندما قامت ثورة حزب الأحرار اليمني عام 1948 على الإمام يحيى آل حميد الدين، نصّبوا إماماً من آل الوزيــــر بعد مقتله قبل أن يستعيد ابنه أحمد السلطة بعـــــد أربعة أسابيع في 14 آذار (مارس) 1948 بمعونة الرياض. وكان القائد الخفي لتلك الثورة هو المرشد العام للإخوان المسلمين حسن البنا.

في أيلول (سبتمبر) 1990 عندما أسس تنظيم الإخوان المسلمين حزب التجمع اليمني للإصلاح وضعوا زيدياً في أعلى هرمه التنظيمي هو الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ قبائل حاشد.

لم يكن السيد بدر الدين الحوثي عام 1990 في خط الشيخ الأحمر، وشعر بأن هناك خطراً على الهوية الزيدية مع ذوبان الحدود بين الزيدية والسنة ومع تحول اليمن إثر وحدة 22 أيار (مايو) 1990 مع الجنوب إلى أكثرية سنية شافعية مع انضمام الجنوب الشافعي السني إلى الوحدة، ومع تهميش الزيدية في الوظائف والتعيينات.

ترافق هذا الشعور بالتهميش الزيدي عند السيد بدر الدين الحوثي مع ابتعاده عن الوسطية الزيدية باتجاه فقيه زيدي هو أبو جارود (المتوفى عام 150 هجرية) الذي كان أولاً من تلاميذ الإمام محمد الباقر (وهو الراوي لتفسير الباقر للقرآن) وابنه جعفر الصادق، لكن عندما قام الإمام زيد بثورته في الكوفة ترك أبو جارود الإمامية وبايع الإمام زيد حتى مقتله، وبعد ذلك انزاح عن وسطية زيد ليعود ويقترب كزيدي من الإمامية، لما قال بـ «تكفير الصحابة» لأنهم لم يبايعوا علياً الذي يقول إن الرسول أوصى به وصفاً لا تسمية، بخلاف ما يقول به الإمامية الإثنا عشرية.

ترافق هذا عند الحوثي مع إعجاب وتأثر بالخميني وتجربته في إيران التي ذهب السيد بدر الدين وابنه حسين لزيارتها والإقامة فيها طويلاً، قبل أن يعودا إلى اليمن ويؤسّسا عام 1997، في انشقاق عن تقليديي الزيدية في حزب الحق، «تنظيم الشباب المؤمن» الذي صار اسمه عام 2008 «أنصار الله».

شجّع الرئيس علي عبدالله صالح الحوثيين ليواجهوا نمو الإسلاميين الإخوانيين والسلفيين، وهم استفادوا من ذلك ومن قاعدة اجتماعية زيدية ومن آل البيت الفاقدين لامتيازاتهم منذ عام 1962، ليؤسّسوا تنظيماً نجح فــي التحرّش والصمود في ـــست حروب أمام الرئيس علي عبــــدالله صالح في صنعاء بين عامي 2004 و2010، ثم استثمر الاضطراب اليمني بين 2011 و2014 ليسيطر على صنـــعاء بمعونة علي عبدالله صالح في 21 أيلول (سبتمبر) 2014، ثم لينفرد بالسلطة في صنعاء بعد قتل شريكه في 4 كانون الأول (ديسمبر) الجاري.

وفق تقديرات عديدة، لا يتجاوز الحوثيون، الذين أصبحوا طائفة زيدية خاصة لم يعد يوجد من اختلاف بينها وبين الشيعة الإمامية سوى في كونها لا تقول بالإثني عشر إماماً ولا تقول بالمهدي المنتظر، 2 في المئة من مجموع سكان اليمن، لكنهم يعيشون في تنظيم تراتبي محكم استولى خلال السنوات الثلاث السابقة على معظم أسلحة الجيش وسيطر على مفاصل الدولة. يتصفون بالتعصب وبنزعة ثأرية عند الفاقد القديم لامتيازات كانت ممتدة لحقبة طويلة من الزمن، مع استعلاء تجاه كل من هو خارج «آل البيت». وهذا لا يشمل الناس العاديين فحسب، بل يمتد إلى زعماء القبائل التي ليس من دون دلالات أن يقوم الحوثيون بتفجير بيوت خصومهم منهم وقتلهم أمام نسائهم وأطفالهم.

ويبدو أن السلطة بقوتها قد أسكرت الحوثيين الذين لا يدركون أنه في السياسة، مثل الغذاء، هناك لقمات تؤدي ليس فقط إلى ارتباك معوي بل أيضاً إلى الوفاة إذا كان هذا أكبر من طاقة الجسم، وهذا لا يشمل الحوثيين وحدهم، بل ينطبق على أكراد العراق وسورية وعلى إيران علي خامنئي أيضاً، وسابقاً على نابليون بونابرت وأدولف هتلر.

الحوثيون بعيدون عن تعريف السياسة بوصفها «إدارة الممكن في إطار تحقيق الهدف»، وهذا لا يقتصر عندهم على مجتمع كان عصياً ليس فقط على الحاكم المحلي بل على الخارج، من العثمانيين حتى التجربة المصرية في الستينات مروراً بالإنكليز. كذلك، لا يدرك السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أنه لا يمكن حكم صنعاء، قرب باب المندب الذي تمر فيه 20 في المئة من التجارة العالمية، بالتضاد مع الجوار القريب وعبر التحالف مع الجار البعيد في طهران الذي هو أقلية قومياً كفارسي أمام محيط عربي يمتد من البصرة إلى الرباط وأمام محيط تركي من بحر إيجه إلى تركستان الصينية، وأقلية مذهبية كشيعة أمام السنة الممتدين بين جاكارتا وطنجة والذين يشكلون 90 في المئة من مجموع 1.5 بليون من المسلمين.

* كاتب سوري



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
الحوثيون يطردون آخر الأسر اليهودية من اليمن
الحكومة اليمنية تقر برنامجها بانتظار ثقة البرلمان
التحالف يقصف معسكرات للحوثيين بعد أيام من الهجوم على أرامكو
الأمم المتحدة: سوء تغذية الأطفال يرتفع لمستويات جديدة في أجزاء من اليمن
الاختبار الأول لمحادثات الأسرى... شقيق هادي مقابل لائحة بالقيادات الحوثية
مقالات ذات صلة
هل تنتهي وحدة اليمن؟
عن المبعوث الذابل والمراقب النَّضِر - فارس بن حزام
كيف لميليشيات الحوثي أن تتفاوض في السويد وتصعّد في الحديدة؟
الفساد في اقتصاد الحرب اليمنية
السنة الرابعة لسيطرة قوى الأمر الواقع: عناصر لحل سياسي في اليمن - حسّان أبي عكر
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة