الجمعه ٣ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢١, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
بعض ما لم يُقَلْ في موضوع سعد الحريري - جهاد الزين
تطرح الملابسات الغريبة في الشكل، لا في المضمون، التي واكبت عملية إعلان السيد سعد الحريري استقالته كرئيس للوزراء، عددا من التأملات الأعمق في خارطة السياسة اللبنانية أحاول إثارتها اليوم مع أني تعمّدتُ منذ "اندلعت" هذه الملابسات أن لا أكتب عن الموضوع نتيجة اقتناعي بأن المسرح السياسي اللبناني باتجاهاته الرئيسية المعروفة و المتوترة (في أزمة متوترة بذاتها) سيحول دون تعليق هادئ ورزين في الموضوع وأنه من الأفضل الانتظار ليظهر ما لم يظهر. وركّزتُ بدلا عن ذلك على الظاهرة الكبيرة في الوضع السعودي وهي "الثورة من فوق" أو "الثورة في القصر" التي يمثلها الأمير محمد بن سلمان والتي يخوض فيها معارك جوهرية ومدروسة، أي غير عشوائية، على كل جبهات الشرعيتين بل الشرعيات السعودية الداخلية والخارجية معا، إعادة تركيز الثروة والسلطة أي الشرعية الإصلاحية، وإعادة رسم الحضور الخارجي أي الشرعية الكيانية ضد الخطر الخارجي في سياق من الاحساس العميق والمشروع بأنه لا بديل: إما التغيّر أو التدهور. 

أتخلّى اليوم عن تحفظي المهني في التعليق على ملابسات موضوع الحريري لأسجِّل بعض الملاحظات علّها تكون مفيدة:

1- بعد الدور المثير لإعجاب اللبنانيين الذي لعبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذا الملف المفتوح دعونا نتذكّر حقيقةً من النادر أن تُقال هي أن رفيق الحريري كان في ما مثله اغتياله عام 2005 "شهيد السياسة الفرنسية" ضد النظام السوري، شهيد جاك شيراك، أكثر مما هو شهيد السياسة السعودية رغم أنه أمّن بنفوذه في الرياض يومها تغطية سعودية لهذا التحول الفرنسي ضد بشار الأسد والذي كان حصيلة أول تناغم فرنسي أميركي(بوش الثاني) بعد الاختلاف الشهير بين باريس وواشنطن على غزو العراق ومعارضة شيراك لذلك الغزو. لذلك قيل يومها وبجدية أن كل أو معظم الذين تعرضوا للاغتيال من اللبنانيين البارزين هم من حملة الباسبور الفرنسي والذي لم يكن معه هذا الباسبور منهم حصل عليه بعد محاولة الاغتيال كالزميلة مي شدياق.

لهذا فإن آل الحريري استمروا دائما منذ ذلك الحين "مصلحة للدولة الفرنسية" ليست مبنية فقط على العلاقات المستمرة مع جميع الرؤساء بعد شيراك، ساركوزي وهولاند والآن ماكرون، بل أساساً على جبل متراكم من المصالح والاستثمارات التي أمّنها رفيق الحريري لفرنسا ليس فقط في السعودية بل في الخليج والكثير من أنحاء العالم (وحتى في مرحلة معينة داخل إيران!). ويبدو أن الكبوة بل السقطة الكبيرة التي جسّدها سقوط شركة سعودي أوجيه وإفلاسها لم تغيِّر هذه العلاقة الحارة مع فرنسا. لذلك علينا أن نرى هل تكريم ماكرون ورعايته لصيغة توافق بل لصفقة سياسية وشخصية "أخرجت" سعد الحريري ربما مؤقتاً من الرياض هما نوع من وفاء الدولة الفرنسية لماضٍ حريري باهر أم خطوة في مستقبل متواصل دون أن ننسى البعد اللبناني الذي تحرص عليه فرنسا في نظرتها للكيان الذي أسسته وأفلت منها في أحيان كثيرة، تارة لصالح بريطانيا ثم لصالح مصر عبد الناصر ثم لصالح السعودية ثم نسبيا لصالح إيران ودائما لصالح الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1956 وأزمة قنال السويس. وفي عهد رفيق الحريري كرئيس حكومة في التسعينات من القرن المنصرم دخلت فرنسا "شريك مصالح" في سوريا ولبنان في ظل الثنائية السورية السعودية حتى حصول الطلاق الكبير مع الرئيس بشار الأسد عام 2004.

2- لا أظن رغم صدمة ملابسات إقامة سعد الحريري في الرياض أن سعودية سياسة آل الحريري موضع بحث. سيكون سخيفا توقع غير ذلك. ولكن البحث الأبعد هو عن مصير دور آل الحريري من الآن فصاعدا. فالظاهرة الحريرية قبل أن تصبح شعبية ومتجذرة سنيا في النظام اللبناني لاحقا هي في الأساس ظاهرة سعودية ومالية. إذا انتهت سعوديتها، أي انتهى التفويض السعودي لها ولم تعد قادرة ماليا ماذا يبقى منها؟ هذا سؤال على المدى الأبعد لا الراهن. فالحريرية مثلت في تغير النظام الطائفي الانتقال من زعامات المدن إلى زعامة الطائفة مثلما حاول حزب الكتائب بعد عام 1958 فحقق الامتداد العابر لمناطق الطائفة ولم يحقق الانفراد في السيطرة سوى لفترة بقوة السلاح خلال الحرب الأهلية، بينما الحريرية مثل الجنبلاطية عند الدروز وثنائية حزب الله - أمل (يعني إيران - سوريا) عند الشيعة نجحت في ذلك على مراحل. (تماما مثل السؤال عن حزب الله كظاهرة أمنية ولاحقاً شعبية ماذا يبقى منه إذا قررت إيران حلَّ تركيبه الأمني؟

قبل أزمة سعد الحريري كان التفكك بدأ يصيب الوحدانية السنية تحت الحريرية بشكل خطر وأساسي في طرابلس وجزئيّاً في بيروت رغم استمرار معقل قوي لها كصيدا (حالة السيدة بهيّة). اليوم حتى القوة "التوحيدية" للسُنة لا نعرف في خطط السعودية اللبنانية هل ستظل معنية بهذا التوحيد الذي مثلته الحريرية أم ستنتقل إلى مرحلة إدارة سياسة تعددية في الطائفة هي، أي الرياض، التي تقوم بضبطها؟

3- بعيدا عن المسرح أليس علينا أن ننتبه أن السعودية حققت هدفا مهماً من كل العاصفة الأخيرة التي أثارتها حول لبنان: وقف الضغط العسكري عبر اليمن على الداخل السعودي؟ الباقي بالنسبة لها شكليات وليس طبعاً بالنسبة لنا في لبنان!

هناك قوة دولية أميركية أوروبية روسية تحمي استقرار لبنان الحالي وربما على الأرجح تمنع تبلور اتجاه إسرائيلي لضرب حزب الله عسكريا، ولذلك علينا الانتباه أن الحدث الأكبر الذي شهدته المنطقة هو التوافق الأميركي الروسي في سوريا. وقبله في الأشهر القليلة الماضية حصل تفاهم أميركي إيراني مثير أدى إلى استعادة بغداد لكركوك ونفطها وقبلها استعادة الموصل وبينهما استعادة جرود البقاع اللبناني وكلها لا يمكن تصور حدوثها دون تفاهم ضمني وأحيانا معلن إيراني أميركي.

إذن المنطقة وتحديدا السياسة الأميركية لا تزال حمّالة أوجه دون أن نقلل أبدا من أهمية الغضب السعودي وآخر مظاهره في الجامعة العربية.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة