الأثنين ٦ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٢٥, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
التطرف ومواجهته بما هما صراع اجتماعي - إبراهيم غرايبة
ثمة إجماع تقريباً بين الكتاب والمحللين لظاهرة التطرف والإرهاب بأنها مرشحة للبقاء والنمو لسبب واضح هو أنها تحظى بقواعد اجتماعية واسعة وبمصادر آمنة للتجنيد والحشد والتمويل، وأنها حال لا يمكن مواجهتها أمنياً أو فكرياً. وبطبيعة الحال، فإن العنف والكراهية على مدى التاريخ والجغرافيا هما حال اجتماعية تنشئ آيديولوجيتها الملائمة لها، ومن ثم فإن الحل لتغيير أفكار الناس، كما رأى ماركس، يستدعي تغيير واقعهم.

هكذا، فإن الإرهاب أساساً هو نوع من انواع الصراع الاجتماعي، وهذا يعني بالضرورة أنه باق ومستمر على نحو دائم، وأنه يأخذ حالات وأشكال متعددة، وأن الآيديولوجيا سواء كانت دينية أو قومية أو وطنية ليست جزءاً أصلياً أو بنيوياً في هذا الصراع، ولكنه مورد إضافي يتمّ استحضاره وتوظيفه في الصراع، ومن ثم فإن مواجهة الإرهاب والتطرف والتوظيف غير الصحيح للدين والخروج على الدولة والقانون باسم الدين يجب أن تقوم في شكل رئيسي على الفصل بين الدين - التدين والصراع القائم، وضرورة النظر إلى الصراع باعتباره اجتماعياً واقتصادياً.

لكن السياسات الاجتماعية والاقتصادية الإصلاحية تفشل أو تتعثر إن لم تصحبها سياسات باتجاه الفصل بين الدين والصراع الاجتماعي والسياسي والأزمات الاجتماعية والثقافية القائمة. وفي ذلك يمكن إضعاف المتطرفين والخارجين على الدولة والقانون باسم الدين وعزلهم، ووضع الدين والتدين في السياق الصحيح لسياسات الدولة والمجتمع وأهدافهما في الإصلاح والارتقاء بالنفس والتماسك الاجتماعي، وإزالة الحواجز التي تعوق اندماج المواطنين في برامج الدولة والمجتمع وتعزيز مشاركتهم على أساس قضاياهم وأولوياتهم الأساسية وكما هي في جميع الدول والمجتمعات والقائمة على تحسين مستوى الحياة والرفاه والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وحصر الصراع السياسي والاجتماعي في قضيته المنشئة ووقف حلقات الشر التي تطور الخلاف والصراع إلى سلسلة من الصراعات المدمرة والمختلفة عن القضية الأصلية المنشئة هذا الصراع، وتطوير الخلاف بين الحكومات والمعارضين أو بين الدولة والمجتمعات أو طبقات أو فئات اجتماعية معينة إلى خلاف سلمي محدد يستخدم في تسويته المبادئ العامة والسلمية من التأثير والجدال والحوار والرأي العام والإعلام، وتجفيف الموارد البشرية للمتطرفين، أو على الأقل تخفيضها بنسبة كبيرة، وذلك باجتذاب المؤيدين لهذه الجماعات أو المشاركين فيها على أسس غير موضوعية أو غير متصلة مباشرة بالتدين والفهم المتطرف للدين، مثل البحث عن المعنى والجدوى والشعور بالخواء والندم، الشعور بالتهميش الاقتصادي والاجتماعي بالنسبة لأفراد أو فئات اجتماعية أو مهنية أو اقتصادية، أو الشعور بعدم العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

وبالنظر إلى التطرف على أنه مؤشر اجتماعي، فإن ذلك يساعد على تصحيح السياسات والبرامج الاجتماعية والثقافية ومراقبتها ومراجعتها، والتأكد من أنها تخدم تطلعات المواطنين بعامة والشباب بخاصة إلى المعنى والجدوى وتشجعهم على الاندماج الاجتماعي والمشاركة الاقتصادية والعامة وبناء أدوات سلمية وإيجابية في العمل والتأثير، وبذلك فإنه يمكن التأكد أيضاً من أن المنظومات الاقتصادية والسياسية وإدارة الموارد والإنفاق تخدم الهدف الأساسي لها وهو التقدم والتنمية. ولا بأس من القول وتكراره أنها أفكار واقتراحات تنطوي على مجموعة من السلبيات والتحديات الناشئة عن تطبيقها، منها: الأزمة في العلاقة بين الإدارة العامة والمجتمعات والأسواق، وظهور أنماط من الفساد ربما يصعب أن يطاولها القانون، وتسلل الجماعات المتطرفة والجهات والدول الخارجية، ونمو الصراعات الاجتماعية والطائفية والمذهبية، لكن على رغم ذلك كله، تظل سياسات المشاركة الاجتماعية وتحييد الدولة تجاه الدين أولويات ليس لها بديل أفضل، ففي المشاركة الناشئة عن هذه الاتجاهات يمكن تجفيف مصادر التمويل والحشد والاجتذاب للمتطرفين كما أن هذه المشاركة تشكل حلقة لا بد منها للنمو الاجتماعي والاقتصادي، على رغم كل السلبيات الممكن حدوثها. لكن وعي هذه السلبيات يساعد في بناء سياسات اجتماعية سليمة قدر الإمكان ويقلل من الأخطار المتوقعة، ولعله يمكن في المحصلة أن نكون مثل هذا العالم القائم على مجتمعات شريكة ومستقلة، تتحمل مسؤوليتها وتواجه بنفسها تحدياتها التي لا يمكن الدولة أو الشركات أن تؤديها بالنيابة عنها.
 

* كاتب أردني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة