السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ١٣, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
العشرية الأولى للنكبة الفلسطينية الثانية: سيطرة حماس على غزة! - عبير بشير
عشرة أعوام من الانقسام الفلسطيني المرير طواها قطاع غزة منذ أن سيطرت حركة حماس بالقوة المسلحة على القطاع وطردت منه مؤسسات السلطة الفلسطينية في صيف 2007. 

العشرية الأولى على سلخ غزة عن الضفة الغربية وجهت ضربة قاصمة للمشروع الوطني الفلسطيني، ووجدت غزة نفسها عالقة في وضع غريب فلا هي محررة ولا هي محتلة، وهي ليست خاضعة للسلطة المركزية ولكن السلطة تتحكم بكل مفاتيحها.

وساهمت تلك الأعوام في تراجع القضية الفلسطينية بشكل خطير على الصعيد الدولي، وفقدانها لمركزيتها داخليا على حساب أولوية البقاء والبحث عن لقمة العيش، وغرق المواطن الغزي في مستنقع المشاكل الحياتية من بطالة وأزمة الكهرباء وتلوث المياه ونقص غاز الطهي والوقود وإغلاق معبر رفح البري...

غير أن السؤال المركزي الذي يبقى يتردد، هل الانقسام الذي حدث هو مصادفة تنم عن سوء تقدير ومراهقة سياسية وفتوة عسكرية وفائض قوة وجهل في إدارة الخلافات والاختلافات أم أن الفلسطينيين تم استدراجهم بكامل إرادتهم إلى كمين محكم لتنفيذ مخطط الانقسام عبر دول إقليمية وازنة.

وفي كل الأحوال لا يمكن تبرئة العامل الإسرائيلي الذي عمل على مخطط فصل غزة عبر الحكومات والأحزاب المتعاقبة، وأقامت تل أبيب حساباتها على أساس بقاء وتعميق الانقسام الفلسطيني، ودفع قطاع غزة بعيدا عن الضفة بهدف ضرب أي مفاوضات أو تسوية على أساس حل الدولتين حيث تتذرع إسرائيل بالانقسام لإقناع المجتمع الدولي بعدم وجود شريك فلسطيني، وأن أبو مازن لا يمثل الكل الفلسطيني.

كما أن سكوت إسرائيل عن حكم حماس ليس قبولا نهائيا وليس عجزا بل لهدف تكتيكي ووظيفي يتعلق باستمرار الانقسام، وعندما تشعر إسرائيل بأنها حققت هدفها الأعلى وسيطرت على الضفة الغربية وأنهت وجود السلطة الفلسطينية كسلطة وطنية حقيقية، فإن تل ابيب ستتحرك ضد القطاع لإنهاء حكم حماس في غزة كسلطة مقاومة، ما لم تغير حماس جلدها ووظيفتها وتنخرط في مخططات إقليمية تتربص بالقضية الفلسطينية. حماس ومنذ الحسم العسكري تصرفت على أنها التنظيم الأول في سلم الفصائل الفلسطينية، وسعت إلى تعزيز حكمها للقطاع ومأسسته، باعتباره كيان سياسي وأمني واقتصادي مستقل عن غلاف السلطة المركزية، ونواة لدويلة حمساوية تشق طريقها بثبات وإصرار مستفيدة من شبكة علاقاتها وتحالفاتها في الإقليم وبزوغ نجم الإخوان المسلمين في فترة ما يسمى بالربيع العربي.

وسعت الحركة بشكل دؤوب على فك الحصار عنها - سفينة مرمره نموذجا - وإيجاد بدائل لمعبر رفح البري - إنشاء ميناء غزة- والتوصل إلى حلول لمشكلات القطاع المزمنة في مجالات الطاقة والمياه بعيدا عن السلطة الفلسطينية وبالتنسيق مع أطراف إقليمية...

حتى فكرة قبول حماس بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية كمخرج من الحلقة المفرغة للصراع الداخلي والانقسام فهي غير واردة في عقل وذهن حماس، لأنه بالنسبة لها فإن خوض الانتخابات الرئاسية بمرشح لها مسألة أكبر من مقاسها علاوة على أن الرئيس الفلسطيني المقبل سيكون محكوما باتفاق أوسلو.

أما فيما يتعلق بالموافقة على الانتخابات التشريعية فإن لدى حماس حساسية مفرطة من هذا السيناريو، وهي تعيش في خوف حقيقي من أي احتمال لخسارتها الانتخابات وبالتالي تجريدها من شرعيتها التمثيلية وأغلبيتها البرلمانية التي تتغنى بها ليل نهار، ومن كل امتيازاتها في الحكم والسلطة.

ولا شك بأن الأوضاع السياسية التي تعيشها حماس صعبة للغاية وتحشرها في الزاوية وتزيد من عبء الضغوط عليها، فمن جهة التحرك الخليجي ضد قطر التي تربطها علاقات وثيقة بالحركة وتستضيف عددا من قياداتها وتقدم دعما ماليا لعدة مشاريع إنمائية وتطويرية في القطاع وما أشيع عن تسليم القيادة القطرية رسالة لحماس تطلب منها مغادرة أراضيها، ومن جهة أخرى تصنيف ترامب لحركة حماس بأنها منظمة إرهابية، واتهامات من بعض الدول العربية لها من أنها تمارس النشاط المسلح خارج الجغرافيا الفلسطينية، بحيث وصلت حماس على الأرجح إلى قناعة بأن الوثيقة السياسية الجديدة التي قدمتها كتأشيرة دخول للمجتمع الدولي فاقدة للصلاحية، وأن عملها يقتصر على تبرير مزيد من التنازلات لدى جمهورها وأنصارها. تحذيرات حماس المتوالية من أنها ستقلب الطاولة على الجميع ومن انفجارها الوشيك في وجه إسرائيل إذا استمرت الضغوط العاتية عليها، يندرج ضمن الحرب الإعلامية أكثر من الحرب الجدية لأن حماس وكما نعتقد باتت تدرك بأن الحرب القادمة ستختلف من حيث النتائج والأهداف عن أخواتها، ففي الحروب السابقة كانت إسرائيل تكتفي بتسديد ضربات موجعة للمقاومة وإحداث دمار كبير دون أن تصل الأمور إلى حد التخلص من سلطة حماس، أما الآن وفي ظل المعادلات الدولية والإقليمية المستجدة، أصبح كل شيء وارد بقوة.

ويبدو بأن حماس الحائرة بين المحاور والمتجردة من التحالفات، والواقعة تحت مطرقة الرئيس الفلسطيني أبو مازن، لم يعد أمامها سوى تجرع كأس السم والتحالف مع عدوها اللدود محمد دحلان وفضلت لحساباتها الخاصة خيار دحلان عن خيار أبو مازن. 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية
تل أبيب ترفض التهدئة وتستدعي قوات الاحتياط
مصير الانتخابات الفلسطينية يحسم اليوم
استطلاع: «فتح» تتفوق على «حماس» والبرغوثي يفوز بالرئاسة
المقدسيون مدعوون للانتخابات عبر مراكز البريد
مقالات ذات صلة
حرب غزة وأسئلة النصر والهزيمة! - أكرم البني
أيضاً وأيضاً: هل يتوقّف هذا الكذب على الفلسطينيّين؟ - حازم صاغية
لا قيامة قريبة لـ«معسكر السلام» - حسام عيتاني
إعادة اختراع الإسرائيليّة والفلسطينيّة؟! - حازم صاغية
... عن مواجهات القدس وآفاقها المتعارضة - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة