بموافقتنا على أن الكراهية هي مبتدأ الإرهاب، نلزم أنفسنا بالموافقة على أن المواجهة مع الإرهاب هي بناء منظومة اجتماعية اقتصادية تؤول في محصلتها ونتائجها إلى مجتمعات وأنظمة سياسية تسودها قيم الاعتدال والتسامح وتقبل الآخر ونبذ الكراهية والعنصرية والتعصب، ووعي فردي وجماعي بأن التقدم الاقتصادي والاجتماعي والارتقاء بمستوى المعيشة والتعليم والصحة يقوم على مشاركة إيجابية وإدراك بدهي لخطر الكراهية والتطرف على حياة الناس ومصالحهم وتناقضهما مع المعتقدات والأفكار الدينية والاجتماعية والثقافية السائدة. فهي رؤية واحدة وشاملة للذات، لا يمكن تجزئتها، بمعنى أنه لا يمكن الجمع بين مشاعر الرفض للقتل والاعتداء لفئة من المدنيين والمسالمين والقبول بها لفئة أخرى منهم.
فالتطرف والكراهية ليسا حكماً يمكن إطلاقة في حالة ونفيه في حالة أخرى، وفي المقابل فإن التسامح والتقبل لا يمكن أن يختصا بفئة من الناس ويستثنيا فئة أخرى، وفي ذلك فإننا يجب أن نوافق على إدانة ومراجعة شاملة للذات أفراداً ومجتمعات وسلطات، وألا تقتصر المواجهة والمراجعة على فئة منّا نعتبرهم متطرفين! فلا يمكن القبول بإدانة فئة أو مجموعة لاعتبارات أو معايير، ثم لا نقبل بتطبيق الاعتبارات والمعايير ذاتها على السياسات والأفكار السائدة والمتبعة لدى السلطات السياسية والمجتمعات والأفراد.
ولا يمكن استثناء أحد أو فئة عندما نستهدف بناء الاعتدال ورفض الكراهية في المؤسسات والبرامج والأعمال التعليمية والثقافية والإعلامية والإرشادية، كما لا يمكن الحديث عن العدالة إذا كانت المؤسسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية تستثني من منافعها أحداً من الناس، ولا يمكن تعزيز البيئة العامة وتحصينها من التطرف والكراهية إن كانت هشة وقابلة للاختراق والضعف، فلا منعة فكرية من غير عدالة وحريات ومنعة اقتصادية واجتماعية.
هكذا، يمكن الاستدلال على مواجهة الإرهاب بملاحظة سياسات التعاون والتعايش في دولنا ومجتمعاتنا، وشراكتنا مع العالم والشراكة بين السلطة والمجتمعات والأسواق وتكاملها، ويمكن أيضاً ببساطة توقع الإرهاب وتقديره بمدى الفشل الاقتصادي والاجتماعي، فلا يمكن الفصل بين الفوضى والانهيار والصراعات السائدة اليوم في دول وبين حالة الشمولية والتسلط التي كانت سائدة فيها. ويمكن الإشارة هنا إلى أن ليبيا تتمتع بمستوى من التجانس اللغوي والديني والمذهبي والعرقي ربما لا تتمتع به دولة أخرى في العالم! وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة الأميركية تقوم على موزاييك معقد من الدول والثقافات واللغات والألوان والأديان والإثنيات، لكنهما حالتان تؤكدان أن الانقسام والتماسك يقاسان بالنجاح الاقتصادي والاجتماعي والعدالة والحريات الجامعة المواطنين أكثر من أية رابطة أخرى. وفي الحالة الأميركية يلاحَظ أن المواطنين من أصول أفريقية يتمتعون بمستوى من مؤشرات التعليم والصحة والدخل والتكامل الاجتماعي يقل كثيراً عن المعدلات الأميركية وأنهم يساوون في ذلك مواطني سريلانكا وجامايكا، ولا شك في أن ذلك مؤشر إلى فشل وضعف وإن كانت تخفيه وتقلل من أثره مؤشرات النجاح الأخرى.
لكن هناك أيضاً ما يمكن ملاحظته من جوانب قوية وإيجابية في المواجهة مع الإرهاب. فما من شكّ في أن حالة إيجابية من الوعي والمعرفة تتشكل، وأن أصوات النقد والمراجعة اليوم أقوى منها قبل سنوات قليلة، وتتشكل اليوم قناعة شاملة بأن مواجهة التطرف والكراهية هي بطبيعة الحال مواجهة مع الفقر والظلم والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي، والأكثر أهمية وإيجابية هو الوعي بأن المواجهة ليست وعوداً أكيدة لكنها محاولات ومغامرة ليست محسومة تلقائياً لمصلحة الدول والمجتمعات. فلم يعد ثمة يقين، وليس لدينا في هذه الحرب سوى الخيال والنية الحسنة!
* كاتب أردني |