الأربعاء ٢٤ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٣, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
الشرق الأوسط أمام أكثر من مفصل والتحدّي الأكبر إعادة الإعمار - سام منسى
تشهد منطقة الشرق الأوسط أكثر من تطور مصيري وتاريخي، بدءاً من معارك الموصل وما قد تسفر عنه من انعكاسات على الإقليم عموماً وعلى الداخل العراقي خصوصاً. كما أن التحضيرات لمعركة تحرير الرقة من «داعش» تتسارع.

الانطباع السائد لدى غالبية المراقبين أن النتائج الحاسمة مستبعدة في السياسة كما في الحرب، ولا تزال الضبابية والمراوحة العنوان الرئيس للمشهد في الإقليم. ولعل المشكلة اليوم ليست أزمة النظام الإقليمي، إن وجد، بقدر ما هي أزمة نظام عالمي يتداعى.

فرضت الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي على المنطقة وسائر بقاع العالم سياسة الأحلاف وأخضعت التفاعلات الإقليمية لتخاذبات الاستقطاب بين طرفيها، إذ سعى كل منهما إلى إنشاء تكتلات تحقق توازناً للقوى في المنطقة يصب في مصلحته. وبصرف النظر عن انعكاسات هذه الاستقطابات على دول المنطقة، فإنها فرضت نظاماً أدى إلى نشوء بيئة استراتيجية تعكس الصراع العالمي وتحدد ملامح العلاقات والمصالح بين دول المنطقة.

أعلن انهيار الاتحاد السوفياتي انتهاء الحرب الباردة وتوج الولايات المتحدة قوة عظمى وحيدة أخذت على عاتقها دور شرطي العالم وعملت على إدارة العلاقات الدولية والنزاعات الإقليمية، وبلغ هذا التدخل أوجه في عهد الرئيس جورج بوش الابن الذي نقل السياسة الأميركية، وخصوصاً في المنطقة مع حربي العراق وأفغانستان، من سياسة الاحتواء إلى سياسة الردع.

خلال عهد الرئيس باراك أوباما، أفضت سياسة الانسحاب التي انتهجها إلى انعدام وجود ضابط دولي، ما ترك فراغاً كان له الأثر الأكبر على منطقة الشرق الأوسط تحديداً.

لا خلاف على أن المنطقة تعاني أزمة عدم استقرار مزمنة، وكلما بدا أنها استقرت في شكل يسمح بتصور ملامح نظام يؤسس لنمط تفاعل مستقر بين دولها، يقع انفجار ما غير متوقع، لتعود العملية إلى المربع الأول. وجاء الانفجار هذه المرة من الداخل، وما نشهده حالياً هو حالة من الانفلات الإقليمي خالية من الضوابط والتوازنات، حيث باتت كل دولة من دول المنطقة، أو ما تبقى منها، تتصرف بمفردها في محاولة للحفاظ على وجودها من دون وجود لأي ضابط إيقاع إقليمي. الأخطر من ذلك التفلت غير المسبوق في العلاقات الدولية لا سيما الأداء السياسي والعسكري الروسي من جهة والتراجع واللامبلاة الأميركية ولأكثر من سبب من جهة أخرى، ولا حاجة إلى الحديث عن شبه انعدام للدور الأوروبي. وبالتالي التحولات والتحديات التي تطاول النظام الإقليمي قد تكون ناتجة عما يجري على مستوى العالم.

وسط هذا المناخ الدولي والإقليمي برزت تحديات عدة في المنطقة، أبرزها:

التحدي الأول: عدم وجود معيار عقائدي واحد يؤسس لرسم حدود الإقليم وهويته ونشوء نظام إقليمي جديد في ظل سقوط القومية العربية والتوجس السائد من الهوية الإسلامية والانتماء العرقي، إضافة إلى غياب معايير النظم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الواحدة والمصالح السياسية والأمنية المشتركة.

التحدي الثاني: سقوط الدولة بمفهومها المؤسساتي في أكثر من مكان، ما قد يؤدي إلى حالة طويلة الأمد من عدم الاستقرار السياسي والأمني تنحصر معها سياسات الدول في المنطقة بالسياسة الداخلية.

بعد مرحلة الأنظمة الاستبدادية وفي ظل انعدام الديموقراطية المؤسسة لثقافة المشاركة وثقافة المواطَنة، جاء الربيع العربي ربيعاً فوضوياً أسقط هذه الأنظــمة من دون أن يكون الـــبديل جـــاهزاً. والأهم أن الشعوب استقوت على الدول وباتت تشعر بأنها شريك من دون أن تتمتع بمقومات الشــراكة. وعلى رغم أهمية الحركات الشعبية التي حصلت والتي أوحت في مرحلة ما أنها تحمل رياح التغيير، فإنها قوضت الأسس التي تقوم عليها الدول في شكل باتت معه هذه مشلولة وعاجزة عن الاضطلاع بدورها.

التحدي الثالث: تصاعد دور العامل الديني ورجحان كفة الميزان لمصلحة الدولة الدينية على حساب الدولة المدنية. وهذا قد يؤدي الى قيام دول دينية تؤسلم السياسات الخارجية كما حصل مع النزاع العربي الإسرائيلي (من نشوء حماس إلى تبني كل من النظام الإيراني وتركيا أردوغان للقضية الفلسطينية) ونشوء تحالفات إقليمية على أسس دينية ومذهبية تارة بين الدول أو بين تنظيمات محلية ودول خارجية (تحالف نظام الأسد في سورية مع حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن مع إيران والقوى والميليشيات الشيعية في العراق مع إيران أيضاً).

التحدي الرابع يرتبط بظاهرة انتشار التنظيمات العابرة للحدود أو التنظيمات الخارجة عن الدولة the non-state organizations التي هددت حدود المنطقة وهددت معها وجود الكيانات الراهنة من دون أن تكون هناك رؤية لكيانات مستقبلية. غني عن البيان خطورة تنظيمات كهذه على وجود الدول المؤسساتي لجهة إحكام قبضتها على قرارات سيادية كقرار الحرب والسلم ولجهة ارتباطها العضوي بدول وجهات خارجية. الأسوأ هو تعامل المجتمع الدولي مع هذه التنظيمات كبديل عن الدول، كما حصل مثلاً باتفاق الزبداني- الفوعا وكفريا في سورية الذي لم يتم بين جهة حكومية سورية وأخرى تجمع الفصائل المعارضة المقاتلة، بل بين حكومة إيران وحركة «أحرار الشام» القريبة من تركيا والمنضوية تحت مظلة الجبهة الإسلامية والمتحالفة مع «جبهة النصرة» في إطار «جيش الفتح»، وبإشراف الأمم المتحدة ومشاركتها.

التحدي الخامس: الرعب أو الهلع أو ما يسمى رهاب الإسلام السياسي العنيف أو التشدد العنيف، بحيث أصبح الهم الرئيس للشعوب العربية إلى حدٍ ما أو النخب العربية والدول، هو مكافحة هذا الرهاب. وغالباً ما يأتي ذلك على حساب الديموقراطية، بمعنى أوضح أننا نعود إلى أساس المشكلة: إن استبداد الأنظمة الديكتاتورية هو من المسببات الرئيسة للتشدد الإسلامي، واليوم نكاد عن وعي او لا وعي نجدد الاستبداد خوفاً من التطرف الإسلامي وتحت راية مكافحته.

اما التحدي الأكبر لمستقبل المنطقة والأجيال المقبلة فهو موضوع إعادة الإعمار بعد هذه الزلازل. والمقصود هنا هو الأعمار السياسي والاجتماعي والثقافي الى جانب الإعمار الاقتصادي والمالي. من سيقوم بإعادة الإعمار وعلى أي أسس، خصوصاً إذا استمر الانكفاء الأميركي خصوصاً والغربي عموماً؟ من هي القوّة التي ستساهم في إعادة الإعمار وعلى أي أسس ومبادئ وأفكار ونماذج؟

عانت المنطقة ضبابية في تحديد نظامها الإقليمي في ظل وجود نظام دولي وضابط دولي، فما بالكم اليوم والنظام الدولي منهار وغالبية دولها أصبحت فاشلة تتحكم في مسارها الأمني تنظيمات خارجة عن الدولة وتتدخل في شؤونها أطراف خارجية، ناهيك بالخلل في التوازنات العسكرية والطموحات النووية المقلقة. هل من مساحة متاحة للخروج من هذا النفق، خصوصاً اذا استمر التفلت وانهيار السقوف في العلاقات الدولية؟
 

* إعلامي لبناني.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة