Deprecated: Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : الاعتراض اللبناني إذ يبحث عن شكله - سامر فرنجيّة
الخميس ٢٥ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٢, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
الاعتراض اللبناني إذ يبحث عن شكله - سامر فرنجيّة
في موسمية اعتراضية باتت تتقاطع مع إيقاع الأزمات السياسية، تظاهر في الآونة الأخيرة عدد من اللبنانيين مطالبين دولتهم بشتى الأمور، من إقرار سلسلة الرتب والرواتب إلى تشريع حق المرأة في إعطاء الجنسية لأولادها، إلى رفض بعض قرارتها، من فرض ضرائب جديدة إلى قانون جديد للإيجارات، وصولاً إلى الدفاع عما تبقى من أماكن عامة. ويأتي هذا التدخل الاعتراضي في وقت يمرّ نظام ما بعد الحرب بأزمة قد تطيح أسسه الركيكة، وهي أزمة تأخذ شكل التفاوض على قانون جديد للانتخابات في ظل تهديدات، واضحة أو مبطنة، بتغيير النظام.

لم ينجح «العهد» الجديد القائم في حل هذه الأزمات كما وعد، بل أطّرها من خلال إعادة رسم خرائط التحالفات والمواجهات، وهذا ما يفرض مقاربة مختلفة على العمل المطلبي.

جاءت التظاهرة الأخيرة المناهضة لزيادة الضرائب المقترحة لتذكر بحراك صيف ٢٠١٥ والذي انطلق بسبب أزمة النفايات. فقد قامت التظاهرة على تكرار أشكال الاعتراض والأطر التنظيمية والخطابات السياسية، وصولاً إلى السجالات بين الناشطين، لتبدو وكأنها استكمال لحركة انقطعت زمنياً. بيد أن الظروف تغيرت وتعلّمت الإدارة السياسية في العهد الجديد كيفية مواجهة هذا الاعتراض الموسمي. هكذا أحيطت التظاهرة بدعم سياسي واسع وتهرَّب الجميع من عملية إقرار الضرائب، ليتّم تمرير البعض منها من دون ضجة إعلامية. وانتهى الموضوع بتأجيل سريع للمسألة الشائكة، ومعها السلسلة التي ناضل من أجلها فصيل آخر من «المجتمع المدني».

ولئن جاءت النتيجة «تسووية» ولم ترض أحداً، فهذا يعود إلى تحلّل الدولة ومعها قنوات وأطر التفاوض الاجتماعي. لكنّه يعود أيضاً إلى عدم قدرة الأشكال التنظيمية والاعتراضية التي أنتجها حراك ٢٠١٥ على التأقلم مع الواقع الجديد الذي فرضه العهد من جهة، وطبيعة المطالب المرفوعة من جهة أخرى. فتقاطعت أشكال الحراك الماضي مع الطبيعة الجامعة للقضية المطروحة، أو التي يفترض أنّها جامعة، أي النفايات. وهذا ما سمح بـ «تعليق» مسألة التمثيل السياسي آنذاك. هذه الفرضية لا تصلح مع مسألة الضرائب، إذ إن قدرة التفاوض مربوطة بالقدرة التمثيلية، شبه المعدومة، لدى الشلل المنظمة للاعتراض. كما أن الشعار السياسي لحراك ٢٠١٥ والرافض للطبقة السياسية بات خارج الموضوع مع قيام عهد يشترك فيه الجميع، وإن بصفات مختلفة أو برتب متفاوتة. فالحراك شكّل قطيعة، ليس مع السياسيين، ولكن مع اصطفاف كانت فاعليته قد انتهت وجثته باتت قاتلة للسياسة.

أما العهد الجديد، فليس جمعاً حسابياً لكامل القوى، بل تركيب يؤسس لتوزيع مختلف لمراكز القوى والضعف.

في وضع كهذا، التكرار في الشكل يؤدي إلى سياسة محدودة، تستبدل تعرجات التركيبة السياسية بثنائية ثابتة، تأخذ شكل مواجهة بين الشعب والسلطة السياسية، بعدما كان هذه التسطيح يضع الجماهير في وجه «الطغمة المالية» في السابق. كما أنّه لا يسمح إلا بخطاب «كمي» يريد استرجاع الحق من الطبقة الحاكمة إلى ضحاياها من خلال وقف الهدر والفساد. وأخيراً، هذا التكرار يحصر استراتيجيات العمل بثنائية الانتخابات النيابية أو العدم، وهما وجهان للعملة ذاتها.

فنزاهة الانتخابات تقيَّم بقدرتها على إيصال من نصّب نفسه سلفاً ممثلاً للشعب، ليبقى ممثل الشعب غير قادر على تفسير أية نتيجة أخرى إلا من خلال الأيديولوجية والرشوة.

شكّل حراك ٢٠١٥ إعلان أزمة ليس في النظام فحسب، بل في أدوات معارضته وكيفيتها. جاء شكله تعبيراً عن هذه الأزمة الاعتراضية، ومفادها البحث عن أطر مختلفة للتعبير عن الاعتراض بعدما دخلت مؤسسات المجتمع في أزمة منعتها من لعب هذا الدور. ويمكن تلخيص معضلة الحراك بسؤال الاعتراض في ظل دولة غير قابلة للإصلاح وبالتالي غير قادرة على الإصلاح. بهذا المعنى، «سلبية» الحراك الماضي لم تكن ناتجة عن رفض المعترضين تقديم بدائل، بل عن اعتراف ضمني بأن المسألة تعدّت البدائل لتطال أسس الدولة التي باتت غير قابلة للإصلاح.

طرح الحراك سؤالاً عن إمكان قيام سياسة لا تشكّل الدولة فيها النقطة المركزية، أو على الأقل لا تشكّل استراتيجيات معارضة الدولة أو الاستيلاء عليها الخيارين الوحيدين. لم يقدّم رد على هذا السؤال بل تم فضح حالة الانهيار التي طالت أدوات الاحتجاج، من أحزاب وإعلام، والمؤسسات الوسيطة، كالنقابات، والتي ضربت مناعة المجتمع في وجه تصرفات الطبقة الحاكمة. رفع شعار الشعب في وجه السلطة، بهذا المعنى، هو اعتراف بفشل المجتمع في مواجهة سياسات ممثليه السياسيين أكثر مما هو موقف ثوري. والهروب إلى الانتخابات ليس إلا نتيجة لهذا الفشل، وهو خيار يتعامل مع مجموعات من الناشطين كطلائع لشعب لم يفق، وغالباً ينتهي إما بصرخات يأس تجاه شعب يرفض الاستيقاظ أو بالبحث عن مصلح قوي، يمكن أن يجسد طموحات شعب لا يعرف مصلحته.

قد يكون المطلوب اليوم استعادة أدوات الاحتجاج والمعارضة قبل البحث عن سياسات الضربة القاضــية، أي اســـتعادة حيوية مجتمعية تستطيع أن تضع تعرّجات المصالح والأجسام في وجه سياسات العهد، تعرّجات تسمح بنسج علاقات تتعدى ثنائية السلطة والشعب. وربّما المطلوب سياسات تبحث عن الانفصال عن الدولة أو على الأقل تنزل الدولة رتبة في مخيلتها السياسية لكي تفسح المجال أمام عودة هذه الأجسام المجتمعية. بهذا المعنى، قد تشـــكل الـيوم معركة نقابة المهندسين التي يخوضها المهندس جاد تابت خطوة أهــم من الانتخابات النيابية، بما قد تجنيه إذا استطاعت حيويتها الاعتراضية استعادة نقابة، ومن خلالها شيء من الحيز العام.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة