الأربعاء ٢٤ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ٨, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
إيزيديو العراق في مصيدة التنافس المتطاير في جوارهم على «الجبل الملعون» - مهى يحي
في الثاني من كانون الثاني (يناير) الماضي، أغلقت حكومة إقليم كردستان مكاتب «يزدا»، وهي منظمة غير حكومية في دهوك توفر دعماً حيوياً للإيزيديين الذين فروا مما يسمى «دولة إسلامية» في العام 2014. وقد بثّ إغلاق أبواب «يزدا» القلق في أوساط اليزيديين على مستقبلهم في يد قيادة حكومة كردستان الإقليمية. وأعادت هذه الخطوة تذكير اليزيديين بأنهم عالقون في شراك شد حبال بين الفصائل الكردية من جهة، وبين الأكراد والحكومة المركزية العراقية، من جهة أخرى.

ومذّاك، فتحت «يزدا» أبوابها مجدداً، يبدو أن أحد أسباب إغلاقها يعود إلى مساعدتها 3 آلاف عائلة إيزيدية في جبال سنجار، وتوفير الغــذاء وسلع حيوية أخرى لهم عبر برنامج الأمم المتحدة للتنمية. وقد قيّدت حكـــومة إقليم كردستان دخول السلـــع إلى سنجار- والمنطقة هذه موئـــل اليزيديين - مخافة أن تؤول إلى يــدَي الخصم المنتشر في المنطقة، أي «حزب العمال الكردستاني».

ليست جبال سنجار، الممتدة على الحدود بين العراق وسورية، ميدان نزاع بين حكومة إقليم كردستان وحزب «العمال الكردستاني» وحسب. ففي عهد نظام الرئيس صدام حسين، شن الأخير حملة «تعريب» في المناطق التي يهيمن عليها الأكراد، والتي يقطنها كذلك الإيزيديون الذين اعتُبروا حينها عرباً لا ينتمون إلى الإتنية الكردية. فنقل الآلاف منهم من بيوتـــهم وقراهم في جبال سنجار إلــــى وحدات منزلية جديدة أطلقت عليـــها أسماء عربية. وإثر سقوط نظـــام البعث في نيسان(أبريل) 2003، صار شطر راجح من المناطق المُعَرَّبة موضع نزاع بين العرب والأكــــراد. ومذّاك، يدور قسم كبير منها في فلك دوائر نفوذ حكومة كردستان الإقليمية. وعام 2014، فاقمت هجمات «داعش»- وهذه خلفت عدداً مروعاً من الضحايا وأضراراً مرعبة في مــــوارد العيش والرزق- سوء أوضاع الإيزيديين. بعض هؤلاء يعتقدون بأن قوات البيشمركة التابعة للحزب الكردستاني الديموقراطي، بقيادة مسعود بارزاني، وهو كذلك رئيس حكومة إقليم كردستان، «انسحبت انسحاباً تكتيكياً» من جبال سنجار في 2014، وتركتهم لمصيرهم تحت رحمة «داعش». ووحده تدخل «وحدات الحماية الشعبية»، الوثيقة الصلة بـ «العمال الكردستاني»، حمى الإيزيديين وحرر بلداتهم وقراهم.

نظرت تركيا وحكومة إقليم كردستان إلى هذه الحوادث الطارئة بعين القلق. فالأتراك يناوئون تمدد «وحدات الحماية الشعبية» إلى مناطق نفوذهم، وهم يعتبرون أن «وحدات الحماية» هي امتداد لـ «العمال الكردستاني» الذي شن طوال عقود تمرداً على الحكومة التركية. وعارضت كذلك حكومة كردستان الإقليمية «العمال الكردستاني» ونفوذه في منطقة سنجار. ولوّح الأتراك باحتمال طرد «الكردستاني» من منطقة سنجار، إذا أخفقت حكومة كردستان الإقليمية في وقف تمدده. وأصدرت الولايات المتحدة بدورها بيانات لا تغرد خارج سرب تركيا وحكومة كردستان الإقليمية، ووصفت انتشار «العمال الكردستاني» بأنه عائق يحول دون المصالحة وعودة الإيزيديين النازحين إلى منازلهم. وفي الأثناء، أعلن حزب «العمال الكردستاني»، أنه سيتصدى لأي عملية عسكرية تستهدفه.

وبعثت هذه النزاعات السياسية التوتر بين هوية اليزيديين المركبة، فهم إتنياً أكراد، ولكن معتقدهم الديني خاص بهم (دون غيرهم). وهم يُعتبرون من الإتنية الكردية الناطقة بالكرمنجية، ولكنهم، في الوقت ذاته، يتمايزون عنها بديانة مختلفة. وهم طائفة توفيقية تدمج بين الزرادتشية واليهودية والمسيحية والإسلام، ويبجلون الطاووس ملك (رئيس الملائكة). وتقسّم بُنى اليزيديين الاجتماعية الطائفة إلى ثلاث مجموعات اجتماعية يحظر الزواج في ما بينها، على رغم ترابطها واعتمادها المتبادل على بعضها. ويصبغ هذا التوتر بين هويتهم الإتنية (الكردية) وبين بنيتهم الاجتماعية ومعتقداتهم الدينية، النزاع على الطائفة بصبغته.

ولذا، يترتب على مسألة هوية الطائفة الأيزيدية مضاعفات سياسية متباينة. فاللاعبون السياسيون من خارج هذه الجماعة يسعون إلى تعريف أبناء الطائفة هذه تعريفاً يخدم أجنداتهم السياسية الخاصة.

وسلطت حكومة إقليم كردستان الضوء على الهوية الكردية للإيزيديين، في خضم مساعيها لتوكيد حق الأكراد في المناطق المتنازعة التي يتحدرون منها. ودعم البارزاني الإيزيديين الذين طالبوا بحكم ذاتي في جبال سنجار. ويرى رئيس حكومة كردستان الإقليمية أن نسبه الإيزيديين إلى الأكراد هو من سبل إعلان الحق في الأراضي المتنازعة هذه. ولكن ترجيح كفة «كردية» الإيزيديين يرمي كذلك إلى استمالة تأييدهم للسلطات السياسية في حكومة إقليم كردستان، وهي غارقة في لجج أزمة سياسية واجتماعية – اقتصادية، في آن. ففي العامين الأخيرين، تعثر دوران عجلة هذه الحكومة. وانتهت ولاية البارزاني في آب (أغسطس) 2015، ولكن الانتخابات لم تُنظم لانتخاب رئيس جديد، في وقت لم يجتمع البرلمان الكردي الإقليمي منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 بسبب خلافات سياسية. وفي الأثناء، حجبت بغداد مستحقات حكومة كردستان الإقليمية المالية، رداً على سيطرتها الأحادية على قطاع النفط في كردستان. وهذا بدوره أجبر الحكومة على التزام إجراءات تقشف، منها تأخير دفع رواتب الموظفين المدنيين طوال أشهر. واجتاحت تظاهرات عدداً كبيراً من مدن كردستان العراق، وشارك فيها أطباء، وأعضاء في الشرطة، ومعلمون، وغيرهم، في وقت تعاظمت القيود على حرية التعبير، وقُتل في آب المنصرم صحافي يبدو أنه كان على صلة بــ «حزب العمال الكردستاني».

وعلى خلاف حكومة إقليم كردستان، شددت الحكومة العراقية على هوية الإيزيديين العربية – العراقية، وهذا يخدم سردية الهوية العراقية الوطنية الجامعة، ويدعم في الوقت ذاته مطالبة الحكومة الفيدرالية بالسيطرة على المناطق التي يتحدّر منها الإيزيديون. وزاد من حدة موقف الحكومة المركزية إنزالُ الـ «حزب الديموقراطي الكردستاني» دماراً واسع النطاق بمنازل يملكها العرب في المناطق التي تم تحريرها من قبضة «داعش». وأشارت تقارير إلى أن الأكراد يستقرون في منازل العرب في المناطق هذه.

ولكن كثراً من اليزيديين يخالفون، اليوم، حكومة كردستان الإقليمية والحكومة العراقية، على حد سواء. فهم يسعون إلى تعريف أنفسهم كأقلية دينية وليس كحلقة من حلقات إتنية أوسع. ويرون أن ترجيح هويتهم الدينية هو سبيلهم إلى الإعلان أن طائفتهم كيان مستقل بذاته. والصفة هذه (الكيان المستقل) تخولهم المطالبة بحق قوميتهم في الإدارة الذاتية، وهو حق مكرس في المادة 125 من الدستور العراقي. وإبراز هويتهم الدينية هو، كذلك، سبيل إلى ضمان حقهم في العودة إلى مسقط رأسهم في قراهم، واستعادته من حكومة كردستان الإقليمية، التي أنكرت مثل هذه الحقوق على السكان العرب.

يفتقد الإيزيديون إلى الثقة بحكومة إقليم كردستان الإقليمية وبالحكومة العراقية، ولا يعولون ـــعلى قدرتهما أو رغبتهما في حمايتهم إذا ما تعرضوا إلى هجوم مثل هجوم 2014. ويعود، جزئياً، رفض الإيزيديين العودة إلى بلداتهم ومدنهم المحررة أخيراً إلى غياب الثقة هذا. وشعورهم بأن الجيران العرب خانوهم يؤجج غياب الثقة والارتياب.

ليس الإيزيديون وحدهم من يقلقون على مصيرهم في عراق ما بعد «داعش». إذ يخشى شطر راجح من الأقليات في محافظة نينوى وقوعه ضحية التوترات بين بغداد وحكومة إقليم كردستان، مثلما يخشون احتمالات إراقة الدماء في مجتمع يتعاظم طابعه العسكري. وتظهر أوجه كثيرة من مصير الإيزيديين أن مآل الهويات السياسية التي يسهل التلاعب بها لا يقود سوى إلى طريق مسدود. ومثل هذه الهويات، يعرّض الإيزيديين إلى خطر متعاظم، عوض أن يحميهم.

* مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
الرئيس العراقي: الانتخابات النزيهة كفيلة بإنهاء النزيف
الرئيس العراقي: الانتخابات المقبلة مفصلية
«اجتثاث البعث» يطل برأسه قبل الانتخابات العراقية
الكاظمي يحذّر وزراءه من استغلال مناصبهم لأغراض انتخابية
الموازنة العراقية تدخل دائرة الجدل بعد شهر من إقرارها
مقالات ذات صلة
عن العراق المعذّب الذي زاره البابا - حازم صاغية
قادة العراق يتطلّعون إلى {عقد سياسي جديد}
المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي - حازم صاغية
هل أميركا صديقة الكاظمي؟ - روبرت فورد
العراق: تسوية على نار الوباء - سام منسى
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة