الأربعاء ٩ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: أيلول ١٤, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
«الإخوة الأعداء» في ساحة الإسلام السياسي - وحيد عبد المجيد
تتسم الصراعات بين الجماعات والأحزاب التي تقوم على عقيدة أو هوية دينية أو عرقية أو قومية متطرفة بأنها أكثر حدة من التنافس بين أي منها وأحزاب أخرى. لوحظ ذلك مثلاً في مرحلة صعود الأحزاب الماركسية وانتشارها بين منتصف القرن التاسع عشر وأواخر القرن العشرين.

وعندما وصل أكبر حزبين شيوعيين في العالم إلى السلطة في الاتحاد السوفياتي السابق ثم الصين، صار الصراع بين الدولتين أكثر حدة من صراع كل منهما ضد «العدو المشترك» الأميركي– الغربي– الرأسمالي.

وقل مثل ذلك عن العلاقة بين الجماعات والحركات الإسلامية منذ بدأ نجمها يصعد في السبعينات. فقد صعدت تنظيمات تحمل توجهات سياسية مباشرة صارت تُعرف بحركات الإسلام السياسي على حساب جماعات دعوية تقليدية لم يلبث عدد متزايد منها أن دخل ساحة العمل السياسي، فصارت الدعوة أداة لهذا العمل.

وعلى رغم أن ظروفاً موضوعية ومصالح آنية دفعت بعض تنظيمات «الإخوان المسلمين» وجماعات ذات توجهات سلفية إلى التعاون في بعض المراحل، افتقر هذا التعاون إلى مقومات العمل الاستراتيجي المشترك، لأن كلاً من الطرفين يؤمن بأنه ممثل حصري للإسلام، وأن أحداً لا يصح أن يشاركه فيه.

لذلك يظل الصراع قاعدة، والتعاون استثناء، في العلاقة بين التنظيمات ذات المرجعيات الإسلامية، مثلها في ذلك مثل الجماعات التي تؤمم هوية ما أو تحتكر عقيدة معينة. وليست «الأخوة» التي تظهر على سطح العلاقات بينها إلا غطاء لعداء كامن تحت هذا السطح. وما «الإخوة الأعداء» في هذه الحال إلا وجه آخر لـ «الرفاق الأعداء» في حال الأحزاب الشيوعية.

غير أن هذا النوع من الصراع لم يبلغ في أي وقت، ما وصل إليه في مصر خلال الأسابيع الأخيرة بين «الإخوان المسلمين» الذين يرزحون للعام الرابع على التوالي تحت وطأة «المحنة الثالثة» في تاريخهم، وأحزاب وجمعيات وشخصيات سلفية رفضت مؤازرتهم عندما اختارت قيادتهم طريق الصدام بعد إسقاط سلطتهم منتصف 2013.

وعلى رغم أن الصراع مستمر على هذه الخلفية مذّاك، فقد توسع نطاقه ودخل مساحات جديدة بعدما قدم ثلاثة من كبار الدعاة شهادات حمَّلوا فيها «الإخوان» المسؤولية كاملة عن الصدام الذي بدأ في تموز (يوليو) 2013.

نأى الشيوخ محمد حسان وجمال المراكبي وعبدالله شاكر بأنفسهم عن الصراع الإخواني – السلفي طول السنوات الثلاث الماضية، قبل أن يغوصوا فيه ويلقوا ما يشبه قنبلة غاز أجَّجت ناره التي لم تبرد طوال تلك الفترة. فقد جددت الذكرى الثالثة لفض اعتصام رابعة العدوية في 14 آب (أغسطس) الماضي الجدل حول الوساطات التي سعى أصحابها إلى تسوية تتيح إنهاء ذلك الاعتصام بطريقة سلمية، وأسباب فشلها في حفظ الدماء التي أُسيلت وتجنب الاحتقان المجتمعي الذي ترتب عليها.

وأُعيد في سياق هذا الجدل إنتاج الاتهامات المتبادلة بين الإخوان والسلفيين منذ افترقت بهم السبل في أول تموز 2013. غير أن إدلاء الشيوخ الثلاثة بشهادات تفصيلية للمرة الأولى في هذه المناسبة، لتبرئة أنفسهم من الاتهام بالمشاركة في المسؤولية عن الدماء التي أُريقت، رفع منسوب الصراع إلى مستوى لا سابق له. وانهمكت القنوات الفضائية التابعة لكل من الطرفين لأيام طويلة في حملات هجاء متبادلة انطوى بعضها على تكفير ضمني.

المهم أن هذه المعركة الضارية، وبعيداً عن تفاصيلها، تؤكد مُجدَّداً أن أي تعاون بين جماعات تزعم التعبير عن هوية أو عقيدة معينة لا يمكن إلا أن يكون موقتاً، مهما بلغ حجمه، وحتى إذا بدا أنه يمكن أن يقود إلى انعطافة تاريخية كبرى في لحظة معينة.

وبدا ذلك فعلاً في مصر عندما فض «الإخوان» التحالف الذي شاركوا فيه مع بعض القوى المدنية عقب ثورة 25 يناير، وفضلوا التحالف مع حزب النور ذي التوجهات السلفية عندما حصد ربع مقاعد البرلمان نهاية 2011.

تصورت قيادة «الإخوان» حينئذ أن حجم السلفيين كما أظهرته تلك الانتخابات أكبر من أن يمكنها تجاهله، بخاصة حين شرعوا في المزايدة عليها في مجال الأسلمة الســياسية، وليس أسلمة المجال الاجتماعي فقط، في الوقت الذي شُكلت الجمعية التأسيسية للدستور في آذار (مارس) 2012.

وبدا أن التحالف بين «الإخوان» والسلفيين في ذلك الوقت سيُغيّر صورة مصر. فقد استغل طرفاه الغالبية التي استحوذا عليها في الجمعية التأسيسية، ثم السلطة الرئاسية التي اقتنصها «الإخوان» في ذروة قفزتهم على ثورة 25 يناير، لتمرير دستور مُحمّل بنصوص تفتح باباً إلى صبغ السلطة السياسية بصبغة دينية.

غير أنه لم تمض ستة أشهر على إصدار هذا الدستور حتى بدأت التيارات الرئيسية في أوساط السلفيين تنفض من حول «الإخوان» تدريجياً حين تصاعدت الأزمة السياسية لأسباب كان أولها وأهمها الدستور الذي نتج من تحالف الطرفين. وتحولت العلاقة بينهما إلى عداء منذ اختار «الإخوان» طريق الصدام في تموز 2013.

حتى الدعاة الثلاثة، الذين كانوا آثروا الابتعاد عن المعركة الضارية بين «الإخوة الأعداء»، انخرطوا فيها أخيراً، بل ألقوا مزيداً من الزيت على نارها، على رغم أنهم كانوا الأقرب إلى قيادة جماعة «الإخوان»، ولعبوا دوراً رئيساً في دفعها إلى التحالف مع السلفيين. فعندما أراد قادة جماعة «الإخوان» الاقتراب من التيارات السلفية، شكَّل نائب مرشدها العام المحبوس حالياً خيرت الشاطر «مجلس شورى العلماء» و»الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح». وكان ثلاثتهم في مقدم أعضاء كل منهما.

ولا غرابة في ذلك لأن الأحزاب والجماعات والتيارات «الكلية»، أي التي تزعم أنها تمثل الكل وليس جزءاً منه، تنزع بحكم تكوينها إلى الاحتكار والهيمنة على كل ما عداها، ولو حدث تحالف بينها في لحظة ما. لذلك ما كان لتحالف «الإخوان» مع السلفيين في 2012 إلا أن ينتهي بسرعة، بصرف النظر عن نتائجه، مثله في ذلك مثل أي تعاون بين جماعتين يقوم كل منهما على احتكار الساحة المتعلقة بالهوية التي يريد تمثيلها حصرياً في المجال العام، ثم يسعى إلى احتكار هذا المجال برمته بعد ذلك.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة