المشكلة واضحة. الهدف واضح. والطريق واضح. فساد الطبقة السياسية هو المشكلة. الهدف هو دولة الحقّ والقانون، المدنية العلمانية الديموقراطية. والطريق إلى الهدف يشقّه المدنيون، في طموحاتهم وعثراتهم، في أعدادهم القليلة، الظاهرة واليقِظة، وفي أعدادهم الغفيرة، الخفيّة والنائمة. هؤلاء وأولئك، هم خلاص لبنان.
اللبنانيون الأحرار، الحكماء، الأذكياء، الأوادم، والأنقياء، ذوو الأيادي النظيفة، والعقول النظيفة، الذين يطوون الليالي والنهارات، ليفتحوا ثغرة في الأفق الوطني المسدود، باحثين عن كيفيات خروج لبنان من عنق الزجاجة، المحلي، والإقليمي، والدولي، أقول لهم الآتي: لا تبحثوا عن حلول واهمة لدولتنا الموقوفة، في أوساط الطبقة السياسية الموبوءة، ولا في دهاليز المؤسسات الدينية والطائفية. لا تبحثوا عنها في سوريا النظام، وإيران الملالي، وتركيا السلطانية، و"دواعش" التشبيح والتكفير، وغطرسات الدول العظمى ومصالحها الدنيئة. عبثاً تبحثون في هذه الأوكار عن سبل تحرير الدولة من سارقيها ومغتصبيها والمتناوبين عليها. ابحثوا عن الحلول في أنفسكم، ولا تأتمروا بـ "إله"، أياً يكن هذا "الإله". كثرٌ منكم، توهّموا في ما مضى، ولا يزال غيرهم يتوهّم حتى الآن (!)، بأن ثمّة "مخلّصاً"، واحداً من هنا، وواحداً من هناك، قد يجترح الخلاص. اتّعِظوا من تجارب "المخلّصين"، ومن تجارب الموهومين، ومن حرائق أيديهم. واستشرِفوا ماذا ينتظر "المخلّصين" والواهمين الباقين. أولادنا يولدون بأحلام مجهضة. لذا يهاجرون. ويهربون. هم يريدون أن يولدوا من جديد بأحلام طبيعية، في أمكنة طبيعية، حيث دولة الحقّ والقانون المدنية هي الدولة، وهي الحل. لا طريق إلى هذه الدولة إلاّ بالفكر العقلاني، ولا يشقّ هذا الطريق إلاّ المدنيون الأحرار. فاستنهِضوهم. وأيقِظوهم. وزلزِلوا نومهم. وبلوِروا أفكارهم. ونظِّموا صفوفهم. ودرِّبوهم. وعلِّموهم. وقوّوا معنوياتهم. ودجِّنوا يأسهم. ولا تجعلوهم يستسلمون. هذا هو المختبر. هذا هو الهدف، وهذا هو الطريق. خطيئة المدنيين الكبرى، ليست في ارتكاب الخطايا، بل في الانفعال والانتفاخ والتشرذم، وعدم توليد الأفكار، والاكتفاء بالمراوحة، وبرفع الأعلام البيض.
من أجل إنجاز الحل الوطني، ليس مسموحاً لأحد بأن يتعب. ويضجر. وييأس. ليس مسموحاً لأحد بأن يحيل نفسه على التقاعد، وإن ذهب الكثيرون منا إلى القبور. أو إلى المنافي. أوعا الانفعال، أوعا التشرذم، أوعا المراوحة. وأوعا اليأس.
"الممانعة" المدنية، الأخلاقية، فالسياسية والفكرية، هي المطلوبة. يجب تنظيم هذه الممانعة. التخفي وراء المكابرات الساذجة والهوبرات والشعارات الفارغة، يفضي إلى عكس النتائج المرجوّة. يجب أن يعرف المدنيون الحقيقة: التحدي الذي يواجههم - وهم "أمّ الصبي" - ليس أقلّ من تركيع المستحيل. المطلوب أن يجترحوا كيف يركّعون هذا المستحيل! |