Deprecated: GetLink(): Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : واقع «أكرادنا» وسردياتهم - عمر قدور
الجمعه ١١ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: أيلول ٥, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
واقع «أكرادنا» وسردياتهم - عمر قدور
مع التدخل التركي المباشر في جرابلس السورية، فضّل الإعلام التركيز على الصراع التركي - الكردي، في تغييب ليس الأول من نوعه لسكان المناطق التي يجري فيها الصراع. فنحن، وفق هذه الرواية، أمام مشروع كردي تعترضه ممانعة تركية فحسب. هكذا، لا أسئلة عن المشروع نفسه، ولا عن الغالبية السكانية وإراداتها، ولا حتى عن مدى تقاطع التدخل التركي مع تلك الرغبات، الأمر الذي لا يفضحه احتفاء معارض «عربي» به إلا بالقدر نفسه الذي يفضحه هجاء كردي حاد لأولئك المُحتفين.

سبق ذلك أن تم التعامل إعلامياً مع التقدم الكردي، المدعوم أميركياً وروسياً ومن النظام سابقاً، كأنه تحرك اعتيادي في ساحة حرب بلا أصحاب، أو هي مُلْك متنقل بين أصحاب القوة. فلم تُؤخذ بالحسبان الحساسية المتبادلة بين الأكراد والعرب، ولا الدعاوى الكردية التي قفزت فجأة إلى الواجهة لتبتلع الشمال السوري كله، بلا سند سوى مقولات عن حق تاريخي تستقوي بذاك الدعم. وهي مقولات تذكر بالخارطة البعثية السيئة الصيت، التي كانت تضم إلى «الأمة العربية» شمالاً يتضمن جبال طوروس، بما فيه مناطق متنازع عليها بين أكراد تركيا وحكوماتها.

وإذا تذكرنا التجربة البعثية، بمآلاتها في البلدين، قد يكون واجباً التيقظ أمام التجارب كافة التي ترِد منهل التاريخ ذاته. لا يخرج عن ذلك القولُ بأن بعثاً كردياً يذهب إلى الحج، بينما يتهيأ عرب كثر إلى العودة منه، حتى لو كانت العودة الآن إلى طوائف ونُحل. بل لعل هذه العودة تؤكد هشاشة الرابطة العربية واليأس منها، بعد استنفاد فرصتها على حساب العرب وغير العرب. وقد يكون المثل الأكثر ابتذالاً اليوم، بحكم تكراره، أن يُستنفر العرب عرباً في مواجهة الأكراد، بعد عقود من استنفار الأكراد كرديتهم في مواجهة البعثَيْن.

من دون اعتراف متبادل، يتأسس على الحاضر بالضرورة، لن يتقدم «الطرفان» أي خطوة، إلا في صراع دموي طويل. وتدلل طبيعة الصراع الحالي على صعوبةٍ تلامسُ المستحيل في إيقاع ضرر وجودي بالآخر، من دون أن يطاول الضرر الوجودي الذات. هكذا مثلاً، على سبيل سخرية الواقع، يتراجع عدد الأكراد في مناطق الوجود الكردي مع تقدم قوات وحدات الحماية الكردية على الأرض، وهكذا أيضاً تعج بلدان اللجوء بأكراد تُستبعد عودتهم إلى موطنهم، على المثال الذي يخص نظراءهم العرب.

الاعتراف المتبادل يقتضي إقرار عرب سورية بوجود قضية كردية سورية، «قضية» بمفهومها الدلالي الواسع، لا مجرد مشكلة أو مطالب ثقافية. لكن يقتضي أيضاً من الجانب الكردي، تفكيك القضية الكردية في سورية وتخليصها من سرديات متناقضة تثير التشوش لدى جمهور كردي، مثلما تثير اللبس لدى «خصم» عربي. فحتى الآن، لا يُفهم على نطاق واسع مؤدى القضية الكردية، سواء من الأكراد أنفسهم أو من العرب. لا يُفهم ما إذا كانت القضية الكردية السورية مطروحة على السوريين فقط، أم هي مطروحة في مجملها على مجمل حكومات المنطقة وشعوبها، وتتطلب تالياً حلاً يتضمن إعادة رسم خريطة المنطقة؟

في السياسة، المسألة ليست في تعاطف نبديه (أو لا نبديه) مع الأكراد، على رغم استحقاقهم له. المسألة هي في بعدها الواقعي، وإذا قبل عرب سورية، وليتهم يفعلون، إجراء استفتاء في مناطق الوجود الكردي على قاعدة حق تقرير المصير، وإذا افترضنا اقتراع الأكراد لمصلحة الانفصال، فكيف سيتدبر الأكراد أمر مناطقهم المنعزلة جغرافياً، والتي لن تكون بحكم التوزع الديموغرافي سوى جزر معزولة؟ وإذا افترضنا إمكان انضمام منطقة الجزيرة إلى إقليم كردستان العراق، فماذا عن عفرين مثلاً؟ ولماذا، وبأي حق يُطلب من عرب سورية التخلي عن مساحات شاسعة من أراضيهم لتأمين دولة قومية متواصلة جغرافياً؟

وإذا افترضنا اقتراع الأكراد لمصلحة البقاء ضمن سورية، فكيف ستكون طبيعة وجودهم؟ والسؤال هنا لا يذهب إلى طبيعة النظام السياسي العام، حيث يُرجح ألا يكون أي نظام قادم مركزياً قوياً على مستوى البلد ككل. السؤال يتعلق أساساً بطبيعة الخيار الكردي، وما إذا كان مرحلياً أم نهائياً؟ من الإجابة عن هذا السؤال أيضاً، توضع الأفكار الكردية على محك الواقع، فهي إما سرديات قومية لا ترى سورية إلا كتفصيل ضمن «نضال» أشمل، أو هي مستعدة للتنازل إلى ما هو أقل من تلك التطلعات.

لا يخفى أن التركيز على العدو التركي، من أكراد سوريين، يستبطن معضلة الاستقلال عن سورية في حال عدم تحقق الاستقلال عن تركيا، لذا كانت أشنع تهمة يوجهونها للعرب هي التبعية لتركيا. فاتصال مناطق الوجود الكردي السوري لا يتحقق إلا من خلال كردستان الكبرى، ومن هذه الناحية وحده حزب العمال الكردستاني يحل المعضلة، بوصفه حزباً قومياً عابراً للحدود، ولندع جانباً مقولاته السطحية والديماغوجية عن «الأمة الديموقراطية» ذات المكونات المتعددة، فمن المعلوم أن سلاح الحزب لا تسيره الديموقراطية إزاء الأكراد أولاً لتحكمه إزاء المكونات الأخرى تالياً.

في الشق السوري، ما يحدث هو الاحتكام إلى دعاوى مبنية على تاريخ متبدل الأطوار، ومن مراوغة التاريخ ألا يمنح حجة لطرف إلا ويكون حجة عليه. الآن، بحكم التحالفات الخارجية ليس إلا، يبدو الاحتكام إلى السلاح سهلاً لدعم الطامحين كافة، وهو في كل الأحوال أسهل على الجميع من الاحتكام إلى عملية ديموقراطية لن تسر خاطر المتخاصمين. وعلى العكس مما يُظن، أية عملية ديموقراطية حقيقية لن تكون مبعث سرور للقوميين الأكراد مثلما لن تكون مرضية لنظرائهم العرب. فوفق عملية ديموقراطية حقيقية، سيكون مطلوباً من الأكراد أيضاً الانخراط في السياسة بوصفها فن الواقع، بدل الغرق في المظلومية وسردياتها المتضخمة، وسيتحتم عليهم الإجابة عن الواقع الكردي في سورية بدل الالتجاء إلى عمومية القضية في المنطقة.

حتى الآن، لا توجد ترجمة كردية سورية لحق تقرير المصير الذي يُطالب به، وعدم إقرار الطرف العربي به ينبغي ألا يمنع نضج تصور كردي واضح. تلك المراوحة بين عملية قضم خارج مناطق الوجود الكردي والمناداة بنظام سياسي جديد لسورية، لا تجيب بشفافية عما يريده الأكراد في النهاية. إنها في حدها الأدنى دلالة على فصام وتشوش في الرؤى الكردية.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة