Deprecated: GetLink(): Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : في أخلاقية نظام الحكم العلماني والدولة المدنية! - صلاح سالم
الجمعه ١١ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: أيلول ٥, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
في أخلاقية نظام الحكم العلماني والدولة المدنية! - صلاح سالم
يتصور أرباب العقل السلفي أن الدولة المدنية ليست إلا صندوق الرذائل والشرور كلها، فيما الدولة الدينية (دولة الشريعة) حاملة الفضائل والخيرات كلها. هذا الفهم يتأسس على مقدمتين أساسيتين تحتاجان إلى نقاش: أولاهما أن الدولة المدنية ذات أخلاق مادية، تتعارض بالضرورة مع القيم الروحية. وثانيتهما أن كل دولة مدنية صورة طبق الأصل عن الأخرى. فدولة كمصر، غالبية مواطنيها مسلمون لا تختلف عن دولة كألمانيا غالبية مواطنيها مسيحيون، لكنْ في ألمانيا حزب كبير (الديموقراطي المسيحي) لا يُكفِّر الاشتراكيين، بل يحترم نظام الحكم العلماني...

البادي هنا أن نظام الحكم (العلماني) لا يعني أكثر من كونه جهازاً محترفاً، وظيفته إدارة المجال العام، وهو جهاز محايد بالضرورة لا يحمل قيماً بذاتها إيجابية أو سلبية، مادية أو روحية، بل يحمي قواعد قانونية شُرّعت باستلهام المبادئ الدستورية التي أقرها الشعب باعتباره مصدر السيادة الأعلى، وهي مبادئ قد تكون القيم الدينية في صميمها وقد لا تكون. ومن ثم فإن العامل الحاسم في تمييز الدولة المدنية، القائمة على نظام حكم علماني، عن نقيضتها الدينية، لا يتمثل في درجة التزام المرجعيات القيمية الأخلاقية والروحية، بل في تقنين آلية الإلزام، حيث تؤكد المرجعية القيمية السائدة حضورها المباشر من خلال النخبة التمثيلية المنتخبة، دونما حاجة إلى هيئة دينية خاصة تدعي النطق باسمها، لأن مثل هذه الهيئة تضعنا في النهاية أمام كهانة سياسية من طراز قروسطي أو ولاية فقيه شيعية أو، على الأقل، هيئة سنية للحل والعقد يتوارى معها جوهر الدولة المدنية، العقلاني والإنساني، خصوصاً أن معظم الدول الوطنية المعاصرة صارت تنضوي على رعايا لأديان مختلفة، لا يمكن العدل بينها إلا عبر الحياد القانوني، وليس التمثيل الديني.

وهكذا تكــــون الدولة المدنية بمثابة إطار جامع تتماثل فيه هياكـــــل السلطـــــات الثلاث الأساسية لنظـــام الحكم، وتتشابه داخله آليــات التــــوازن والرقــــابة بينـهـا، أما اللب داخل هذا القالب فمـــختلف بوفـــق السياقات التاريخية للمجتمعات الإنــسانية، ما يدفـــع إلى اخـــــتلاف دستــــور هذه الـــدولــة، ولتكـــن مصر مثلاً، حيث تسود مرجعية قيمية تجمع بين الأخلاق الإسلامية والتقاليد الحديثة، عن تلك الدولة، ولتكن ألمانيا، حيث تسود مرجعية قيمية تجمع بين الأخلاق المسيحية والتقاليد العصرية.

وربما كان هناك مقدار من الاختلاف بين درجة التزام القيم الدينية في القوانين بين البلدين وفق درجة التدين المختلفة بين الشعبين، لكن ما يعكس هذا الاختلاف إنما هو الضمير العام لجماعة المشرعين، المنتخبين هنا في مصر بالطريقة نفسها التي انتخبوا بها في ألمانيا، وفق إرادة أغلبية الجماهير، وليس إرادة القلة من رجال دين، يتحكمون بمصالح الناس العملية ويخضعونها لرؤاهم الأيديولوجية، كما هو الأمر في الدولة الدينية، حيث مصدر الشرعية هو الشريعة لا الأمة، والنيابة فيها عن الله وليس عن الشعب.

طالما أعلن الإسلاميون في مصر، مثلاً، كراهيتهم للدولة المدنية باعتبارها الدولة التي كانت قائمةً قبل 25 يناير، والتي تعرضوا فيها لقمع أعجزهم عن الحركة. لكن ما يجهلونه أن هذا القمع لا يرجع إلى مدنية الدولة آنذاك، بل إلى استبدادها. فالدولة المدنية، كما نظام الحكم العلماني، ليست بالضرورة فضاءً للحرية، بل تكون أحياناً مستبدةً، فالعلمانية علة ضرورية للديموقراطية، لكنها علة غير كافية. ولأن مصر كانت مدنيةً ومستبدةً في آن واحد، عانى أرباب التيار الإسلامي، كغيرهم من أنصار التيار الليبرالي، من استبدادها. لكنهم، في المقابل، استفادوا من مدنيتها. لقد مورس ضدهم بالفعل قمع «سياسي» من قبل دولة «مستبدة» سعت إلى احتكار «السلطة»، تكيفوا معه بمهادنة تلك الدولة وأجهزتها الأمنية، بتبريرات شتى واجتهادات عدة، الأمر الذي أعاق مشاركتهم في الحياة السياسية، مثلما أعاق غيرهم، لكن من دون تعرضهم لاضطهاد ديني، كان ممكناً، في حال ممارسته من قبل دولة أيديولوجية (طائفية أو مذهبية)، أن يؤدي إلى اجتثاثهم من الوجود، على ذلك النحو الذي أدى إلى التمثيل بجثث المواطنين الخمسة، من ذوي المذهب الشيعي فى إحدى قرى محافظة الجيزة إبان حكم الإخوان المسلمين، عندما أضيف الاضطهاد المذهبي إلى القمع السياسي.

في الدولة المدنية يبقى الانقسام قائماً بين المواطنين، لكنه ليس ذلك الانقسام العميق الغور بين كفار ومؤمنين، بل بين «ليبراليين» و«محافظين»، حيث ينتقل خط التناقض من منطقة الإيمان والكفر بدين معين، إلى منطقة التزام وعدم التزام أخلاقية معينة، فيكون لدينا أناس ملتزمون حرفياً بهذه الأخلاق، وآخرون يميلون إلى تأويلها عقلياً، يسمون ليبراليين. وهناك بالتالي مسلم حقيقي يؤدي العبادات، ويرعى الفضائل الجوهرية للدين، لكنه يبدو ضعيفا فى مواجهة أمر معيّن، كما يعجز كثيرون من مدّعي التدين أمام داء كالكذب أو النفاق، ومن ثم يظلون مسلمين ليبراليين، ولا يستحيلون كفاراً.

والسؤال الذي غالباً ما يطرحه عقل الإسلام السياسي: ولماذا لا تسعى الدولة إلى رعاية الدين وفرض الأخلاق المحافظة بقوة القانون، بحيث يتم تجريم الخمر، مثلاً، فيُمنع تصنيعها وتداولها؟ والإجابة ببساطة أن هذا المسعى يبقى صعباً من الناحية العملية، لأن سلعةً ما تم اختراعها وعرفها الناس لا يمكن أن تختفي بقانون. حتى المخدرات التي تختفى ظاهرياً، لتظهر فى سوق سوداء باطنية، ترتفع أسعارها ويتاجر فيها الأشقياء. ويبقى خاطئاً لأنه لا ولن يصنع أناساً أخلاقيين حقاً بل منافقين حتماً، يشتاقون باطناً إلى الخطأ الذى لا يردعهم عنه سوى قوة السلطة، لا يقظة الضمير. وهنا يكمن الفارق الأساسي بين دور الدولة في رعاية القانون، ودور الدين في رعاية الضمير، فالإنسان يجب أن يعرف ربه بحرية تامة، يطيعه أو يعصاه، ولن يكون مؤمناً حقاً إلا إذا كان حراً تماماً.

أما الخروج على قاعدة الضمير، والخضوع لقوة السلطة، فلا يعنيان سوى استعادة تاريخية لمحاكم التفتيش. فالقمع لا يبني إنساناً فاضلاً، ولا مجتمعاً حراً.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة