الأثنين ١٤ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: آب ٢٩, ٢٠١٦
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
مصر تواجه أربع مشكلات مستعصية - سليم نصار
أكثر ما يسترعي إنتباه السيّاح لدى مرورهم في شارع صلاح سالم، أثناء توجههم إلى مطار القاهرة، الساعة الالكترونية المثبتة على الجدار الخارجي لمبنى الجهاز المركزي للإحصاء. وهي ليست لتحديد الوقت، وإنما ساعة مبرمجة لإطلاع المواطنين والغرباء على آخر رقم لعدد سكان مصر.

بما أن الدولة لا تستطيع محاكاة الصين في إصدار قرار يحدد نسبة المواليد بطفل واحد لكل زوجين، فإن مشكلة الإنجاب ستظل تمثل "كعب أخيل" بالنسبة إلى حكومات مصر. خصوصاً أن علماء الدين يتعاملون مع هذه المسألة الحساسة بمنتهى الشدة، بحيث يلتقون مع مواقف الفاتيكان في ممانعة الإجهاض. وهكذا تحولت عملية النمو السكاني المتزايد إلى قنبلة بشرية موقوتة، من المتوقع أن تنفجر وتعطل كل مشاريع الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني.

الخبراء الأميركيون الذين ترددوا على القاهرة في عهد الرئيس حسني مبارك، اقترحوا على مستشاره أسامه الباز ضرورة تأمين كميات كبيرة من حبوب منع الحمل. وبالفعل وُزعت تلك الحبوب كجزء من المساعدة الاقتصادية لمصر.

والثابت أن ردود فعل الرأي العام بالنسبة إلى عملية توزيع الحبوب لم تكن مشجعة. والسبب أن الناصريين والشيوعيين شككوا في أهدافها الاجتماعية، واعتبروا الهبة مؤامرة لتخفيض عدد المسلمين في مصر. كذلك استغلها الموزعون لأسباب تجارية، وراحوا يحتكرونها، ثم يبيعونها في السوق السوداء، علماً أنها كانت تقدَّم مجاناً من ضمن المعونة الأميركية.

المهم في هذا الأمر أن حكام العهود السابقة تهربوا من مواجهة أزمة تكاثر السكان في مصر بحيث قفز الرقم من 23 مليون نسمة سنة 1964 إلى نحو مئة مليون سنة 2016.

المشكلة الأخرى التي تتهيأ مصر لاحتواء أضرارها الخطرة، هي مشكلة استهلاك مياه النيل بعد إنجاز "سد النهضة" في أثيوبيا.

وكان مكتب استصلاح الأراضي الأميركي اقترح، عبر دراسات استمرت من 1959 إلى 1994، إنشاء 33 سداً على النيل الأزرق بعد توزيع فروعها كالتالي: 14 سداً للريّ و11 لتوليد الكهرباء وثمانية سدود لأغراض مختلفة. وذكر التقرير أن سعة التخزين لكل السدود تبلغ 118.45 بليون متر مكعب، على أن تروي مساحة مليون فدّان تحتاج الى 6.4 بليون متر مكعب. وافترضت الدراسة إنشاء أربعة سدود كبيرة على الجزء الأخير من مجرى النهر، هي: سدود كارادوبي ومابيل ومانديا وبوردر.

وفوجئت مصر والسودان بإعلان اثيوبيا عن البدء في إنشاء سد "بوردر" الذي تغير اسمه إلى "سد الألفية"، ثم إلى "سد النهضة". ويُستدَل من المفاوضات التي أجريت خلال السنتين الماضيتين أن السدود الأربعة التي تبنيها اثيوبيا ستتسبب في حدوث عجز مائي في حصة مصر بمتوسط سنوي مقداره 18 بليون متر مكعب سنوياً يجري اقتسامها مناصفة مع السودان حسب اتفاقية عام 1959. ومن المتوقع أيضاً أن تؤثر على وصول المياه الى بحيرة السد العالي، وتقلل من مخزون الماء في بحيرة ناصر بنسبة ما ستأخذه اثيوبيا.

الرئيس الراحل أنور السادات توقع أن حروب المياه ستكون هي الظاهرة المميزة للقرن الواحد والعشرين، تماماً مثلما كانت حروب النفط هي الظاهرة الطاغية طوال مدة القرن العشرين.

وربما تكون منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثراً بعامل المياه. والدليل ما حققته الأطماع الاسرائيلية بعد سرقة مياه أنهر الوزّاني والحاصباني وبانياس واليرموك والأردن. وهكذا تزودت الدولة المُصطنعة بمياه لبنان، في حين حرمت دولة المصدر من حصصها الطبيعية.

ويتذكر المزارعون المصريون أنهم كانوا يصدّرون محاصيل القمح والفواكه والخضار إلى دول الخليج. ولكن تضاؤل مساحات الأراضي المزروعة فرض على مصر استيراد ما نسبته 60 في المئة من هذه المواد الضرورية التي تدفع ثمنها بالعملة الصعبة.

وتؤكد الدراسات التاريخية أن الأسرة الفرعونية التي بنت الأهرامات وتمثال أبو الهول قبل خمسة آلاف سنة، إنهار حكمها بسبب سنوات الجفاف التي أصابت الحبشة والسودان. ويرى الخبراء أن ازدياد عدد سكان مصر بهذه النسبة المرتفعة التي دنت من المئة مليون نسمة، سيخلق مضاعفات خطرة على مختلف الأصعدة المرتبطة بمياه الزراعة وكلفة أسعار الكهرباء والأمور الضرورية.

المشكلة الثالثة التي تقلق المجتمع المصري ليست جديدة على الحكام منذ أعلن حسن البنا سنة 1928 تأسيس جماعة "الاخوان المسلمين" كمنظمة سياسية إسلامية.

على الرغم من معارضة الحكومات التي تصدّت لها، وخصوصاً في عهد عبدالناصر، إلا أن عناصرها ظلت متماسكة، تقاتل من أجل عقيدتها وإسلامها. ومن المؤكد أن هذا التيار الديني المناهض للنظام العلماني بقي يتغذى من حالات الفقر والبطالة، مع وعد بأن تبقى المنابر والمساجد هي المأوى والرجاء. ويرى المراقبون أن القضاء على تنظيم "داعش" في العراق وسوريا سيُضعف قوة "الاخوان المسلمين"، ويحرر الرئيس عبدالفتاح السيسي تدريجياً من طوق تنظيم "ولاية سيناء". علماً أن هذه الظاهرة ستظل جزءاً من تكوين المجتمع المصري، لا فرق أكان ذلك أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، أم في عهد المؤسس حسن البنا ووريثه سيد قطب.

وفي مطلق الأحوال، سيبقى العنف هو طريقها الأوحد الى الشهادة، والى اغتيال المناوئين من أمثال السادات الذي أرداه خالد الاسلامبولي. وقد كرّمه النظام الايراني الذي أطلق إسمه على أحد شوارع طهران، ومنذ ذلك الحين والعلاقات الديبلوماسية مقطوعة بين أكبر بلدين سُني وشيعي!

المشكلة المستعصية الرابعة تأتت من التهميش السياسي المتعمَّد الذي تتعرض له مصر في ظل الاتفاق الذي أخرج ايران من عزلتها السابقة. ذلك أن اتفاق ايران الشيعية مع تركيا السنيّة، خلق فضاء سياسياً جديداً في المنطقة أُخرِجَت منه مصر كحامية لدول الخليج. علماً أن الملك سلمان بن عبدالعزيز كان قد أطلق مبادرة لإنشاء تحالف مؤلف من دول إسلامية (34 دولة) بهدف محاربة الإرهاب. لكن التحالف القائم حالياً بين روسيا وايران وتركيا عطل عمل تحالف الدول الإسلامية، ولو أن سمته سياسيةٌ بامتياز وأنشىء لإراحة كل ضلع من الأضلع الثلاثة. ذلك أن ايران خرجت من عزلتها الشيعية لتجدد ذكرى امبراطوريتَيْن الفارسية والعثمانية. وكان من الطبيعي أن تريح التوازنات الجديدة زعيم "حزب العدالة والتنمية" رجب طيب أردوغان الذي سهَّل للإدارة الأميركية قرار تسليم خصمه فتح الله غولن، عندما وعد بإنزال عقوبة المؤبد بمدبر الانقلاب الوهمي، وليس عقوبة الإعدام. خصوصاً أن الأحداث الأخيرة أثبتت أن الصراع في تركيا هو صراع بين جناحَيْن إسلاميَيْن، تماماً كالصراع الذي نشأ بين "حزب الله" والعلامة محمد حسين فضل الله.

أما بالنسبة إلى دور روسيا داخل هذا التحالف، فقد تسلح الرئيس فلاديمير بوتين بموافقة طهران لاستخدام قاعدة همدان الجوية ليضرب أهدافاً داخل سوريا لا تصيب سوى أنصار الولايات المتحدة. ومثل هذا الدور سيوظفه الرئيس الروسي لإبعاد تهديدات حلف شمال الأطلسي عن غلافه الاستراتيجي في أوكرانيا وجورجيا. ومن جهة أخرى، فإن إنقاذ اردوغان من ورطته الداخلية سهَّل لبوتين استمالة الجمهوريات التركمانية في الاتحاد السوفياتي السابق مثل أذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان وتركمنستان وقيرغيزيا.

ويرى المراقبون أن إنشغال باراك اوباما بانتخابات دونالد ترامب وهيلاري كلينتون أبعده عن هموم الشرق الأوسط، الأمر الذي استغله بوتين لإعادة رسم التحالفات بطريقة تخدم مصالح بلاده ومصالح الذين يناوئون الولايات المتحدة!

كاتب وصحافي لبناني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة