Deprecated: GetLink(): Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : عن الأصوليّة جواباً لوعود تاريخنا - كرم الحلو
الأثنين ٢١ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: آب ٩, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
عن الأصوليّة جواباً لوعود تاريخنا - كرم الحلو
فيما يلفّ الإرهاب الأصولي التكفيري عالمنا بأسره، عابراً الأمم والقارات، من لبنان وسورية وتونس ومصر الى فرنسا وبلجيكا وألمانيا الى أميركا وبنغلادش، لكأنه حرب عالمية ثالثة، يقف العالم مشدوهاً عاجزاً متسائلاً: كيف بلغ العنف الإرهابي هذا الحد من التمكن والاستشراء، وكيف استطاع أن يتقدم الى واجهة الاهتمامات والهموم التي تقضّ مضاجع الحكام والشعوب على السواء؟ هل كان ذلك كله مفاجئاً وخارج حدود التوقع، أم أن ثمة ما هيأ له في تاريخنا المعاصر ومساره الانحداري على كل الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية، الأمر الذي وضع المستقبل الإنساني برمته على محك الريبة والتساؤل؟

إلا أننا لو تأملنا في السيرورة التاريخية للقرن الماضي ومطلع القرن الراهن، لألفينا فيها كل المقدمات البائسة للانبعاث الأصولي. فالقرن الماضي الذي عرف أعظم ثورة في التقنيات، وأسرع تقدم في العلم والاتصال وأكبر تراكم في الثروة، حتى بدا أنه أقبل حاملاً البشرى بعالم جديد وإنسانية متآخية ترفل في السلام والوئام. هذا القرن بالذات كان قرن الوعود الخائبة والأحلام الجهيضة والباعث بإحباطه وخيباته لما نشهده من عنف أصولي، ما حوّل هذا القرن الى وريث بائس لكل تلك الإحباطات والخيبات.

كان الوعد السياسي أول الوعود الخائبة، إذ كان ثمة أمل بزوال الهيمنة والتسلّط والخلل في العلاقات الدولية تمثّل في نشوء عصبة الأمم في 1919 على أساس المساواة والاحترام المتبادل بين الدول. لكنه أمل ما لبث أن بددته حرب عالمية مدمرة انتهت بإنشاء هيئة الأمم المتحدة في 1945 لتأمين التعاون بين الشعوب وتأكيد المساواة بين الدول ومساعدة الفقيرة منها. إلا أن حظ هيئة الأمم لم يكن أفضل من حظ سابقتها عصبة الأمم، إذ سرعان ما تفجرت الحروب الأهلية والإقليمية التي استنزفت ثروات الشعوب وخيراتها. وفي المحصلة، كان القرن العشرون الأكثر عنفاً ودموية. فأوروبا خسرت في الحربين العالميتين أكثر من مئة مليون قتيل، وفقدت الصين في حروب التحرير والثورات الماوية بين ثلاثين وستين مليون قتيل، وأبيد أكثر من ثلاثين مليون قتيل في أكثر من 146 حرباً أهلية، فضلاً عن 170 مليون قتيل قضوا على أيدي حكوماتهم الاستبدادية. والى اليوم، لا يزال عالمنا محكوماً باستبداد سافر أو مقنّع على رغم كل الادعاءات المخادعة.

وانتهى الوعد الاشتراكي الى مصائر أكثر مأسوية، فلم يكن حلم الاشتراكية والعدالة والتكافؤ بين الطبقات الذي راود أذهان الاشتراكيين بعد انتصار ثورة تشرين الأول (أكتوبر) الروسية في 1917، ليبث الأمل بحياة أفضل لفقراء العالم الذين تـزايـدوا من 400 مليون فقير عام 1970 الى ما يقرب من بليوني فقير مطلع قرننا الراهن. فيما أضافت ثورة أكتوبر الى القهر الاقتصادي صوراً من الاستبداد، فاقت في فظاعتها أحياناً، ما عرفه تاريخ الإنسانــيــة كله، وقــد باتت وعودها التي رأى فيها معروف الرصافي، ذات يـــوم، أمــلاً لبـؤساء العالم بــعيــشة كريمة، ذكرى بائسة في متحف التاريخ.

كذلك، سقطت طوبى المساواة بين الأمم التي مثلها قيام الأمم المتحدة، إزاء استئثار القوى العظمى بالسيطرة على العالم والتحكم باقتصاده وضعفائه، حتى أن عالمنا في الوقت الراهن يبدو كأنه رهينة قوة عسكرية اقتصادية تحكم قبضتها على الأكثرية الساحقة من البشر، تستبد بهم وتسوقهم بلا هوادة الى مستقبل غامض ومجهول، حيث بات أكثر من نصف الاقتصاد العالمي في أيدي مئات من الشركات الكوكبية في الدول الثرية، بينما نصف سكان العالم الأشد فقراً يملكون أقل مما يملكه 85 ثرياً من أثرياء العالم.

الى كل هذه الخيبات يضاف الوعد الحضاري الخائب، فالتقدم الهائل في الإنتاج والعلم والاتصال لم يفض الى تقدم مماثل في سعادة الإنسان ورفاهه. فالإنسان اليوم ليس أكثر وفاقاً وتصالحاً مع نفسه ومع المجتمع ومع الكون مما كان عليه قبل الثورة المعاصرة، حيث الاكتئاب في الغرب في تزايد، على رغم الرفاه الظاهر، وحيث أكثر سكان المدن، حتى في بريطانيا، يعانون القلق والافتقار الى الحوافز ويشعرون بالتعب الدائم. وما ذلك إلا لأن حضارتنا الحديثة لم تجب عن أسئلة المعنى والقيم والمصير، لكأن عالمنا يستعيد الصورة الكالحة التي رسمها كولن ويلسن في كتابه «اللامنتمي» منتصف القرن الماضي، إذ بدا له العالم كأنه «عالم من دون قيم».

على خلفية كل هذه الوعود الخائبة، تقدّم الوعد الأصولي طارحاً نفسه البديل والحل والجواب، إنما من خلال نفي الجميع وإلغائهم واستئصالهم بمن فيهم الأصوليون أنفسهم. أليس ذلك ما يفعله الانتحاريون؟ إلا أن الموت ليس في أي حال سبيلاً للحياة.

* كاتب لبناني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة