الأثنين ١٤ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: حزيران ٢١, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
ماذا فعلت «30 يونيو» بـ «25 يناير»؟ - وحيد عبد المجيد
لا يزال السؤال عن العلاقة بين نزول قطاعات واسعة من الشعب المصري إلى الشارع مرتين في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، ثم في 30 حزيران (يونيو) 2013، مُثاراً ومُثيراً لخلاف واسع.

تفيد إحدى الإجابات المتداولة بأن 30 يونيو موجة ثانية لثورة 25 يناير. وينظر الاتجاه الغالب بين أصحاب هذه الإجابة إلى 30 يونيو على أنها نجحت بالفعل في تصحيح مسار 25 يناير. لكن إجابة أخرى تذهب الى أن 30 يونيو بدأت لاستعادة ثورة 25 يناير وتصحيح مسارها بعدما سطت جماعة «الإخوان المسلمين» على السلطة، لكن القوى المضادة لهذه الثورة أعادت تنظيم صفوفها، ووجهت المسار بعد إعلان «3 يوليو» لاستعادة نفوذها وإهالة التراب على أهداف الحرية والكرامة والعدالة. وهناك، الى ذلك، من يجيب بما يفيد بأن ثورة 25 يناير لم تكن الا مؤامرة أنهتها 30 يونيو، ومن يرى في المقابل أن 30 يونيو هي التي كانت مؤامرة على الثورة.

وحين نتأمل هذه الإجابات اليوم نجد أن الأولى بينها صارت جزءاً من خطاب لا تربطه بالواقع الراهن صلة قوية، أو أصبحت نوعاً من التفكير بالتمني، وأن الإجابتين الأخيرتين تنهلان من منهج واحد لا يرى الحياة إلا مؤامرة. أما الإجابة الثانية فتبدو الأقرب إلى واقع ما يحدث وفق المعطيات المتوافرة الآن.

والحال أنه إذا استبعدنا الإجابة التي تعد ثورة 25 يناير مؤامرة، وتزيف التاريخ مبكراً جداً وقبل أن يصبح تاريخاً، نجد أن الإجابات الأخرى تفيد في فهم جانب أو آخر مما فعلته 30 يونيو بـ 25 يناير، وتفسر تراجع ما يحدث لثورة بدت فى حينه ملهمة للعالم. وهذا أحد أهم ما يدفع قطاعات متزايدة من الشباب، الذي فتحت ثورة 25 يناير أمامه أبواب المستقبل، إلى الإحباط في ظل ضعف الوعي بحركية (ديناميكية) التغيير حين يحدث عبر ثورة شعبية عفوية من هذا النوع.

والقاعدة العامة في هذا النوع من التغيير هي أنه ينتج من تراكم تاريخي، ويتعثر غالباً في بدايته، ويمر في مراحل مد وجذر متعددة. وحين لا نفهم 25 يناير على هذا الأساس، تبدو لنا كما لو أنها كانت «حلماً ربيعياً» تحول في بعض جوانبه إلى ما يشبه الكابوس.

فقد كانت ثورة 25 يناير نتيجة طبيعية لبلوغ الاستهانة بكرامة المصريين مبلغاً هائلاً ووصول الظلم والفساد إلى مستوى غير مسبوق، الأمر الذي دفع قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى المحافظة بطابعها في مصر إلى البحث عن التغيير.

وحدث ذلك من دون أي تخطيط أو إعداد، إذ تحولت تظاهرات بدأت محدودة، وكان سقفها عزل وزير داخلية أمعن في استباحة كرامة الناس إلى ثورة عارمة هدفها إسقاط الرئيس الذي لم تكفه 30 عاماً في السلطة، فأخذ يعد لتوريثها إلى نجله.

وكان طبيعياً أن تتعثر ثورة لم يكن أحد ممن شاركوا فيها مستعداً لها، وأن تتخبط في مسارها نتيجة تجفيف منابع السياسة، وتجريف الاقتصاد والمجتمع، على مدى عقود. ولم يمكن غريباً، والحال هكذا أن تتصدر جماعة «الإخوان المسلمين» المشهد اعتماداً على تنظيمها الكبير القادر على ملء الفراغ بعد أن أتاحت لها صفقات عدة مع نظام مبارك، ومن قبله أنور السادات، تغلغلاً في المجتمع زين لقيادتها القفز على الثورة.

لذلك لم تواصل هذه الجماعة المنهج التوافقي الذي اتبعته خلال الثورة وبُعيدها. فسرعان ما انقلبت عليه عندما أغرتها شعبيتها بالتنصل من وعود وتعهدات متوالية. ولم تجد القوى الديموقراطية، وغيرها مما تُسمى «مدنية»، خياراً إلا التصدي لهذا السطو على ثورة لم يكن لمن قفزوا عليها إلا دوراً محدوداً فيها.

فكان تشكيل «جبهة الإنقاذ الوطني» في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 تعبيراً عن تبلور معارضة قوية لسلطة «الإخوان» ولم يمض على دخول الرئيس المنتمي إليها القصر خمسة شهور. وخاضت تلك الجبهة نضالاً ديموقراطياً واضحاً في سعيه إلى تصحيح مسار الثورة، حتى آخر نيسان 2013 حين ظهر ما أُطلق عليه حملة «تمرد» التي أُثيرت شبهات بعد ذلك عن علاقة بعض مؤسسيها (وليس كلهم) بقوى مضادة للثورة.

وأخفقت كل المحاولات التي بُذلت في الأيام السابقة على 30 يونيو من أجل تجنب صدام كسر عظم عبر مشاريع عدة لحلول سياسية. ولذلك كان نزول أعداد كبيرة من المصريين إلى الشوارع في 30 يونيو تطوراً طبيعياً.

ولم تنتبه القوى الديموقراطية فى ظل انغماسها في مواجهة سلطة «الإخوان» إلى عواقب مشاركة القوى المضادة لثورة 25 يناير فى 30 يونيو. لم يكن معظم خصوم هذه الثورة قد أفصحوا حتى ذلك الوقت عن عدائهم السافر لها، بل سايرها بعضهم. غير أن التحول السريع عقب 30 يونيو أتاح لهم استعادة نفوذهم وشبكات مصالحهم، ومكنَّهم من شن هجمة ضارية ممنهجة ضد ثورة 25 يناير، الأمر الذي أثار السؤال المطروح حتى اليوم عن علاقة 30 يونيو بها.

وظهرت في هذا السياق شبهات حول تنسيق بين قوى مضادة للثورة وبعض ما يُسمى أجهزة «الدولة العميقة» عشية 30 يونيو، بمعزل عن حركة غالبية القوى الديموقراطية وليس كلها بالضرورة. غير أن هذا لا يكفي لتفسير التحول الذي حدث بسرعة قياسية بعد 30 يونيو في اتجاه معاكس لثورة 25 يناير.

فقد ارتكبت القوى الديموقراطية أخطاء فادحة عشية 30 يونيو وفي الشهور القليلة التي تلتها، واندفع كثير منها بلا وعي في اتجاه يراه بعض المراقبين قريباً من ذلك الذي انجرف اليه ديموقراطيون فرنسيون عقب ثورة 1848، فيما كان بعض آخر منها راغباً في التخلص من «الإخوان» بأي ثمن. ولم يهتم أي من هذه القوى حتى اليوم بمراجعة ما حدث، و بحث كيف أمكن تهميش دورها بسهولة شديدة بعد شهور قليلة على 30 يونيو، والى أي مدى ساهمت في تعطيل مسار ثورة 25 يناير بدلاً من تصحيحه.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة