في افتتاح مؤتمر «الشبكة الدولية للحقوق والتنمية» النروجية، أورد مديرها بعض الحقائق الصادمة بصدد الإرهاب الذي بات يشكل تهديداً للعالم بأسره، إذ قال: قبل خمس سنوات، كان ضحايا الإرهاب ينحصرون في ثماني دول، أما اليوم فقد أصبح الضحايا يتوزعون على 151 دولة، ويوجد 1812 منظمة مدرجة على قوائم الإرهاب، يعمل تحت رايتها أكثر من 13 مليون شخص، ويتأثر بأفكارها ما يقارب الـ80 مليوناً. قبل عشر سنوات، كانت مساحة أماكن سيطرة الإرهابيين لا تتعدى الـ30 ألف كلم2، وقد باتوا يسيطرون بالكامل على أكثر من 12 مليون كلم2، أي ما يقارب عشر اليابسة. أما خسائر الإرهاب الاقتصادية فتفوق الخمسة تريليونات دولار.
ووفق باتريك كوكبيرن في «داعش وعودة الجهاديين» (دار الساقي، 2015)، تسيطر اليوم جماعات من نوع «القاعدة» على منطقة من العراق وسورية أضخم بمئات المرات من أية منطقة كانت تحت سيطرة بن لادن، الذي اعتبر قتله ضربة قاسية للإرهاب العالمي، في حين أن القاعدة وفروعها أحرزت بعد ذلك أضخم نجاحاتها التي تضمنت الاستيلاء على الرقة في سورية والفلوجة في العراق، وبرز «داعش» كأقوى وأكبر مجموعة جهادية وأكثرها سيطرة في العالم.
في هذا الوقت بالذات، انطلق في واشنطن برعاية أوباما، مؤتمر يضم 60 دولة، بينها مصر والأردن، لمناقشة مكافحة الإرهاب وكيفية مواجهة التطرف الذي يضرب العالم. إلا أننا لا نتوقع لهذا الحراك الذي تقوده الولايات المتحدة، القدرة على لجم التطرف الراهن أو الحد من مخاطره على الأمن العالمي، طالما أن المواجهة لا تتجه الى أساس الإرهاب المتجذّر في الاختلال الهائل في توزيع الثروة العالمية وتفاقم الفقر والظلم الطبقي عالمياً، إذ هنا أصل الإشكال، ومن هنا يجب أن تبدأ المواجهة الفعلية مع التطرف. فعلى رغم القفزة الهائلة في الاقتصاد والإنتاج التي حققتها البشرية منذ أواسط القرن الماضي الى الآن، وارتفاع الناتج الإجمالي العالمي من ثلاثة آلاف بليون دولار عام 1960 الى 92,889 بليون دولار عام 2012، يظل الفقر والظلم الطبقي من أعظم الإشكالات التي تواجه حاضر الإنسانية ومستقبلها، حتى أن القضاء على الفقر لم يعد تحدياً إنمائياً فحسب، بل بات يمثل تحدياً في ما يتعلق بالأمن السياسي والاجتماعي. لقد كان عدد الفقراء 400 مليون عام 1970 وتضاعف هذا العدد عام 1980، وتجاوز عام 2000 الـ1.2 بليون فقير في الدول النامية وحدها، ويشير تقرير التنمية البشرية لعام 2014 الى أن الفقر لا يزال مشكلة كبيرة على الصعيد العالمي، حيث يستأثر أثرياء العالم، أي 1 في المئة، بحوالى نصف ثروته، وتعادل ثروة 85 شخصاً منهم ما يملكه نصف سكان العالم الأشد فقراً، ما يهدد الاستقرار السياسي، ويصل في رأي التقرير، الى حد تقويض الديموقراطية.
في هذه اللوحة القاتمة، يمثّل الفقر أحد أكبر التحديات التي يواجهها العرب مطلع هذا القرن، والتي تقبع بصورة أساسية وراء التطرف الراهن في العالم العربي. فقد أشارت الدراسات المعاصرة الى انهيار الطبقة الوسطى التي مثلت شريحة أساسية في المجتمعات العربية أواسط القرن الماضي، الأمر الذي أدى الى تراكم الفقراء في أحزمة الفقر المحيطة بالمدن التي باتت تشكّل، وفق تقرير التنمية الإنسانية العربية 2014، أكثر من نصف العرب عام 2010، واستنتج التقرير أن العالم العربي شديد الفقر في غالبية سكانه، فيما أشار تقرير التنمية البشرية لعام 2006 الى اتساع الفجوة بين الـ10 في المئة الأفقر والـ10 في المئة الأغنى، حيث باتت تشكّل 2.3 الى 31.5 في تونس، و2.7 الى 30.6 في الأردن، و2.8 الى 26.8 في الجزائر، و3.7 الى 29.5 في مصر، و2.6 الى 30.9 في المغرب، و3 الى 25.8 في اليمن.
وبينما لا يزال معدل النمو السكاني أعلى المعدلات على المستوى العالمي، تبقى نسبة البطالة 14.4 في المئة من القوى العاملة مقارنة بـ6.3 في المئة على الصعيد العالمي، وتوجد في البلدان العربية، وفق تقرير التنمية الإنسانية العربية 2014 أعلى نسب البطالة عالمياً بين الشباب – 60 في المئة، منهم 40 في المئة من خريجي الثانوية والجامعات.
ويستوطن الفقر متلازماً مع الأمية، الأرياف العربية حيث هناك 20 في المئة عاطلون من العمل و15 مليوناً يعانون من سوء التغذية. وبصورة عامة، هناك 65 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، ولم يحدث أي انخفاض في متوسطات الفقر خلال السنوات العشرين الماضية، بل إن بلداناً شهدت زيادة في معدلاته. وقد بلغت نسبة الفقر البشري في العالم العربي عام 2007، 22.7 في المئة بالتلازم مع نسبة أمية 29.6 في المئة. وبلغت نسبة الفقراء في الريف 85 في المئة في السودان، 40 في المئة في اليمن، 27 في المئة في مصر، 15 في المئة في سورية والمغرب والجزائر، في حين وصلت نسبة الفقر المتعدد البعد الى 81.2 في المئة في الصومال.
وفق باتريك كوكبيرن، إن غالبية السوريين ترى أن رواتبها في ركود، وأن ما بين مليونين وثلاثة ملايين سوري يعيشون في فقر مدقع، وأن أفراداً يعملون مع المخابرات يحاولون البقاء على قيد الحياة براتب 200 دولار شهرياً.
تشكل كل هذه الوقائع والأرقام في حد ذاتها، بيئة حاضنة للتطرف، وتبين أن العرب يعانون من حرمان مولد للثورة والانتفاض على الظلم، والتطرف الأصولي الذي ذهب الى أقصاه في الأرياف السورية والعراقية والمصرية، حيث الحد الأعلى من الفقر والتهميش، كما في أحزمة البؤس في المدن العربية، فضلاً عن اليمن والسودان والصومال التي تعرف حداً مرتفعاً من الفقر والحرمان، يهدد وحدتها الوطنية ومعها الأمن القومي العربي.
ثمة خلل كبير إذاً، يهدد المجتمعات العربية من داخلها وينذر بأفدح الأخطار على الأمة العربية وأمنها السياسي والاجتماعي، ما يجعل الحديث عن الديموقراطية والتحديث السياسي والحريات غير ذي جدوى، الأمر الذي نبه إليه تقرير التنمية البشرية لعام 2006، إذ رأى أن «المستويات المرتفعة لفقر الدخل تساهم في انعدام الحريات الحقيقية في العالم».
|