الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ١١, ٢٠١٤
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
التاريخ اللبناني له تاريخه - قصي الحسين
قضايا جديدة، ومسائل مستجدة أيضاً: من خطف "عرسال" وخطف "عسكريي عرسال"، إلى خطف "أرواح اللبنانيين" بالأطعمة والأشربة الفاسدة والمعالجات الناقصة والبائدة وغير ذات الفائدة. أما التساؤلات عن تطور هذه القضايا والأحداث في "المجتمعات" ولا أقول "المجتمع" اللبناني، فهي قديمة وجديدة.
 
ويوماً بعد يوم تتغير طريقة النظر لدى المسؤولين إلى هذه القضايا حتى تتكيف مع الموضوعات الجديدة التي يطرحها: مرة وزير الداخلية، نهاد المشنوق، ومرة وزير العدل أشرف ريفي، وأخيراً وزير الصحة وائل أبو فاعور، دون أن ننسى الهواجس والاقتراحات التي يطرحها من حين لآخر، وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس.

تعي الحكومة اللبنانية برئاسة تمام سلام، ويعي أيضاً على وجه الخصوص الوزراء الأربعة المعنيون بالملفات الضخام أمامهم، أن التاريخ اللبناني له تاريخه أيضاً.

وكتابة التاريخ في لبنان أو خارجه، تحيل إلى تاريخ العقليات، بمعنى تاريخ ما، للتمثلات العقلية اللبنانية أولاً. وتمجيد اللحظة التاريخية في الإعلان عن موقف ما، يجب أن لا يكون سبباً لتحجيم المشكلات الضخمة العالقة.

فلا يمكن تهريب تاريخ لبنان في "الفساد المتنوع" بمثل هذه السرعة أو "السرعات" ولم يعد اللبناني الرقيق الحال يطيق عصف السرعة في الانتقال بين الملفات. وبكلام أوجع: لم يعد يطيق سرقة تاريخ الفساد وخطفه تحت ضوضاء الاعلام "وليس أضواءه" أو بمواكبة رسمية له.

والماضي المستعاد تركيبه، لم يعد يماشي الطريقة الجديدة في تحديد علاقات القوة بين مراكز القوى اللبنانية. أما إعادة اختراع الماضي السقيم في المعالجات الأمنية والعدلية والصحية والرعاية الاجتماعية كوليد مشوه اليوم يفاجئ عائلته البائسة بحضوره التاريخي غير المشرف بينهم، فهي مهنة "السياسيين الحريفين" السقيمين، لا مهنة السلطات الحاكمة.

هكذا يكون التهريج بالتاريخ، حين يصبح الحكام والإعلاميون البائسون، في صف واحد، على رأس قائمة الدعوات في إحياء وإنعاش الذكريات والاحتفالات، على مستوى المحلة أو على مستوى الوطن.

إن الحديث عن الانفعالات ووصفها، موضوع جدير للنظر فيه، ولكن على أساس من إعادة تشكيل الماضي، انطلاقاً من مشاعر الخوف فقط. وعلى المسؤولين الذين يتحسسون مسؤولياتهم كل يوم تجاه الشعب، أن يهتموا بهذه الانفعالات والمشاعر، بوصفها علة تتصرف في الواقع اللبناني يجب معالجتها، لا أكثر ولا أقل.

وحين يصير الغضب اللبناني والخوف والاذلال قوى تاريخية محركة فإن الانفعالات الجماعية لا بد أن تؤدي دوراً أساسياً في التاريخ المجتمعي. وعدم الانتباه لتنامي الشعور الشعبي الرافض، لا بدّ أن يؤدي إلى التعجيل بسقوط السلطة القائمة.

ويجب أن يتذكر المسؤولون اللبنانيون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن البيئة اللبنانية لها تاريخها أيضاً. فالوطن الذي يستغل قبل التمديد لمجلس النواب وبعده، وبلا صوت يدافع عنه، يمثل جزءاً من المضطهدين.

إن الحديث أيضاً عن صنمية الدوران في الحلقة المفرغة التي يبتهج اللبنانيون لها دائماً قبل السياسيين منهم، إنما هو متصل بمفهوم صنمية الدوران عند جميع الفئات اللبنانية في القمة وفي القاعدة. ولهذا على السياسيين اللبنانيين في حراكهم الجديد والمستجد اليوم أن يعوا أن التاريخ اللبناني المتصل الذي هو شغفهم إنما هو مستلهم من معالجات "الميكرو تاريخ" الذي يمر بلبنان آناً بعد آن. ولهذا فإن كان للبنان تاريخه، فإن لهذا التاريخ تاريخه أيضاً الذي يجب أن يدرس من جوانب متساوية فلا ينوف منه جزء على جزء.
 
استاذ في الجامعة اللبنانية



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة