الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ٩, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
مقترحات لتغيير سياسي فلسطيني - ماجد كيالي
مع قيام السلطة الفلسطينية، بموجب اتفاق أوسلو (1993)، بدا أن الحركة الوطنية الفلسطينية لم تتحول فقط من حركة تحرر إلى سلطة، وإنما هي تراجعت عملياً عن مشروعها الأساسي ومبرّر وجودها. فوق ذلك ارتهنت هذه القيادة الى واقعها الجديد كسلطة، ما فرض عليها ازاحة الرواية الأصلية، والتخلي عن أي شكل من المقاومة، وتهميش كياناتها الكفاحية وضمنها منظمة التحرير، في إطار تماهيها مع عملية التسوية، وتأكيد اهليتها لثقة إسرائيل.

باستثناء مرحلة الانتفاضة الثانية (2000-2004)، فإن القيادة الفلسطينية لم تعمد إلى تغيير هذا الواقع، على رغم أن إسرائيل ظلت تقضم اتفاق اوسلو، الظالم والمجحف، إلى حدّ القضاء عليه نهائياً، بدءاً من أول صعود لنتانياهو إلى رئاسة الحكومة (1996- 1999)، مروراً بعهود باراك وشارون وأولمرت، وصولاً إلى العهد الثاني لنتانياهو (منذ ستة أعوام). وقد تمت ترجمة ذلك عبر الاستيطان ومصادرة الأراضي، ثم في بناء الجدار الفاصل، لفرض الامر الواقع، وتقطيع اوصال الأراضي الفلسطينية، وفي الانسحاب الأحادي من غزة، التي باتت تحت حصار ظالم منذ ثمانية أعوام، وها نحن اليوم إزاء محاولتي تشريع الاعتراف بإسرائيل، كدولة قومية لليهود، وفرض القانون الإسرائيلي على مستوطنات الضفة الغربية، ما يعني ضمها.

هكذا، فخلال عقدين من الزمن، وباستثناء الأعوام الاربعة للانتفاضة، ظلت القيادة الفلسطينية تتحدث عن خيارات بديلة، من دون أن تفعل شيئاً، من الناحية العملية، والأهم من ذلك أنها لم تمهّد لشعبها، ولم تهيئ ذاتها، لأي خيار بديل، علماً أن كل خياراتها ظلت في إطار المعادلة التي بني عليها اتفاق أوسلو، في حين ان خيارات إسرائيل البديلة ظلت تتأسس على الضد من هذا الاتفاق، أي على أساس تجاهل حقوق الفلسطينيين، واستمرار السيطرة على أراضيهم، وتأكيد الرواية الإسرائيلية.

المعنى أن القيادة الفلسطينية مطالبة بتغيير هذا الواقع، بالإقلاع عن التلويح بخيارات بديلة في التصريحات، واتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه. علماً أن الأمر بات يتطلب الخروج من المعادلة القائمة، لأن البقاء في ملعب أوسلو لم يعد مفيداً، ولا مجدياً، إذ باتت إسرائيل، مع كل المشاريع التي تطرحها، في مكان آخر، او في لعبة أخرى تماماً.

لعل نقطة البداية في البدائل الفلسطينية، التي يفترض العمل عليها، فعلاً لا قولاً فقط، تتمثل بالتركيز على إعادة بناء الكيانات السياسية (المنظمة والسلطة والفصائل)، على قواعد مؤسسية وديموقراطية وتمثيلية ووطنية، لأن الاشتغال على أي خيار كفاحي، لصد التحديات الإسرائيلية، لا يمكن التأكد من صدقيته، وفعاليته، من دون توفر البنى القادرة على حمله، والبنى الشعبية الحاضنة له.

أما الخطوة التالية فتتعلق بالخروج من إسار العقلية التي قامت على أساسها مفاوضات أوسلو، باعتبار توافق الطرفين المعنيين هو المرجعية الوحيدة للمفاوضات، ما جعل هذه العملية رهناً بالطرف الإسرائيلي لأنه الطرف المسيطر، والأكثر قوة. ففي هذه الظروف، وبالنظر الى عدم توافر المعطيات وموازين القوى العربية والدولية المناسبة للفلسطينيين، من الأجدى إعادة الاعتبار الى مرجعية القرارات الدولية، بدءاً من القرارين 181 و 194، اللذين يتحدثان عن دولة فلسطينية ضمن حدود نصف خريطة فلسطين التاريخية، وليس ضمن حدود 22 في المئة فقط، وعن بقاء الفلسطينيين في بيوتهم وممتلكاتهم أينما كانوا، وعن حق العودة للاجئين، فضلاً عن باقي القرارات التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للضفة والقدس الشرقية، وتنزع الشرعية عن الاستيطان، وعن أي اجراء يغير الوضع في الأراضي المحتلة (1967)، ويطالب بانسحاب إسرائيل منها، من دون أي شروط.

والواقع، فإن القضية الفلسطينية هي أكثر قضية لا تستحق، ولا تتطلّب، كل هذا التفاوض بشأنها مع كل هذه القرارات الدولية الواضحة، علماً انها أكثر قضية في التاريخ شهدت عرضاً تفاوضياً، من حيث أمد المفاوضات ومواضيعها ومشكلاتها.

بديهي أن المطلبين الأول والثاني يفيدان بأن الغرض ليس حل السلطة، فهذا ليس بالأمر الهيّن، فضلاً عن أن ذلك يسهّل على إسرائيل، ناهيك انه ينم عن عجز، وإنما الغرض هو تغيير وظائف هذه السلطة، واستعادة الحركة الوطنية لطابعها كحركة تحرر وطني، وتركيز الاهتمام على إعادة بناء الكيانات الفلسطينية كما قدمنا، وتوفير المستلزمات لصمود الفلسطينيين في أرضهم، وتعزيز مقاومتهم للسياسات الاستيطانية والاحتلالية والعنصرية الإسرائيلية، بالوسائل الممكنة والمناسبة له.

كما أن هاتين المسألتين هما في متناول القوى الفلسطينية الحية والفاعلة، إذا حسمت امورها، وغلّبت المصلحة الوطنية والمستقبلية على المصالح الخاصة والآنية. والراجح أن الظروف الراهنة مواتية لهذا التغيير، إن على الصعيد الدولي، مع تعزز مسار نزع الشرعية عن إسرائيل، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، والفجوة بين حكومتي الولايات المتحدة وإسرائيل، أو على الصعيد العربي مع التداعيات التي تثيرها التغيرات السياسية، لا سيما في منطقة المشرق العربي، كما على الصعيد الإسرائيلي، بعد تضاؤل شعبية نتانياهو، وتجدد التناقض بين العلمانيين والمتدينين في المجتمع الإسرائيلي، إثر تزايد نفوذ المتطرفين المتدينين وأحزابهم.

في هذه الظروف تتوافر الفرصة أيضاً لإعادة النظر بالاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، بعد كل ما جرى، وبعد مطالبتها بالاعتراف بها كدولة يهودية. كما أن هذه فرصة مواتية لوقف التنسيق الأمني، ولإعادة النظر في وظائف السلطة، وتحويل آلاف المنخرطين في السلك الأمني، إلى الخدمات المدنية والانتاجية.

ايضاً، يمكن القيادة الفلسطينية اتخاذ خطوات غير تقليدية وشجاعة، من خلال إيجاد تشريع قانوني لمسألة الأرض، بتمليك الشباب، ما يوفر الحافز لهم للبقاء في ارضهم، بدلاً من تركها لنهب إسرائيل واستيطانها. واضح ان الشباب الفلسطيني يستحق بادرة من هذا النوع، على معاناته وتضحياته، ومن المدهش ان حركة تحرر لا تقوم بذلك، في حين ان اسرائيل تقتطع أراضي الفلسطينيين لمصلحة المستوطنين، الذين تقدم لهم فوقها الامتيازات والمساعدات للبناء والبقاء في الضفة.

والحقيقة، فإن هذه الفكرة اللافتة والمبتكرة طرحها المهندس سعدي الأشقر (غزة)، ومفادها، باختصار، أن أسعار الأراضي في الضفة والقطاع، باهظة جداً، بحيث إن الشاب الفلسطيني، من ذوي الدخل المحدود، قد يقضي عمره وهو يدّخر من اجل تملك بيت صغير. والمشكلة هنا أن السلطة، التي يفترض انها سلطة حركة تحرر، لم تتجه الى حل مشكلة الأرض، على رغم انها تواجه عدواً من طبيعة استيطانية. وحتى في غزة، التي انسحبت منها إسرائيل وأخلت مستوطناتها، فإن حكومة «حماس» لم تتجه الى منح جزء من أراضي ومساكن ومزارع المستوطنات للشباب، أقله كتعويض لهم عن جزء من تضحياتهم. وفي الضفة، فإن الحاجة ماسة للقيام بذلك وفق تخطيط معين لإيجاد حواجز بشرية امام الزحف الاستيطاني والربط بين مدن الضفة وقرها.

القضية كما طرحها الأشقر لا تحتاج إلى مناطق واسعة، ذلك أن تمليك 20 متراً مربعاً للشاب الواحد، مثلاً، يعني تملكه بيتاً مساحته حوالى 80 متراً، من بناء يتألف من أربعة طوابق. هكذا، ووفق الأشقر، فإن 100 ألف شاب يحتاجون إلى مساحة قدرها 2 كلم متر مربع. أما في الضفة، حيث مساحتها 6 آلاف كلم مربع، فيمكن توسعة هذه المساحة بحكم انها أكبر بكثير من قطاع غزة (الذي يعيش فيه قرابة مليوني فلسطيني في 360 كلم مربع)، علماً ان مساحة المستوطنات «المحررة» تبلغ 70 كلم مربع. وطبعاً فإن تملك هذه الأراضي، او إيجاد صيغة معينة لذلك، سيؤدي إلى استقرار الشباب، وتنمية الشعور بالأمل لديهم، كما انه ستؤدي الى تشغيل قطاعات واسعة منهم والحد من البطالة، أي ان هذه المشروع يخدم الاستراتيجية المتعلقة بالصمود إزاء إسرائيل، وبناء المجتمع الفلسطيني.

القصد أن الرد على التحديات والمشاريع الإسرائيلية لا يكون فقط بالبيانات والمناشدات، أو بالتوجه إلى الأمم المتحدة، فذلك يتطلب استراتيجية كفاحية بديلة، تتأسس على بناء الذات، على أن تقترن بخطوات عملية حاسمة ومتوازنة.

* كاتب فلسطيني



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية
تل أبيب ترفض التهدئة وتستدعي قوات الاحتياط
مصير الانتخابات الفلسطينية يحسم اليوم
استطلاع: «فتح» تتفوق على «حماس» والبرغوثي يفوز بالرئاسة
المقدسيون مدعوون للانتخابات عبر مراكز البريد
مقالات ذات صلة
حرب غزة وأسئلة النصر والهزيمة! - أكرم البني
أيضاً وأيضاً: هل يتوقّف هذا الكذب على الفلسطينيّين؟ - حازم صاغية
لا قيامة قريبة لـ«معسكر السلام» - حسام عيتاني
إعادة اختراع الإسرائيليّة والفلسطينيّة؟! - حازم صاغية
... عن مواجهات القدس وآفاقها المتعارضة - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة