يبدو أن المقاربة الأمنية ذهبت بعيداً في الهروب إلى الأمام، بالهجوم على الجمعيات الحقوقية الوطنية، باتهامها بخدمة أجندة غير وطنية، وحصولها على دعم مادي خارجي مشبوه، وتسفيه الجهد المبذول لتحسين وضعية حقوق الإنسان في المغرب، وهي مغامرة غير مأمونة العواقب، مادامت الأخيرة لن تنكفئ على ذاتها، كما يمكن أن يُرتجى، وتترك الفرصة تمر من دون الذود عن ذاتها، والدفاع عن إستقلاليتها، وعدم التسامح في إظهار مظلوميتها والتنبيه إلى وموقف الدولة المعادي لقيم وفلسفة حقوق الإنسان، كلما سنحت الفرصة.
لم تكن العلاقة في المغرب بين السلطات العمومية والعاملين في المجال الحقوقي دائماً ودية، وأن عمليات المد والجزر هي القاعدة، لكن موقف وزير الداخلية، في البرلمان أخيراً، يدخل ضمن أجندة محسوبة، لها ما بعدها، في مقدمتها تمييع التقارير التي سيتم إصدارها وضرب مصداقيتها، والقيام بعملية استباقية، تتوخى المس بصدقية أي تبنٍّ لمجموع هذه التقارير والتوصيات من لدن المنظمات الحقوقية الدولية المؤثرة والضاغطة على المغرب، في المنتديات الدولية.
وفي هذا السياق، سيتم العمل على اصطياد أي سوء تقدير، أو خطأ، يمكن أن ترتكبه هذه الجمعيات، ولا سيما أن للعمل الميداني محاذيره ومطباته الكثيرة، منها الانسياق وراء الاستفزازات، وعدم احتراف الفاعلين على الأرض، وكذا ترجيح، في بعض الأحيان، السياسي على الحقوقي.
ويبدو أن قيادات المعترك الحقوقي واعية بدقائق الأمور، وفي حالة تربص دائم، نظراً لما راكمته من خبرات وتجارب في هذا الصدد، غير أن المعركة ليست متكافئة، وغير مبررة قانونياً وسياسياً، مادام هناك توظيف لكل الوسائل المتاحة من إعلام وإكراه من المعترك الآخر.
وتظل نقطة القوة البارزة التي يمكن توظيفها لصالح الحقوقيين في هذه الحرب المعلنة هي الدعم الخارجي، ومن حسن حظ الجسم الحقوقي المستهدف أن تقريع وزير الداخلية، الذي لم يأخد في الاعتبار احتضان المغرب واحداً من أهم المنتديات العالمية في مجال حقوق الإنسان، وهو انعقاد المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في نوفمبر/ تشرين ثاني 2014، ثم إن بعض وجوه الحركة الحقوقية اكتسبت احتراماً دولياً معتبراً، ونال بعضها الآخر جوائز ذات قيمة رمزية رفيعة، بالإضافة إلى أن المغرب أصبح موضوعاً للمتابعة والمواكبة من الهيئات الدولية، غير الحكومية.
ونستطيع أن نؤكد أن الجسم الحقوقي في المغرب استطاع النجاح في دق إسفين في جدار الإئتلاف الحكومي، بانتزاع تنديد وزير العدل والحريات بالمنع الذي تتعرض له الجمعيات الحقوقية بخصوص إحياء نشاطاتها في المرافق العمومية، ووصف هذا العمل بـ"الاشتغال خارج الشرعية"، متعهداً بتصحيح الأخطاء والتجاوزات.
لن تضع هذه المواجهات أوزارها اليوم أو بعد غد، لأن كلا الطرفين يعرف أهمية الملف الحقوقي في الظروف الحالية، وخصوصاً على المستوى الدولي، فأصحاب المقاربة الأمنية يهربون إلى الأمام للالتفاف على أزمتهم، والتغطية على فشل خيارهم، ورفضهم الاعتراف بالنتائج السلبية لسياساتهم، أما الجسم الحقوقي (غير المنسجم) فيعتبرها فرصة لتأكيد مظلوميته، وفرصة لتحصين ذاته، واستعادة بعض مكتسباته، والظهور بمظهر من يوجد في وضعية مريحة، والمنسجم مع نفسه.
26 سبتمبر 2014 |