انطلاق الضربات الجوية في سورية ينذر بحملة طويلة ذات توازنات حساسة عسكريا وسياسيا. فمن جهة وبحسب تصريحات المسؤولين الأميركيين لن تكون العمليات محصورة بتنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) إنما لن تفتح ايضا معارك واسعة ضد «جبهة النصرة» او غيرها، وهي ستعمد لتدريب معارضي النظام السوري وفي الوقت ذاته عدم التصادم معه مباشرة.
ليل الاثنين - الثلثاء رسم فعليا دخول الرئيس الأميركي باراك أوباما الحرب السورية باعطاء قواته الضوء الأخضر لتنفيذ وبالتعاون مع الحلفاء الاقليميين 22 ضربة جوية فوق سورية، 14 منها استهدفت «داعش» و8 تنظيم «خراسان» التابع لـ «القاعدة». هذه الضربات هي الأولى للولايات المتحدة في سورية، وجدولها الزمني قد يستمر الى ما بعد رئاسة أوباما في 2016 . فالرئيس الأميركي الذي وصل الحكم ساعيا الى الابتعاد عن لهيب الشرق الأوسط والتطلع شرقا باتجاه آسيا، وجد نفسه بحكم الظروف الأمنية والسياسية يخوض حربين في العراق وسورية لحماية الأمن القومي الأميركي وتفادي أفغانستان أخرى على ضفاف المتوسط.
المؤشرات الأولى للضربات تفيد بأنها لن تكون محصورة بـ «داعش»، ومع استهداف الطيران الأميركي والاقليمي ومن اليوم الأول عناصر من مقاتلي تنظيم «خراسان» مختبئين في موقع لـ«النصرة» في ادلب. في الوقت نفسه لا تريد واشنطن معركة مفتوحة مع «النصرة» واكدت ان الهدف من عملية ادلب كان «خراسان»، ولتخطيطها عمليات ارهابية ضد الولايات المتحدة. وينطبق هذا التوازن ايضا في التعاطي مع النظام السوري، والذي لم تنسق معه واشنطن إنما حذرته من الاصطدام بالطائرات الاميركية، وهي تسعى الى تأهيل قوة من المعارضة المعتدلة ضده وضد «داعش» على الارض. فمن ناحية تريد واشنطن مرحلة انتقالية في سورية من دون رؤوس النظام، غير انها لا تسعى لإطاحة النظام بالكامل او تكرار تجربة العراق بحل الجيش.
أما جغرافيا، فتحقق واشنطن هذا التوازن من خلال عدم استهداف أماكن المواجهة بين «داعش» والنظام السوري لعدم افادة الأخير تكتيكيا على الأرض. ويرصد الخبير في معهد «أتلانتيك كاونسل» فيصل عيتاني أن حصر الضربات في دير الزور والرقة وحول ريف حلب سيفيد على الأرجح في المدى القريب المعارضة المعتدلة والأكراد وبسبب الوجود الضعيف للنظام في تلك المناطق، وتمكن القبائل ومقاتلي المعارضة بشكل أكبر توظيف أي فراغ في حال انسحاب «داعش».
هذه العوامل تفرض نمطا حذرا وبطيئا في الحملة العسكرية في سورية والتي قد تستمر سنوات وشبهها أوباما بنموذجي اليمن والصومال. مما لا شك فيه ان أوباما يكرر اليوم تجربة أربعة رؤساء أميركيين قبله من رونالد ريغان الى جورج بوش الأب الى بيل كلينتون وجورج بوش الابن، والذين خاضوا جميعا حملات عسكرية من ايران الى الكويت الى العراق الى لبنان، وفي منطقة تزداد غلوا وتعقيدا وكلفة على اللاعب الأميركي.
|