اكتشفت منذ زمن بعيد تهافت العقل الإخواني. وكانت أبرز علامات هذا التهافت الإفلاس الفكري لجماعة الإخوان المسلمين والذي استمر منذ نشأتها عام 1928 على يد الشيخ «حسن البنا» حتى الوقت الراهن. أي أنه مضى على هذه الجماعة أكثر من ثمانين عاماً لم تستطع فيها أن تنجب مفكراً واحداً له قيمة، أو أن تصدر أبحاثاً ومؤلفات تعرض فيها أفكارها الأساسية.
ولو فحصنا التراث الفكري للجماعة لوجدناه بالغ الضآلة، لأنه يتمثل أساساً في مجموعة من الرسائل الموجزة التي كتبها الشيخ «حسن البنا» وبعد ذلك لا شيء! ثم يظهر فجأة في ساحة الإخوان «سيد قطب» الذي انضم إلى الجماعة حوالى عام 1950 ليصبح هو بمؤلفاته المنظر الأساسي للجماعة، وصاحب نظريات التكفير الشهيرة والتي عرضها في كتابه المعروف «معالم على الطريق» والذي اتهم فيه المجتمع بالجاهلية!
غير أنه لو تركنا مشكلة الفقر الفكري الملحوظ لجماعة الإخوان المسلمين جانباً وركزنا على مشروعها لاكتشفنا أنه في الواقع – بغض النظر عن تطرفه- مشروع وهمي!
وذلك لأن الهدف الاستراتيجي له كما تدل على ذلك أدبيات الجماعة هو استعادة «الخلافة الإسلامية» التي انهارت عام 1928 وتأسيسها من جديد!
وخطورة هذه الفكرة الوهمية أنها مضادة تماماً لفكرة الوطنية! وذلك لأن الخلافة لا تؤمن بالحدود المقدسة لكل دولة، وإنما تركز على وحدة الدين، ومن هنا لا تجد جماعة الإخوان المسلمين مشكلة في مسألة التنازل عن جزء من أراضي الدولة لكيان آخر سياسي حتى ولو لم يكن دولة معترف بها. ولعل الخطة التي وافقت عليها جماعة الإخوان المسلمين وكلف الدكتور «محمد مرسى» باعتباره رئيس الجمهورية بتنفيذها، وهى التنازل عن جزء من شبه جزيرة سيناء لجماعة حماس لتكون الوطن البديل لجماعات من الفلسطينيين، أبلغ دليل على خطورة مشروع الخلافة الإسلامية على الأمن القومى للدول.
ومن ناحية أخرى صدعت جماعة الإخوان المسلمين رؤوسنا بشعارها «الإسلام هو الحل»، والذي وصفناه من قبل أنه شعار فارغ من المضمون. كان ذلك وهماً في المعارضة ورفعوا الشعار حتى يكسبوا الانتخابات بعد إثارة الوعي الديني المزيف للجماهير. وشاءت الظروف أن يستلموا حكم مصر، فإذا بالشعار يسقط سقوطاً مدوياً لأن الحكم الإخواني فشل فشلاً ذريعاً في حل مشكلات البلد الجسيمة، بل وأخطر من ذلك أن المشاكل تفاقمت والأوضاع تردت عما قبل.
وقد ظهر تهافت العقل الإخواني جلياً للعالم كله على وجه الخصوص بعد سقوطهم المدوي الذي أعقب عزل «محمد مرسى»، وإيقاف العمل بالدستور، وإعلان خريطة طريق تتمثل في إصدار دستور جديد وتنظيم انتخابات لرئاسة الجمهورية وانتخابات برلمانية.
ويبدو أن صدمة الفشل السياسي ومرارة السقوط التاريخي لمشروع جماعة الإخوان المسلمين أصابت قادتهم بخلل عقلي جسيم! وليس أدل على ذلك من ترحيبهم بالتدخل الأجنبي لإنقاذهم وإعادة «محمد مرسى» إلى كرسي الرئاسة مرة أخرى!
وإذا تابعنا دعاوى الشرعية واعتصاماتهم المسلحة في «رابعة والنهضة» وتظاهراتهم الفوضوية في أنحاء البلاد، لأدركنا أنه بالإضافة إلى تهافت العقل الإخواني التقليدي فإن قادة الجماعة يعانون من الإفلاس الفكري والجدب السياسي الذي دفعهم إلى حشد الجماهير والهتاف لعودة «مرسى» وكأن الجماعة يمكن أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء بعد الموجة الثورية الجسورة في 30 يونيو، والتي بادرت القوات المسلحة بقيادة «السيسي» بدعمها.
وبعدما فشلت التظاهرات الفوضوية التي قامت بها شراذم جماعة الإخوان المسلمين والتي مارسوا فيها العنف ضد قوات الشرطة، انتقلوا إلى مرحلة الإرهاب الصريح وتعددت جرائمهم في نسف أبراج الكهرباء واغتيال بعض ضباط الشرطة. وهكذا بغباء سياسي نادر حولوا عدوانهم ضد السلطة إلى عدوان ضد الشعب نفسه وذلك بتهديد المرافق الحيوية التي يعتمد عليها الناس. وفى خضم موجة الإرهاب التي قامت بها الجماعة سواء في سيناء أو في قلب المدن المصرية ظهرت حركة «داعش» التي أعلنت الخلافة الإسلامية واختيارها للخليفة «أبو بكر البغدادي» وتتالت الأخبار التي تكشف عن أنها حركة إرهابية همجية فاقت جرائمها كل الحركات التكفيرية السابقة. بل إنها لأول مرة في تاريخ الإرهاب الذي يستتر زوراً وبهتاناً وراء شعارات إسلامية مزيفة تسجل جرائمها البشعة في ذبح الرهائن عياناً بياناً على الشاشة من خلال إذاعة فيديوهات تبين عملية ذبح الرهينة كما فعلت في ذبح الصحافي الأميركي.
ومن المنطقي أن يستهجن العالم المتحضر الجرائم الخطيرة التي ترتكبها حركة «داعش» سواء في مجال استهداف المسيحيين أو في مجال القتل المتعمد لعشرات من العراقيين والسوريين.
غير أنه مما يكشف عن تهافت العقل الإخواني التصريحات التي أدلى بها عدد من رموز جماعة الإخوان المسلمين والساسة والكتاب الصحافيين أصحاب الهوى الإخواني دفاعاً عن «داعش» في مخالفة صارخة للإجماع العالمي على رفض هذه الحركة وتكوين تحالف دولي لمحاصرتها وتصفيتها نهائياً درءاً للخطر الذي تمثله على كيان الدول العربية، بل وعلى الأمن القومى للدول الغربية.
وقد بادر الشيخ «يوسف القرضاوي» بإعلان اعتراضه على التحالف الدولي ضد «داعش» ودافع عنها دفاعاً خائباً باعتبارها حركة إسلامية!
غير أن الدفاع المباشر عن «داعش» جاء من قبل الكاتب الصحافي المصري «فهمي هويدي» وهو إخواني الهوى نشر مؤخراً مقالاً في جريدة «الشروق» المصرية بتاريخ 16 أيلول (سبتمبر) عنوانه «محاربة الإرهاب بالديموقراطية وليس بالسلاح».
والمقال دفاع غير مجيد عن «داعش»، ودعا بدلاً من التصدي لها بالوسائل العسكرية تحقيق الديموقراطية أولاً في العالم العربي!
يقول هويدى بالنص «إن شئت فقل إن خلفية داعش تكمن فيها عوامل عدة اجتماعية وطائفية وسياسية وثقافية وهذه كلها لا تصيبها الصواريخ ولا تستطيع أن تصل إليها طائرات «درون» من غير طيار، ذلك أنها عوامل ثابتة تتحدى أي تحالف عسكري مهما بلغت قوته. الأهم من ذلك أنها ليست كلها سلبية لأنها لا تخلو من إيجابية. ويظل التحدي الاجتماعي والسياسي هو كيف يمكن إنضاج ما هو إيجابي وتطويق ما هو سلبي، وذلك لا يتم إلا من خلال عمل سياسي وثقافي ولا يجدي فيه العمل العسكري الذي يمكن أن يثمر نتيجة عكسية بحيث يعزز مكانة ما هو سلبي ويحاصر ويقطع الطريق على ما هو سلبي».
والسؤال الذي نوجهه للكاتب الصحافي المرموق «هل يترك العالم حركة «داعش» تستمر في قطع رؤوس الرهائن واضطهاد المسيحيين وتهجيرهم من بلادهم إلى أن تتحقق الديموقراطية التي يدعو إليها؟!
في الواقع ما ذهب إليه هو دفاع صريح عن «داعش»، إن عبر عن شيء فهو يعبر عن تهافت العقل الإخواني، وأزمة العقل التقليدي المغلق!
* كاتب مصري |