أنا شخصيّاً من قرّاء "النهار" منذ كنت في صفّ الفلسفة، أي في الستينات. كنت مولعاً وقتذاك بقراءة الشؤون الثقافيّة أكثر من الشؤون السياسية. أما في الفترة التي أصبحتُ فيها أستاذ اللغات والآداب، منذ مدّة غير قصيرة، فأصبحت أهتمّ أكثر بالشؤون الفكريّة، سياسيّة أم تنظيميّة، محلّيّة أم اقليميّة ودوليّة، سيّما أنني أحمل دبلوماً في العلوم السياسيّة إلى جانب العلوم اللغويّة والتربويّة. قادتني هذه المقدّمة بعد أن قرأت في صفحة "قضايا النهار" التي أطالعها دائماً بتمعّن واهتمام زائدين لأهمّية المواضيع المطروحة في جميع الميادين، اقليميّاً ودوليّاً، مقالة الاستاذ محمّد مغربي الذي نحترم طاقاته العلميّة والوطنيّة وعنوانها: نقائص "الاعتدال" (الثلثاء 19 آب 2014).
من الناحية اللغويّة، كما يقول، الاعتدال هو الحلّ الوسط بين شيئين مختلفين أو متناقضين، القصير أو الطويل (معتدل في طوله)، البارد أو الحار (الفاتر أو المعتدل بحرارته أو بطبعه)... وأضيف على ما قاله رجل القانون أن كلمة اعتدال تعني بالأجنبيّة: MODERATION. وأعطيها ثلاثة معانٍ منبثقة من لغة Molière:
1- Retenue: qui porte à garder en toutes choses une certaine mesure أي التحفظ في الموقف والحدّ منه ولجمه.
2- Adoucissement: adoucissement d'une peine .أي تخفيف وتلطيف الحكم
3 - Diminution: d'un prix أي خفض الثمن أو السعر.
ذلك ما أدلى به الأستاذ مغربي في الشأن السياسي الذي أوصلنا إلى هذا الدَرْك من المواقف المخجلة والنتائج المجدبة. إن المواقف الحادّة كي لا أقول المتطرّفة المنبثقة من الحقيقة والمنطق والرجولة والوطنيّة الحقّة دون الالتفات إلى المصالح الخاصّة والتسويات والمنافع المتبادلة وما شاكل، هذه المواقف المتّخذة بعقلانيّة وترابط إرادات تقود حتماً إلى النتائج المجدية والمريحة.
وحسناً فعل الأستاذ مغربي عندما قارن الفارق أو الشبه بين "الاعتدال" و"العدل"، في مقالته هذه. نعود إلى اللغة الأجنبيّة: عدل أو عدالة: Justice. وصحّة القول أو الشيء أو القضيّة: Justesse: صحّة أو استقامة الميزان، أو آلة قياس أو حتّى صحّة تفكير: Justesse d'un raisonnement.
أما العدالة "Justice" فهي فضيلة أخلاقيّة : Vertu morale، قريبة من فضيلة المحبّة:Vertu de charité، حيث يُقال في علم الأخلاق: La morale: لا عدالة دون محبّة ولا محبّة دون عدالة. من هنا عدالة البشر وعدالة الله وهما بالطبع مختلفتان، للأسف.
كلّ ذلك لأصل إلى نتيجة فعّالة كما ارتأى الاستاذ المحامي الكريم: لا عدالة مع الاعتدال كما يزعم أصحاب الحلّ الوسط أو أصحاب الاعتدال في كلّ قضيّة أكانت فرديّة أم جماعيّة أم وطنيّة. الحلّ الجذري والناجح والمطَمْئِن هو الإقدام مهما كان الثمن والتضحيات إذا كانت القضيّة محقّة، مقدّسة، وطنيّة، داعمة للوحدة الوطنيّة وهادفة إلى احقاق الحقّ مهما تكن الظروف وذلك في جميع الميادين التي نتخيّلها أو نتصوّرها. من جرّاء ذلك أعلن بصدقٍ أنّ محمّد مغربي قال كلمته، كلمة حقٍ وصدقٍ وصراحة. |