نيري زيلبر شية تمرير الكنيست الإسرائيلي سلسلة من
الإصلاحات الانتخابية تحت مسمى "قانون الحوكمة"، وجهت انتقادات حادة لأحد نصوصه وهو: رفع الحد الأدنى
المطلوب لحصول الأحزاب السياسية على مقاعد في المجلس التشريعي إلى 3.25% من مجموع الأصوات المدلى بها.
وقد سلط الإعلام الضوء على مخاوف المعارضة من "عدم ديمقراطية" تلك الإجراءات التي قد تؤدي إلى سلب
مواطني عرب إسرائيل حقوقهم. غير أن التحليل الدقيق للنتائج الانتخابية والحقائق السياسية الأخيرة يشير
إلى أن القانون الجديد قد يساعد في الحقيقة الوسط واليسار الإسرائيلي.
الخلفية
تُعقد الانتخابات البرلمانية
الإسرائيلية على أساس التمثيل النسبي على مستوى البلاد حيث تحصل الأحزاب على نسبة من مقاعد الكنيست
بناءً على عدد الأصوات التي تحصل عليها - شريطة تحقيق نسبة الحد الأدنى من عتبة الأصوات. وقد ظلت نسبة
الحسم تلك عند 1% من مجموع الأصوات المدلى بها حتى عام 1992؛ ولم تُمنح الأحزاب التي لم تحصل على تلك
النسبة أية مقاعد. وكان قد تم رفع نسبة الحسم إلى 1.5٪ في انتخابات عام 1992، وإلى 2٪ في
انتخابات عام 2003. وسوف ينص قانون الحوكمة الجديد على رفع تلك النسبة إلى 3.25%، بالإضافة إلى إجراءات
أخرى.
وكان المبادرون الرئيسيون لمشروع القانون وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان
(من تحالف "الليكود- بيتنا") ووزير المالية يائير لابيد (من حزب "ييش عتيد"). وقد طالب لابيد بأن يتم
إدراج تلك الإجراءات في اتفاق الائتلاف الذي وقعه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد انتخابات كانون
الثاني/يناير 2013. وفي الوقت الذي قاد فيه لابيد الإصلاحات الحكومية، أو كما أسماها بـ "السياسة
الجديدة"، لم تكن فكرة رفع نسبة الحسم بالأمر الجديد. فلقد صاحب خفوت النجاحات الانتخابية الساحقة لحزبي
"الليكود" و"العمل" في تسعينيات القرن الماضي، صعود متزامن لأحزاب أصغر مكانة. ومن أجل تشكيل التحالفات
الحاكمة والحفاظ على استقرارها، لجأ رؤساء الوزارات إلى طلب الدعم من هذه الأحزاب التي غالباً ما تكون
معنية بقضية واحدة، مما أدى إلى قيام تشوهات في ترتيب أولويات الحكومة (أو كما يشار إليها محلياً،
بالابتزاز السياسي). ويرى الداعمون لمشروع قانون الإصلاحات الحالي أنه سوف يخفض من ذلك الشكل من
الائتلافات المتشرذمة، ويزيد من استقرار الحكومة، ويؤكد مجدداً على الأولويات الوطنية
الشاملة.
غير أن الصوت المعارض لتلك المقترحات كان له دوي مرتفع. ففي 20 كانون
الثاني/يناير، وصف رئيس حزب "العمل" يتسحاق هرتسوغ هذه الخطوة بأنها "خطراً على التعددية وشريان الحياة
الديمقراطية". وفي اليوم نفسه، أوضحت رئيسة حزب "ميريتس" زهافا جالون، أن الحكومة كانت تحاول أن "تقصي
من المشهد السياسي قطاعات من الشعب يجري ممارسة التمييز العنصري ضدها" بالفعل، فضلاً عن "إلحاق الضرر
البالغ بالنموذج الديمقراطي الإسرائيلي". وقبل ذلك في 26 كانون الأول/ديسمبر وصف أحمد الطيبي، رئيس
تحالف "راعام - تاعال" أو "الحركة العربية للتغيير" - فصيل عربي إسرائيلي بصفة أساسية - هذه الخطوة
بأتها "معادية للديمقراطية" و"مبادرة يمينية" تستهدف الأحزاب العربية والأقليات الأخرى. ومؤخراً، قاطعت
رموز المعارضة مناقشة مشروع القانون في الكنيست وصرحت عزمها على مقاطعة عملية التصويت يوم الثلاثاء -
[وبالفعل عند كتابة هذه السطور كانت المعارضة قد قاطعت عملية التصويت في 11 آذار/مارس، وتمت الموافقة
على مشروع القانون دون معارضة أو امتناع عن التصويت.]
دراسة النسبة الحاسمة
إذا وضعنا الانتقادات
جانباً، سوف تظل النسبة الحاسمة للانتخابات في إسرائيل منخفضة نسبياً إذا ما قورنت بمثيلاتها حتى بعد
تمرير القانون الجديد. ومن الصعب العثور على مقارنات تطابق الوضع في إسرائيل، على عكس بلدان أخرى، نظراً
لانعدام وجود تصويت في مناطق أو دوائر انتخابية مباشرة، حيث هناك اقتراع واحد فقط على مستوى البلاد. بيد
أن العتبات الانتخابية في جميع أنحاء العالم هي أعلى بشكل عام من 3.25 ٪. على سبيل المثال، إن
نسبة الحسم في كل من بولندا ونيوزيلندا وألمانيا هي 5٪، بينما هي 10٪ في تركيا. ولدى عشرين
من بين ثمانية وعشرين دولة في الاتحاد الأوروبي عتبات انتخابية أيضاً، واثنان منها فقط لديها نسبة حسم
تقل عن 3٪.
وليس هناك شك بأن رفع العتبة الانتخابية في إسرائيل، لها
تداعيات سياسية، ولكن يبدو أن مخاوف المعارضة مبالغ فيها. وفي الواقع، إن نتائج الانتخابات العامة التي
جرت العام الماضي ينبغي أن تمنح الفصائل اليسارية الوسطية سبباً للتفاؤل.
في
كانون الثاني/يناير 2013، ذهب ما يزيد على 268000 صوت - أو 7٪ من إجمالي الأصوات - إلى أحزاب لم
تتخطى نسبة الحسم المحددة عند 2%. وكان ذلك المزيج من الفصائل التي حصلت في الأصل على تلك "الأصوات
الضائعة" قد دعم مجموعة كبيرة جداً من القضايا؛ ومن بين تلك الفصائل الحزب الموالي لتقنين المريخوانا
"علَيْ ياروك" و حزب "القراصنة"، وحزب "إيريتس حدشا" لمكافحة الفساد، وحزب "عام شاليم" المعارض لحزب
"شاس" الارثوذكسي. غير أنه لم يكن هناك سوى فصيل واحد من بين الأحزاب التي لم تحصل على نسبة الحسم - وهو
"عوتصما ليسرائيل"، الموالي للمستوطنين والذي يقف من الناحية السياسية إلى يمين حزب "البيت اليهودي"
برئاسة نفتالي بينيت - الذي يمكن أن يُحسب على الجناح اليميني وفقاً للتعريف السياسي الإسرائيلي للمصطلح
(يعارض هذا الحزب حل الصراع الفلسطيني - على أساس قيام دولتين - عن طريق المفاوضات). وعلى الرغم من حصول
ذلك الحزب على ما يقرب من 67000 صوت (أو 1.76% من الأصوات والتي كاد أن يحقق بها نسبة الحسم)، إلا أن
الأغلبية الساحقة لتلك "الأصوات الضائعة" المتبقية التي تصل إلى 200000 صوت قد ذهبت إلى الأحزاب التي
تعتبر يسارية (في القضايا الاجتماعية) أو تحررية (في القضايا
الاقتصادية).
ويبدو أن داعمي رفع نسبة الحسم يؤمنون بأن العديد من تلك الأحزاب
الهامشية سوف تندمج مع أحزاب أكثر قوة أو قد تحجم عن المشاركة في الانتخابات المستقبلية بالكامل بسبب
انخفاض فرصها في الحصول على أية مقاعد. غير أنه إذا ما تم أخذ نتائج العام الماضي كقاعدة أساسية، سنرى
أن تلك الفصائل والأصوات التي تمثلها سوف تذهب على الأرجح إلى أحزاب يسار الوسط بهامش 3 :1 مقابل أحزاب
يمين الوسط.
على سبيل المثال، نجد أن الأصوات التي ذهبت لصالح حزب "علَيْ
ياروك" البالغة 44000 صوت قد تذهب بكل سهولة إلى حزب "ميريتس" الليبرالي إذا ما دعم هذا الأخير علانية
مزيداً من القوانين التي تتساهل مع العقاقير المخدرة. ولكي نضع الأمر في سياقه ، حصل "ميريتس" على ما
يزيد قليلاً على 172000 صوت في عام 2013، وفاز بستة مقاعد. وسيعني فوزه بـ 44000 صوت إضافي حصوله على
مقعد آخر على الأقل - في سلطة تشريعية تشغل فيها الاحزاب اليمينية والدينية 61 مقعداً وأحزاب الوسط
واليسار 59 مقعداً.
ومع ذلك، فإن الجائزة الأكبر من الناحية النظرية ستكون لـ
79000 مصوتاً كانوا قد دعموا حزب كاديما الوسطي الذي شق طريقه إلى الدورة الحالية للكنيست بصعوبة بالغة
بلغت 2.09% من الأصوات، وحصل على مقعدين. وبالنظر إلى العتبة الأعلى، فقد يختار حزب "كاديما" ورئيسه
وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز، الاندماج مع حزب آخر في الانتخابات المقبلة، من المرجح أن يكون ذلك
فصيلاً وسطياً.
تصويت عرب
إسرائيل
يأتي هجوم المعارضة الضاري ضد "قانون الحوكمة" منصباً بشكل
كبير على الخوف من عدم تمكن الأحزاب العربية الإسرائيلية من تخطي نسبة الحسم المرتفعة سالفة الذكر، وهو
ما يؤدي إلى سلب حقوق خمس المواطنين الإسرائيليين بالفعل. وإذا ما أخذنا نتائج انتخابات 2013 كقاعدة
أساسية، فسنجد أن هناك حزبين من الأحزاب الثلاثة التي تتشكل بشكل أساسي من عرب إسرائيل - "بَلاد" (2.56
٪ من الأصوات) و "حداش" (2.99 ٪) - التي لن يكون لها تمثيل في البرلمان في ظل نسبة الحسم
المعدلة البالغة 3.25%، مع أن الحزب الثالث، "راعام - تاعال"، قد يجد طريقه إلى الكنيست بصعوبة بعد
حصوله على 3.65% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة.
غير أن تمرير تلك
الإصلاحات الانتخابية المقترحة قد يؤدي إلى دخول تلك الفصائل تحت قائمة حزبية موحدة. وقد قاوم السياسيون
العرب تلك الفكرة لسنوات في ضوء اختلافاتهم الأيديولوجية الكبيرة، وقد يقررون الاستمرار في الترشح في
الانتخابات بشكل منفصل على الرغم من نسبة الحسم المعدلة، سواء أكان ذلك نابعاً من ثقتهم في فرص نجاحهم
في تخطي تلك النسبة أو رفضهم الكامل لفكرة التعاون مع بعضهم البعض. غير أنه وفقاً للنظام السياسي
الإسرائيلي، لن تكون تلك الأحزاب في حاجة إلى الاتحاد بشكل رسمي؛ بل يمكنها خوض الانتخابات بقوائم
مشتركة ومن ثم حلها بعد الانتخابات، وتقسيم المقاعد على كل حزب على أساس النتائج الانتخابية السابقة أو
استطلاعات الرأي عشية الاقتراع. وفي الواقع، إن حزب "راعام - تاعال" نفسه هو تحالف مكوّن من أحزاب
إسلامية وقومية عربية.
وقد أبدى عدد غير قليل من المراقبين أيضاً وجهة نظرهم
بأنه مع وجود قائمة موحدة، فإن ذلك قد يزيد من مشاركة المصوتين من عرب إسرائيل ومن ثم يزيد من تأثيرهم
في النظام السياسي. ووفقاً للإحصائيات الانتخابية الإسرائيلية الرسمية، فإن 77% من الأصوات الصحيحة التي
تم الإدلاء بها في المناطق التي يتمركز فيها السكان العرب بشكل رئيسي في انتخابات العام الماضي كانت من
نصيب الأحزاب العربية الرئيسية الثلاثة، في حين أن 1.6٪ فقط من الأصوات قد تم "ضياعها" على أحزاب
فشلت في اجتياز العتبة الانتخابية (مقارنة مع الرقم المذكور أعلاه على الصعيد الوطني والبالغ 7 ٪
من "الأصوات الضائعة"). وعلاوة على ذلك، لم يذهب إلى صناديق الاقتراع سوى 56% ممن لهم حق الانتخاب من
عرب إسرائيل في عام 2013 - وهو ما يعني تراجعاً بنسبة 10 نقاط مئوية عن إجمالي عدد المصوتين على مستوى
البلاد و20 نقطة مئوية عن نسبة تصويت عرب إسرائيل في عام 1999. وبعبارة أخرى، فإن احتمالات زيادة مشاركة
عرب إسرائيل في التصويت بشكل كبير قد يجعل من نسبة الحسم الجديدة أمراً لا يدعو إلى
القلق.
وحتى عندما انتقد السياسيون العرب في إسرائيل الإصلاحات المقترحة في
نهاية الأسبوع الأول من آذار/مارس، أشار عدداً منهم علناً بأنهم سوف يخوضون الانتخابات المقبلة في قائمة
مشتركة. وتوقع رئيس "بَلاد" جمال زحالقة حصول قائمة موحدة على ما يقرب من خمسة عشر مقعداً (مقابل
المقاعد الأحد عشر الحالية التي تشغلها الأحزاب العربية الإسرائيلية)، مشيراً إلى أن "مثل هذه الخطوة
تحظى بدعم شعبي مثير للإعجاب ومن شأنها أن تشجع الناخبين إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع." وبالمثل، قال
زعيم "راعام - تاعال" أحمد الطيبي، الذي يؤيد قيام لائحة موحدة منذ فترة طويلة، أن "القائمة المشتركة
ستؤدي إلى زيادة مشاركة الناخبين في الانتخابات فضلاً عن عدد الأعضاء العرب في الكنيست
القادم."
الخاتمة
بناءً على أنماط التصويت والوقائع السياسية الأخيرة،
فإن هذا الكم من النقد اللاذع الذي كان قد وُجه إلى "قانون الحوكمة" - وإصلاح العتبة الانتخابية - الذي
تم إقراره ليس له أي مبرر واضح. ففي الحقيقة ناصر العديد من قادة المعارضة الحاليين، ومن بينهم رئيسة
"ميريتس" زهافا جالون، الزيادة السابقة لنسبة الحسم التي كانت في السنوات
الماضية.
إن التاريخ السياسي لإسرائيل غني بالأمثلة على اندماج الأحزاب أو
دخولها الانتخابات تحت قوائم موحدة من أجل زيادة حظوظها الانتخابية، بما في ذلك التحالف الأخير "الليكود
- بيتنا"، و "يهدوت هتورا" (اندماج حزبين متشددين دينياً)، و "ميريتس" (تحالف مكون من ثلاثة أحزاب
يسارية)، وحتى إقامة حزب "العمل" الحالي (1968) و "الليكود" (1973). وعلى الرغم من أنه لا يزال من
المبكر جداً التكهن بالتحالفات التي ستتسبب في تشكيلها نسبة الحسم الجديدة والتي ستغير مجرى الانتخابات،
إلا أن القانون الجديد قد يساعد في الحقيقة الكثير ممن يعارضونه الآن ويصفونه بأنه محاولة "غير
ديمقراطية" أو "يمينية" لسلب حقوق الأقليات. وقد يؤدي مثل هذا التطور إلى تغيير تركيبة الكنيست القادم،
وبالتالي الحكومة المقبلة، مع كل ما يترتب على صناعة السياسات الإسرائيلية في
المستقبل.
10 آذار/مارس 2014
نيري زيلبر، هو صحفي وباحث في مجالي السياسة والثقافة في الشرق الأوسط، وباحث زائر في
معهد واشنطن.
|