تعكس حالة الارتباك في الخطاب الرسمي الأردني بشأن التحالف الدولي والإقليمي (المزمع تشكيله ضد داعش) حجم الغموض في تحديد طبيعة الدور الأردني، وحجمه، فيما لو تمّ رفع مستوى التدخل الأميركي والغربي ضد هذا التنظيم في الفترة المقبلة. ويمكن التقاط حالة الارتباك، عبر التصريحات المتضاربة غير الواضحة، فبينما صرّح رئيس الوزراء، عبد الله النسور، أخيراً، إنّ الأردن ليس عضواً في أي تحالف دولي، ولن يخوض حروب الآخرين، فإنّ التقارير الغربية تحدثت عن "خطة" حملها الملك عبد الله الثاني معه إلى الرئيس الأميركي، باراك أوباما (خلال اجتماع قمّة شمال الأطلسي "الناتو"، قبل أيام في ويلز)، وهي خطة لم يتم التأكد منها، أو الكشف عن مضمونها عبر السياسيين والإعلام المحلي، ولا يطمع الأردنيون بالحصول على ذلك، إلاّ إذا سُرّبت للإعلام الأميركي! المفارقة، وعلى الرغم من "شُحّ" المعلومات، وضبابية تصريحات المسؤولين الحكوميين عن أي "دور" أردني محتمل، فإنّ السجالات السياسية والإعلامية بدأت مبكّراً، وانعكست عبر حالة من التجاذب والاختلاف بين من يؤيّد انخراطاً أردنياً في التحالف والحرب على داعش، ومن يرفض الزجّ بالأردن في هذا الصراع، وجرت أغلب هذه النقاشات في الإجابة على السؤال التالي: هل الحرب التي يتم الإعداد لها للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق هي حرب الأردن، ومرتبطة بالأمن الوطني، وعليه التدخل فيها أم لا، أي أنّها ليست حربنا ولا يوجد لنا مصلحة في الدخول في مواجهة مباشرة مع هذا التنظيم؟ الطريف في الأمر أنّ كل هذه السجالات والنقاشات، وحتى التصريحات الرسمية، بالنفي أو الإثبات، بمثابة "تغميس خارج الصحن"، لماذا؟ لأنّ أي دور أردني مفترض، أم حقيقي، في الحرب الأميركية الغربية على داعش لن يكون معلناً، ولا مطروحاً، أمام الإعلام، وربما لا يعرف به سياسيون ومسؤولون كثيرون، وهكذا يحدث، عادةً، عندما توضع السياسات والمواقف الحساسة في "المربعات الرمادية"، أو الملتبسة، تبقى الحقائق في واد والمواقف والخطابات الرسمية والسجالات الإعلامية في وادٍ آخر! إذا تجاوزنا، إذاً، الخطاب الرسمي المعلن والسجالات الداخلية، وحاولنا من باب التحليل، تحديد الدور الأردني المتوقع في التحالف الدولي والإقليمي الجديد، فإنه سيكون على محاور متعددة، في مقدمتها المحور الأمني الاستخباراتي، المتعلّق بجانبين رئيسيين: الأول، تقديم معلومات مهمة، عبر الرصد والاختراقات، حول تنظيم داعش وقياداته في العراق والشام، لتسهيل الوصول إليهم واغتيالهم عبر الضربات الأميركية، والثاني وهو الأهم، الذي يعوّل عليه التحالف أكثر، ويتمثّل في استثمار نسيج العلاقات مع قياداتٍ عراقية سنيّة، في الأنبار ومناطق أخرى، وكثير منهم يقيمون في الأردن أو يترددون عليه، بالانتفاضة ضد داعش والاندماج في مواجهتها، وربما تقديم دعم لوجستي لهم في الأنبار، تحديداً.
الثاني، ويتمثل في العسكري، وسيقتصر، غالباً، على الدعم اللوجستي، من خلال ما توفره القواعد العسكرية الأردنية للتحالفات الدولية، وليس متوقعاً أن ينخرط جنود أردنيون بأعداد كبيرة، في أيّ عمليات عسكرية على الأرض، لأنّ أي خساراتٍ في هذا المجال ستنعكس سلباً بصورة كبيرة على الاستقرار الداخلي، وتثير جدالاً ونقاشاً واسعاً لدى المواطنين، فضلاً عن أنّ الإدارة الأميركية نفسها لن تخوض حرباً بريّة مع داعش، إذ سيقتصر دورها على تأمين الغطاء الجوي والصاروخي، وإضعاف التنظيم وقدراته، لتمكين الجيش العراقي والقوات الكردية من تحقيق انتصاراتٍ على أرض الواقع، تمهيداً للقضاء عليه تماماً. هذا على صعيد طبيعة الدور الأردني المتوقع؟ لكن، ماذا عن ردود فعل الشارع على هذا التحالف الدولي والإقليمي ضد داعش، في حين تكثّفت الضربات، وتعزّز القصف بدعم دولي كبير، هل سيؤيد الأردنيون القضاء عليه، وسيدعمون المساهمة الأردنية، أم العكس من ذلك؟ بانتظار أي بيانات أو نتائج متوقعة قريباً لدراسة اتجاه الرأي العام من هذا التنظيم، فإنّ مؤشرات المزاج الشعبي تشير إلى رفض الأغلبية المطلقة ما يقوم به التنظيم من أعمال وحشية، وما يحمله من أيديولوجيا متطرفة، بل وصلت حدود الإنكار لهذه الأعمال إلى قناعة شريحة من الرأي العام الأردني بوجود "قوى" أو "مؤامرة" ما تقف وراء صعوده وانتشاره، لتشويه الإسلام، أو تقسيم المنطقة، أو حتى تنفيذ أجندات تلك القوى والأطراف، فحجم التعاطف مع التنظيم في المزاج الشعبي، غالباً، محدود ومحجّم ضمن الفئة التي تتبنّى أفكاره، وهي، وإن كانت في ازدياد، إلاّ أنّها تبقى محدودة عموماً. مع ذلك، وفي حال تمّت هزيمة التنظيم عسكرياً في العراق، وإذا ما وُجّهت له ضربات في سورية، من دون خطواتٍ موازية متزامنةٍ لحل أزمة المجتمعات السنيّة في هذه الدول، التي تنعكس بشعور ملايين السنة بتهديد سياسي واجتماعي كبير، في مواجهة القوى الشيعية المؤيدة والمدعومة من طهران، فإنّ هذا الموقف الدولي سيعيد فتح الباب مشرعاً لتساؤلات خطرة وأساسية، تتمثل في المقارنة بين الصمت الدولي عمّا تعرّض له السنّة من إبادة في سورية، وتهجير وتهميش في العراق بينما ينتفض العالم لدعم الأقليات ويصطف مع الطرف الآخر من المعادلة؟! مثل هذه المقارنة كفيلة وحدها بتعزيز المناخ المتطرف في المنطقة، وفي الأردن، المرتبط بشروط وظروف موضوعية واقعية، ما يجعل الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة، مثل السعودية والأردن، مترددة وقلقة من أن يسجّل التدخل الدولي بوصفه انتصاراً لطرف ضد طرف آخر، ما يجعل من مواقف هذه الدول أكثر تعقيداً وحساسية وغموضاً!
محمد أبو رمان باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، ومتخصص في شؤون الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في العالم العربي. من كتبه "السلفيون والربيع العربي"و" الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي"و "الحل الإسلامي في الأردن" و"الإسلاميون والدين والثورة في سورية".
|