بدأت الحكومة بمواجهة تداعيات أزمة اللاجئين السوريين من خلال خطة تمكينهم وانخراطهم بالمجتمع، ولهذا تغير خطابها الاقتصادي الرسمي نحو طلب المعونة الخارجية لتلبية تمويل نفقاتهم المتزايدة.
باتت هناك قناعة رسمية أن أزمة اللاجئين السوريين ليست أزمة عابرة كغيرها من الازمات، التي ألمت بالاقتصاد الاردني واستطاع استيعابها، بل هي أزمة مفتوحة، ولا يوجد بالأفق ما يشير إلى أن هناك تسوية سياسية لإنهاء الصراع الدموي في سوريا، لا بل على العكس المؤشرات الواقعية تدلل على تفاقم الأزمة يوما بعد يوم، وهو ما توضحه إحصاءات التدفق اليومي للاجئين السوريين الذين يعبرون للمملكة يوميا، والذي يقدر معدلهم الاسبوعي بأكثر من ألفي لاجئ.
أزمة اللاجئين لها جوانب مظلمة على العملية التنموية، حتى رؤية الأردن التنموية لسنة 2025، لا يمكن لها أن تقترب من الواقع دون أن تستوعب حجم هذه التحديات، التي تخلفها أزمة اللاجئين على مختلف القطاعات الاقتصادية.
فقطاع الصحة، الذي يستحوذ على ما يقارب 10 بالمئة من إنفاق الدولة، بات يتعرض لضغوط غير مسبوقة في الخدمات التي يعكسها تنامي اعداد المراجعين ليس من المواطنين الأردنيين، وإنما من اللاجئين السوريين اللذين أعطتهم الحكومة أولوية العلاج في المراكز الصحية لاعتبارات، "الدفع بالدولار" من قبل مفوضية اللاجئين، ولا توجد أرقام حديثة عما دفعته تلك المفوضية للاردن، سوى فيما يتعلق بارقام 2012 والتي بلغت 86 مليون دينار حصلت عليها وزارة الصحة.
والامر لا يختلف بالنسبة لقطاع التعليم، الذي انهى قبل سنوات بشق الانفس نظام الفترتين في المدارس، ها هو يعود من جديد الى هذا النظام، خاصة في محافظات الشمال، حيث تقدر أعداد الطلبة السوريين بحوالي 45 الف طالب.
ولا أحد ينكر أن قطاع الخدمات ترنح هو الآخر من تداعيات ازمة اللاجئين السوريين، وانعكست آثار ذلك على فاتورة الدعم للمواد الاساسية التي ما تزال في الموازنة على حالها، رغم كل قرارات الرفع التي اتخذت، بسبب نمو الطلب عليها من قبل اللاجئين السوريين الذين باتوا يشكلون اليوم 10 بالمئة من سكان المملكة، فأرقام العجز والاقتراض التي نمت في الآونة الاخيرة كان جزءا اساسيا موجها لعمليات نفقات تواجد اللاجئين السوريين في المملكة، وارقام الدعم تطال ايضا فاتورة الكهرباء ومختلف اشكال الدعم الرسمي.
في الواقع إن ما يتلقاه الاردن من مساعدات من قبل المانحين والمؤسسات الدولية لا يشكل جزءا صغيرا من حقيقة احتياجات هذه المجتمعات الجديدة التي تشكلت، والتي، أي تلك الدول المانحة، تضغط دائما على الأردن في مختلف المحافل لإبقاء حدوده مفتوحة واستقبال اللاجئين السوريين، دون خطة دولية متكاملة لدعم هذه الوجود من الناحية الإنسانية والاقتصادية، فكل ما حصل عليه الاردن من دعم للاجئين لا يشكل في الحقيقة سوى 25 بالمئة من الاحتياجات الحقيقية، وخسائر الاقتصاد الأردني أكبر بكثير من القطاعات التي تأثرت من جراء التواجد السوري كما اعلنت الحكومة، فقطاع التشغيل والفرص الضائعة على الأردنيين والتي استحوذ عليها السوريون تشكل ضربة لكل جهود التنمية في البلاد، وتساهم في زيادة معدلات الفقر والبطالة في المحافظات، ما يشكل قنبلة موقوتة أمام راسمي السياسات الاقتصادية واستنزافا حقيقيا لموارد الدولة المحدودة، فهل تملك الحكومة خطة للتعامل مع الوجود السوري في المملكة غير استجداء المساعدات؟
|