سابين عويس
يبدأ اليوم نائب وزير الخزانة الاميركي دانييل غليتزر زيارة قصيرة للبنان في اطار جولة تشمل الاردن، في خطوة تعكس تنامي الاهتمام الاميركي بمراقبة مدى التزام سوريا تطبيق العقوبات الاميركية المفروضة عليها وأوجه التفلت منها عبر البوابتين الحدوديتين اللبنانية والاردنية. وسيستهل لقاءاته الرسمية من السرايا الحكومية مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ثم حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وممثلين لجمعية المصارف ضمن لقاءاته مع المصرفيين اللبنانيين.
وتأتي زيارة المسؤول الاميركي، وهي الاولى من نوعها على هذا المستوى فيما تشتد اللهجة الاميركية حول ضرورة تقيد الدول المحيطة بسوريا بالتزام تطبيق العقوبات عليها، مع احتمال فرض عقوبات على لبنان اذا تبين أنه يوفر المتنفس للنظام السوري للتفلت من العقوبات المفروضة عليه، وذلك في ضوء معلومات تشير الى ان لبنان يوفر النقد الاجنبي لدمشق.
والمعلوم أن الولايات المتحدة كانت خاضت مع الدول الاوروبية معركة نقل مستوى العقوبات الفردية ضد سوريا الى مستوى عقوبات دولية اصطدمت بالفيتو الروسي والصيني، مما أعاد المسألة الى مربعها الاول من دون أن يقلل ذلك من العزيمة الاميركية والاوروبية لجهة التشدد في العقوبات، وخصوصا بعدما أظهر واقع الامر تهرباً سوريا من التطبيق وقدرة على التفلت وفرها عاملان اساسيان: الدعم الروسي والصيني الذي دفع دمشق الى التحول في تعاملاتها المالية والمصرفية من الدولار أو الاورو الى اليوان والروبل، والحدود المتفلتة من أي رقابة مع لبنان والاردن ( وان على مستوى أقل). وفيما تقلل اوساط مصرفية من أهمية الزيارة وتضعها في اطار الاستطلاع والمتابعة عن قرب للاجراءات المتخذة للنأي بالقطاع المصرفي عن ارتدادات العقوبات على سوريا، معولة في انطباعها هذا على الهندسات الحمائية التي تتبعها المصارف تلقائياً أو بموجب التعاميم الصارمة للمصرف المركزي، ترى مصادر سياسية مطلعة أن الزيارة تكتسب دلالة خاصة لأكثر من اعتبار:
- فالمنصب الذي يشغله غليتزر نائبا لوزير الخزانة الاميركي له رمزيته، باعتبار ان وزارة الخزانة هي الاداة التنفيذية الصارمة في مسألة العقوبات المالية والمصرفية. ولا بد من التذكير بأن القرار الصادر عن هذه الوزارة في حق المصرف اللبناني الكندي أدى الى اعدامه في أقل من 24 ساعة!
- ان ذلك القرار الذي فاجأ السلطات النقدية اللبنانية دفعها الى الطلب الى وزارة الخزانة عدم اصدار أي قرار آخر يطول مصرفيين أو مصارف في أي عمليات مشتبه فيها قبل اعلام السلطات اللبنانية للتحقق والتدقيق، منعا لاحداث أي ردة فعل مقلقة في اوساط المودعين. وكان هذا التوافق توج بتأكيد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لرئيس الحكومة لدى زيارته الاخيرة لنيويورك أن أي قرارات في حق مصارف لن يتخذ قبل التشاور مع الحكومة اللبنانية. من هنا، لا تستبعد المصادر أن يؤخذ هذا الامر في الاعتبار في المشاورات المرتقبة اليوم.
- ان الاهداف المعلنة في بيان وزارة الخزانة الاميركية عن زيارة مسؤولها تؤكد بالبعد التقني ما سبق ان حذر منه نائب وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان قبل أيام عندما نبه الى "خطأ تورط لبنان في مساعدة النظام السوري سياسياً أو اقتصادياً، وهذا مهم للشركات والمصارف كي لا تقع هي أيضاً ضحية العقوبات اذا تحولت الى باب خلفي لسوريا"، والاخطر في ما اوضح فيلتمان، هو ربطه بين هذه العقوبات والمحكمة عندما قال ان الولايات المتحدة ستعمد الى "اجراءات قاسية" اذا اخفق لبنان في دفع حصته للمحكمة. وعليه، فان ما قاله فلتمان في السياسة، يترجمه زميله من وزارة الخزانة في الاقتصاد والمال بما أن وزارته هي الذراع التنفيذية للقرارات السياسية.
- أن الرسالة التي يحملها غليتزر واضحة في الشكل والمضمون: لبنان محيَد عن العقوبات ما دام يحيَّد نظامه المالي والمصرفي عن تبييض الاموال وتمويل الارهاب وينفذ التزاماته المالية حيال المحكمة الدولية بما يؤكد جدية وعود حكومته في هذا الشأن، والا فان كل الاحتمالات تصبح واردة في الاقتصاد قبل السياسة!
في الخلاصة تعكس زيارة المسؤول الاميركي جدية الاميركيين والاوروبيين في تعاملهم مع مسألة العقوبات على سوريا وأي دولة مسهلة أو داعمة. ولكن هل تستتبع التهديدات بالتنفيذ؟ لا شك في أن الكلام الاميركي المتشدد يدلل على أن فترة السماح المعطاة لحكومة ميقاتي بدأت عدها العكسي وأن الكلام المطمئن الذي يسمعه لبنانيون عن تفهّم للبنان وخصوصية أوضاعه لن يكون نافذا ما لم يؤكد هؤلاء جدية التزاماتهم، وخصوصاً أن تفاقم الوضع السوري الداخلي وتصعيد المواجهة مع ايران بدأ يزيد الضغط الداخلي والخارجي على "حزب الله".
ولكن هل يستشعر الحزب جدية تلك التهديدات؟ مصادر مطلعة على موقفه تشير الى أن الحزب ليس في وارد اقحام لبنان في مواجهة مالية اقتصادية مع الغرب، وخصوصا انه يعي أنه سيكون أول المتضررين بما أن العقوبات تستهدف رعاياه من الطائفة الشيعية في الدرجة الاولى. واذا كان الحزب يعترف بأن لا حاجة له الى المصارف أو التحويلات المصرفية، فإنه يدرك أن ضرب رؤوس الاموال الشيعية في الداخل أو الخارج سيكون موجعا، وهذا يفسر ما ينقل عن قياداته قولهم لمناصريهم "اذا اخطأتم فلا تتوقعوا أي تغطية أو حماية!
|