يتأهب حزب حركة النهضة الاسلامي لرئاسة حكومة ائتلافية في تونس، بعدما بعث فوزه في الانتخابات الحرة الأولى في البلاد لاختيار اعضاء المجلس الوطني التأسيسي برسالة إلى دول أخرى في المنطقة كانت تحظر يوما نشاط الإسلاميين الذين باتوا يتنافسون على السلطة منذ "الربيع العربي".
وأكد مراقبو الاتحاد الاوروبي ان الانتخابات "أجريت في اطار من الشفافية"، مشيرين الى ان "تجاوزات لا معنى لها" تخللت الاقتراع. وقالت بعثة الاتحاد في بيان ان "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تمكنت من تنظيم الانتخابات في اطار من الشفافية" وابدت "ارتياحها" الى سير العملية في الغالبية العظمى من المراكز الانتخابية. واضافت انها لم تسجل سوى "تجاوزات لا معنى لها" وخلصت الى ان "هذه الانتخابات ترجمت الارادة الواضحة للشعب التونسي". وكذلك اشاد مراقبو المنظمة الدولية للفرنكوفونية بـ"التنظيم الرائع" وخصوصاً "بالاقبال الكثيف للتونسيين". ونظمت هيئة مستقلة للمرة الاولى في تاريخ تونس الانتخابات بدل وزارة الداخلية.
ومع استمرار عملية فرز الاصوات أفاد حزب حركة النهضة ان احصاء ماكينته الانتخابية يظهر فوز الحزب في الانتخابات الأولى منذ الانتفاضات التي بدأت في تونس وامتدت في أرجاء المنطقة. وسعياً الى طمأنة العلمانيين في تونس ودول أخرى تخشى على قيمها الليبرالية قال مسؤولون في الحزب إنهم سيتحالفون مع حزبين علمانيين في ائتلاف موسع يحكم البلاد.
وقال مدير الحملة الانتخابية للحزب عبد الحميد الجلاصي الاثنين: "لن ندخر جهداً في اقامة حكومة ائتلاف... نطمئن المستثمرين والشركاء الاقتصاديين الدوليين".
وقالت زينب عمري وهي شابة محجبة: "إنها لحظة تاريخية... لا احد يمكنه ان يشك في هذه الانتخابات. النتائج اظهرت ان الشعب التونسي متمسك بهويته الاسلامية".
وأبدى المعارض السابق المنصف المرزوقي الذي احتل حزبه المؤتمر من اجل الجمهورية المركز الثاني في الانتخابات استنادا الى النتائج غير الرسمية استعداده للتعاون مع النهضة وأحزاب اخرى. وقال: "انا مع حكومة وحدة وطنية... نريد حكومة وحدة وطنية تكون بمشاركة اوسع الاطراف... هناك كثير من التحديات التي تواجهنا ويتعين على الطبقة السياسية ان تكون في مستوى الشعب التونسي الذي قدم درساً استثنائياً للعالم".
وتحدث مسؤولون في النهضة عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل من اجل العمل والحريات بزعامة مصطفى بن جعفر باعتبارهما شريكين محتملين في الائتلاف. 15 من 39 واعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ان حزب حركة النهضة فاز بـ15 من 39 مقعدا في خمس دوائر . وحل حزب المؤتمر ثانيا وحصل على ستة مقاعد، ثم قائمة "العريضة الشعبية" (5 مقاعد) والتكتل من اجل العمل والحريات (4 مقاعد). وحصل الحزب الديموقراطي التقدمي بزعامة نجيب الشابي على مقعدين. وتوزعت باقي المقاعد الثمانية على احزاب صغيرة وقوائم مستقلة.
وفي باريس، فاز حزب النهضة بأربعة مقاعد من العشرة المخصّصة للجالية التونسية في فرنسا، في حين حصل حزب المؤتمر على مقعدين وحزب التكتل على مقعدين أيضاً. ومن المرجح ان يكون لهذه النتيجة صدى في مصر التي ستجرى فيها في تشرين الثاني الانتخابات الأولى بعد الثورة. ومن المتوقع أن يكون أداء حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة "الاخوان المسلمين" والذي تربطه قواسم ايديولوجية مشتركة بحزب حركة النهضة، قوياً.
ويتزعم حزب حركة النهضة راشد الغنوشي الذي اضطر الى العيش في بريطانيا طوال 22 سنة. وهو يبذل جهداً كبيراً في التأكيد أن حزبه لن يفرض طابعاً اسلامياً على المجتمع التونسي أو الملايين من السياح الغربيين. وقد أوضح في تصريح لصحيفة "الشروق" الجزائرية ان "النهضة لن تنفرد بتسيير المجلس الوطني التأسيسي ولا ببقية المؤسسات في الدولة". وشدّد على ان "حركة النهضة ظلت تناضل دائما من أجل وقف الاحتكار والاستبداد".
لكن صعود حزب حركة النهضة أثار تشككاً لدى البعض في بلد تعود الجذور العلمانية العميقة فيه إلى الحبيب بورقيبة أول رئيس بعد الاستقلال والذي قال يوماً إن الحجاب "خرقة بغيضة". وقالت الصحافية مريم عثماني (28 سنة): "أشعر بكثير من الخوف والقلق بعد هذه النتيجة... حقوق المرأة ستتآكل... كذلك سنرى عودة الاستبداد بمجرد تحقيق النهضة غالبية في المجلس التأسيسي".
وربما ساعد اتجاه النهضة الى تشكيل ائتلاف على طمأنة بعض معارضيه. وقال عضو اللجنة التنفيذية للحزب علي العريض انه مستعد لتشكيل ائتلاف مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل وكلاهما حزب علماني.
ورحب القيادي في المؤتمر سمير بن عمر بهذه الخطوة. وقال: "نحن مستعدون لحكومة ائتلاف وطني على قاعدة برنامج سياسي موحد. من الممكن ان تشكل النهضة وحزب التكتل وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الحكومة".
واتهم بعض الاطراف اليساريين المرزوقي "بالتحالف مع الشيطان". غير ان المعارض التاريخي دافع عن ضرورة اقامة حكومة وحدة وطنية واسعة بفريق قوي "يملك القدرة على الحكم". ونفى قطعاً وجود اي تحالف مع النهضة قبل الانتخابات.
وقال بن جعفر المعارض الشرس للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي انه "لن يتحالف أبداً" مع النهضة "او غيرها" قبل الاقتراع، لكنه اكد انه سيبذل قصارى جهده لاقامة "حكومة مصلحة وطنية"، رافضاً دعوات من اطراف يساريين آخرين الى اقامة تحالف ضد النهضة.
وأقر الحزب الديموقراطي التقدمي، أبرز حزب علماني، بالهزيمة. وكان قد حذر الناخبين من ان قيم الحداثة والليبرالية ستتعرض للخطر في حال فوز الإسلاميين. وكان فوز النهضة تحولاً كبيراً في مصير الحزب الذي كان يزاول نشاطاته سراً قبل عشرة أشهر بسبب حظر كانت تفرضه الحكومة أدى إلى سجن مئات من أتباعه. واستغل الحزب في حملته الانتخابية رغبة التونسيين العاديين في التمكن من ممارسة شعائر عقيدتهم بحرية بعد سنوات من فرض العلمانية. كما سعى إلى أن يظهر ان في إمكانه تمثيل كل التونسيين ومنهم عدد كبير لا يلتزمون تعاليم الإسلام. ويقول معارضون علمانيون إنهم يعتقدون ان هذه الواجهة المعتدلة تخفي وراءها آراء أكثر تشدداً وخصوصاً بين أعضاء حزب حركة النهضة خارج العاصمة.
|