الجمعه ١١ - ٧ - ٢٠٢٥
بيانات
التاريخ:
شباط ٢٦, ٢٠١٣
المصدر:
nowlebanon.com
القانون الأرثوذكسيّ مرآة وجوهنا - حازم صاغية
المفاجأة بالإقرار التمهيديّ لمشروع القانون الأرثوذكسيّ في اللجان النيابيّة المشتركة ليست في محلّها. إنّها تشبه مفاجأة المرء بصورته في المرآة. فما دام أنّنا بشعون فسوف تظهر صورتنا بشعة في المرآة. وبما إنّنا طائفيّون فمن الطبيعيّ أن تكون صورتنا في المرآة طائفيّة.
مع ذلك فالمفاجأة تنطوي على أمر إيجابيّ واحد، هو الإقرار بأنّ البشاعة بشاعة، والظنّ بأنّ الجمال، وهو ما قد يعتقده المرء في نفسه، هو شيء آخر غير ذلك.
على أنّ هذا لا يغيّر في الأمر الأساسيّ الذي هو أنّنا بشعون. معظم ما فعلناه في السنوات الماضية كان طائفيّاً، ومعظم ما شهدته المنطقة المحيطة بنا كان كذلك، ومعظم ما أسّسناه في العقود السابقة، في لبنان كما في جواره، ينتهي بنا إلى هذه النتيجة.
لذا يجيء مشروع القانون الأرثوذكسيّ شفّافاً في إعلان الواقع، صريحاً ومباشراً وبلا تزويق. وإذا كانت شفافيّته لا تزال تُدهشنا، لأنّنا اعتدنا أن نُرفق الممارسة الطائفيّة بلغة ومزاعم غير طائفيّة، فالآن، مع القانون الأرثوذكسيّ، تطابقت الممارسة مع اللغة والمزاعم. لقد وضعنا جانباً "الوطنيّة" و"المواطنة" و"الأخوّة" وأعلنّا الأمور كما هي.
ونعرف كلّنا، ووراءنا ما لا يُحصى من تجارب، أنّ المشاعر الطائفيّة لا تعرف الإشباع والارتواء. فما تطلبه اليوم لن تؤدّي تلبيته إلاّ إلى طلب المزيد منه في الغد، وهكذا دواليك.
فلنتأمّل، مثلاً، وهذا مجرّد مَثَل واحد من أمثلة عدّة، كيف سيتنافس مرشّحان من طائفة واحدة على أصوات أبناء الطائفة نفسها. في هذه الحال ستكون مادّة التنافس بينهما توكيد كلّ منهما على طائفيّته وعلى ولائه لجماعته تلك، وتفنّنه في اكتشاف أعداء مشتركين من الطوائف الأخرى يتربّصون بهم جميعاً. ومن الطبيعيّ في حال كهذه أن يهيمن متطرّفو الطوائف كلّها، وأن تقترع الأكثريّات الطائفيّة لمن هم أكثر ذوداً عن حياض الطائفة.
وقصارى القول إنّ القانون المذكور يعني، في آخر المطاف، شيئاً واحداً، هو: لا وطن ولا من يحزنون، بحيث تقتصر هذه المهمّة المستحيلة على بضعة شبّان وشابّات أنقياء يدافعون عمّا هو مدنيّ عابر للطوائف، في حياتنا. لكنّهم يدافعون، أكثر من ذلك، عن المواطن-الإنسان بوصفه قيمة كونيّة لا تتجوهر، ولا ينبغي أن تتجوهر، في تعريف هويّاتي جزئيّ ينعزل عن سواه ويعزله.
إنّ ذلك القانون لا يُميت الوطن والوطنيّة لأنّهما ميّتان، إلاّ أنّه يوسّع القبر المدفونين فيه ويعمّقه.
وكم تغدو نكتة سمجة تلك الشعارات الكبرى، من الوطنيّة إلى المقاومة ومن الديموقراطيّة إلى الاشتراكيّة، حين يُطالَب بها أفراد لا يستطيع واحدهم أن يصوّت إلاّ لشريكه في الطائفة. وكم تتضاعف سماجة النكتة حين يكون رافعو تلك الشعارات هم أنفسهم رعاة ذاك القانون!
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة