السبت ١٢ - ٧ - ٢٠٢٥
بيانات
التاريخ:
شباط ٢٦, ٢٠١٣
المصدر:
جريدة الحياة
أزمة مصر والرهان الخاطئ على الوقت! - صلاح سالم
تكمن أزمة مصر اليوم في تدهور مفهوم السياسية وانحطاط معناها لدى جماعة الإخوان المسلمين حيث اقتصرت لديهم على فن المراوغة والمناورة. لقد بدا الرئيس والجماعة، والعطف هنا مقصود، في حال إصرار على توظيف منهج تقليدي خائب يتمثل في «الهروب إلى الأمام». فكل كارثة يتم ارتكابها يتم الهروب منها بتفجير أزمة أكبر منها كي يتلهى الناس بها عن سابقتها. حدث هذا في مواجهة الاحتجاجات على إعلان الاستبداد المسمى «دستورياً»، فكانت الدعوة إلى الاستفتاء على الدستور، وحدث إزاء الاعتراض على الدستور الجديد، وعلى الحكومة العاجزة، باستعجال قانون الانتخابات بغرض الدعوة إلى الانتخابات البرلمانية ووضع الجميع أمام أمر واقع جديد، لينسى الناس الدستور وينشغلوا بالمنافسة الانتخابية... وهكذا.
وهنا لا تمثل دعوات الحوار الرئاسية أكثر من مناورة لكسب الوقت، ظناً أنه وحده كفيل بمعالجة الأزمات، حيث تتآكل إرادة المعارضين، وتتشقق صفوفهم، وتضعف همة المواطنين إزاء ضغط الحاجات الاقتصادية عليهم، فلا يكون أمامهم سوى الخنوع في نهاية الأمر، ومن لم تخضعه الحاجة المادية يقهره التعذيب المفرط، وتكسره الإهانة العميقة، أو ليذهب به الموت بعيداً. ولهذا تبدت آذان الجماعة صماء حتى عن صوت حلفائها من الإسلاميين، خصوصاً حزب النور الذي قدم مبادرة عملية قابلة للتنفيذ، تجاوبت معها جبهة الإنقاذ والأزهر الشريف، وانتظر الشارع السياسي نتائجها بشغف أملاً في تحقيق توافق يخرج البلاد من حال الانسداد، ويذهب عن الناس حال الإحباط والاكتئاب. غير أن الجماعة تجاهلتها والرئاسة تنكرت لها، حتى لا تمنح لحزب النور مساحة سياسية يتحرك فيها، أو تعترف له بدور الجسر بين الفرقاء كي يبقى السلفيون صقوراً متشددين، تبدو الجماعة قياساً إليهم حملاً وديعاً، ووكيلاً حصرياً للاعتدال الإسلامي.
وهنا مفارقة كاشفة، فحزب النور الذي أتى من خلفية محافظة كانت ترفض العمل الحزبي حتى منتصف 2011، وتورط بعض أعضائه سلفاً في مواقف سياسية ساذجة، وفي مواقف أخلاقية سلبية، يطرح مبادرة مخلصة يتلاقى فيها مع من كان يحسبهم خصومه، ويتناقض فيها مع من كانوا حتى الأمس حلفاءه، عندما أدرك أن السفينة باتت مشرفة على الغرق، ولا بد من عمل كبير لإنقاذها، وهو أمر يشي ليس فقط بروح وطنية مسؤولة تنزع إلى التوافق، بل أيضاً برغبة في التعلم عبر نقد الذات وتصحيح المسار، تجعله أقرب إلى الروح الدينية الحق، التي تبدو الجماعة بعيدة منها، خاضعة لأكثر وجوه السياسة شراسة وقبحاً، تلك التي تجعلها صنواً لفن المناورة والقدرة على المراوغة، وهو الأمر الذي يفسر فشل تجربتها في الحكم على رغم خبراتها السياسية الطويلة، ومشاركاتها البرلمانية الكثيرة على مدى العقود الأربعة الماضية.
وفي المقابل، ينمو غضب المعارضة الوطنية، إزاء رفض مبادراتها الساعية للخروج من الأزمة الواحدة تلو الأخرى، خصوصاً مبادرة السيد عمرو موسى بتشكيل حكومة وطنية وتأجيل الانتخابات لمدة ستة أشهر يتم خلالها وضع البلاد على الطريق الصحيح، وعقد مؤتمر دولي لإنقاذ الاقتصاد المصري، وهي مبادرة وطنية بامتياز، صدرت عن رجل دولة حقيقي كان هو المرشح الوحيد الذى بلغت نزاهته السياسية حداً خرج معه ليعترف بهزيمته، مهنئاً المصريين بنجاح أولى خطواتهم على الطريق الديموقراطي، أعقاب فشله في الوصول إلى جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية الماضية، سعى من خلالها إلى إنقاذ البلاد وليس إلى كسب سياسي رخيص أو نصر انتخابي تافه، لأنه لو فكر في مصلحته الانتخابية لكان الأولى به التعجيل بالانتخابات ولتمنى إجراءها اليوم، في وقت سقطت فيه كل أوراق التوت عن انتهازية الجماعة، وتبدى عجزها عن إدارة البلاد، ونمت عداواتها مع محافظات القناة الثلاث التي دخل بعضها في طور العصيان المدني.
إنها اللحظة الأكثر سوءاً للجماعة، ومن ثم الأكثر مثالية لخصومها على صعيد المنافسة الانتخابية، فيما قد يؤدي تأجيل الانتخابات ونجاح الحكومة الجديدة في تخفيف حدة الأزمات، وامتصاص العنف، ودفع البلاد إلى الأمام، ما يؤدي إلى تحسين صورة الجماعة التي ينسب إليها الجميع تجربة الحكم الحالية، حتى لو حاولت التبرؤ منها. وهو أمر يؤكد أن الرجل لم يسع من خلال مبادرته إلى كسب سياسي رخيص على حساب الوطن، لأنه كسياسي محنك يدرك أنه من دون دولة قوية الأركان، لن يكون هناك معنى لأي نظام حكم، ولا استقرار لأي حكومة، ولا قيمة لأي حاكم، وهي الحقيقة التي يجهلها الإخوان، بطبيعة تكوينهم كجماعة مغلقة تضيق لديها زاوية الرؤية، تضع تصوراتها ومصلحتها فوق تصورات الآخرين ومصالح الوطن.
أما المشكلة الأكبر، والناجمة عن ذلك الرهان الخاطئ على الوقت فتتمثل في تغير تركيبة الثوار ونوعية المتظاهرين في الشارع باتجاه العنف وبعيداً من السلمية، كنتاج ليس فقط لعمليات القمع الجارية، ولكن أيضاً لحال الموت السياسي. فالتظاهرات لا يمكن أن تبقى في حال سلمية دائمة، فإما أن يستجيب الحكم لها فتنقضي أسبابها من الأصل، وإما أن يتعالى عليها فتزداد رغبتها في التحدى وربما الانتقام. وهكذا يقود الجمود إلى انحسار السياسة وتراجع القوى التي تمثلها، وإلى انفجار العنف مع تراجع وعي المتظاهرين وتشرذم التكوينات التي تضمهم، حتى يأتي يوم قريب يسود فيه العنف المطلق، ويكون الطوفان.
*
كاتب مصري
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة