31 مواطناً بحرينيّاً سُحبت منهم الجنسيّة، الأسبوع الماضي. في عداد هؤلاء نائبان سابقان، أي فردان يحظيان بدرجة من التمثيل الشعبيّ.
واقع الأمر أنّ هذا ليس مهمّاً إلاّ لإلقاء مزيد من الضوء على الصورة: فإن كان هذان الاثنان يحظيان بتمثيل أم لا، وإن كان الـ31 معارضين أم مخرّبين، يبقى أنّ سحب الجنسيّة ليس عقاباً، وذلك بالضبط لأنّ منح الجنسيّة ليس منّة.
والسلطة التي تفعل ما فعلته سلطة البحرين بسحبها الجنسيّة من 31 مواطناً، تكون تعلن أن البلد مُلك لرجل (أو لعائلة في الحدّ الأقصى)، رجلٍ يمنّ بالجنسيّة ثمّ يعاقب بسحبها. وهذا ما لا يمتّ بصلة إلى أبسط معاني المواطنة، ناهيك عن التقدّم والحداثة.
ولدى النظر إلى هذا الإجراء في السياق السياسيّ الراهن، يتبدّى كم أنّ السلطات العربيّة عصيّة، رغم كلّ ما حدث، على الإصلاحات الجدّيّة، وعلى تقديم تنازلات فعليّة لشعوبها. وربّما باستثناء المغرب جزئيّاً، لا تزال فكرة المَلكيّة الدستوريّة، في البلدان ذات الأنظمة المَلكيّة، شيئاً أقرب إلى الأحلام. أمّا حين نصل إلى الخليج، حيث تتجلّى حساسيّة الصراع الإقليميّ، فينضاف التوتّر الكويتيّ إلى قمع الانتفاضة البحرينيّة ليدلّ إلى حيويّة الإلحاح على إصلاحات لا تأتي منّةً من أحد. فإذا قيل إنّ أطرافاً في المعارضة البحرينيّة متورّطة مع إيران، وهذا صحيح، كان ذلك سبباً إضافيّاً لمباشرة الإصلاح الذي يقطع الطريق على تورّط كهذا إذ يُحرجه ويحاصره.
أبعد من هذا، يخاف واحدنا حين يتذكّر أنّنا نعيش في منطقة لا تزال الجنسيّة فيها تُعامَل كمنّة أو كعقاب. وفي عالم كهذا، ونزولاً إلى المستوى العمليّ والوظيفيّ، سيكون طبيعيّاً في من تُسحَب منه الجنسيّة أن يتحوّل إلى ما تسمّيه الأنظمة "خائناً". فالمطرود من جنسيّته يبحث عن مكان يأويه وعن هويّة تُعينه في أمور حياته اليوميّة.
وفي البحرين تحديداً، حيث يعمل النفوذ الإيرانيّ على الإفادة من التناقضات الداخليّة، ومن الغبن النازل بالاكثريّة الشيعيّة، لن يعمل سلوك كهذا إلاّ على دفع مَن تُنزع منهم الجنسيّة إلى الحضن الإيرانيّ.
يتمّ هذا على رغم "نصائح" و"ضغوط" يمارسها أصدقاء في فمهم ماء. ذاك أنّ الغرب لا يستطيع بالتأكيد أن يتخلّى عن مصالحه في الخليج، وهي كثيرة جدّاً، من أجل القيم. لكنّه لا يستطيع، في الوقت نفسه، أن يدير ظهره للقيم التي هي قيمه.
هكذا تتولّى أعمال كهذه، وما يشبهها من ممارسات، إحراج العالم برمّته، مع تقديم الحجج السهلة لذوي العقول البسيطة الذين إمّا أن يروا المصالح من دون القيم أو القيم من دون المصالح.
وهذا، في عمومه، سيّء ومُقلق للغاية.
|